لبنان: اتساع دائرة الاحتجاجات و لا مؤشر على حكومة جديدة
شلت موجة جديدة من الاحتجاجات مختلف مناحي الحياة في لبنان يوم الأربعاء بعدما أغضب الرئيس ميشال عون المتظاهرين بتصريحات حثهم فيها على إنهاء تمردهم على الفساد والمحسوبية في المؤسسة السياسية الحاكمة.
ويواجه لبنان بعد شهر من اندلاع احتجاجات عمت أرجاءه أزمة سياسية واقتصادية يتسع نطاقها دون ظهور أي مؤشر على اتفاق زعمائه على حكومة جديدة تحل محل المنتهية ولايتها برئاسة سعد الحريري الذي استقال يوم 29 أكتوبر تشرين الأول.
وعاودت البنوك غلق أبوابها هذا الأسبوع لمخاوف متعلقة بسلامة الموظفين بعد أن ظلت على ذلك النحو لنصف شهر أكتوبر تشرين الأول. ومنعت السلطات المصرفية التحويلات لخارج البلاد وسط شح الدولار وضعف الليرة اللبنانية المربوطة بالعملة الأمريكية في السوق السوداء.
وعلى الرغم من أن المظاهرات سلمية إلى حد بعيد، فقد أطل التوتر برأسه مجددا منذ مساء يوم الثلاثاء عندما قال عون في مقابلة تلفزيونية مساء يوم الثلاثاء إن لبنان يواجه ”نكبة“ إذا لم ينته التمرد.
ولم يكد عون يختتم لقاءه التلفزيوني حتى خرج المحتجون إلى الشوارع في أنحاء لبنان وقتل أحدهم بالرصاص بعد ”احتكاك“ مع جنود لبنانيين عند حاجز جنوبي بيروت.
والقتيل من أنصار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان خصما لعون خلال الحرب الأهلية. وحث جنبلاط أنصاره على التزام الهدوء.
وبثت قناة (إل.بي.سي) التلفزيونية يوم الأربعاء لقطات مصورة لاشتباكات في منطقة جل الديب ذات الأغلبية المسيحية قرب بيروت، حيث دخل المحتجون في مواجهات مع أشخاص آخرين بينهم أنصار لعون أغضبتهم حواجز الطرق.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن رجلا مسلحا انطلق بسيارته أمام المحتجين وهو يشهر بندقيته ويطلق النار في الهواء. وقالت إن المحتجين انتزعوا سلاحه وأحدثوا أضرارا بالسيارة.
وشملت مقابلة عون عدة تصريحات أغضبت المحتجين، ومنها تعليق فُهم على نطاق واسع بأنه يعني إبلاغه إياهم بالهجرة إذا لم ترق لهم طريقة إدارة البلاد ، إذ قال ”لم أر أبدا عبر التاريخ، كالذي يحصل اليوم، حيث يوجد خلاف من دون حوار. فهل توجد أي ثورة من دون قائد؟… إذا لم يكن هناك ’أوادم‘ بينهم في هذه الدولة يروحوا يهاجروا وما رح يوصلوا للسلطة“.
وردا على تلك التصريحات قالت ليندا بولس مكاري (33 عاما) وهي تشارك في إغلاق طريق في منطقة نهر الكلب في بيروت إن عون خاطب المحتجين وكأنهم أطفال وأضافت ”بعض الاحترام… الاحترام لمن ينامون في الشارع منذ شهر“.
وقالت جويل بيتراكيان التي تشارك في احتجاج أغلق طريقا سريعا في وسط بيروت ”رد الفعل كان عفويا جدا. شعر الناس أن علينا زيادة الضغط“ ووصفت مقابلة عون بأنها ”منفرة جدا“. وأضافت ”أعتقد أنهم يحاولون بكل السبل تهدئتنا لكن على العكس.. لن نتوقف“.
وجلس عشرات المحتجين على مرأى من الجنود والشرطة لقطع الطريق المزدحم عادة بينما استمر تصاعد الدخان من حطام أشعل فيه محتجون النار خلال مظاهرات ليل الثلاثاء بسبب تصريحات عون.
وعلى الرغم من عمق الأزمة الاقتصادية الأسوأ منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990، لم يتمكن الزعماء من الاتفاق على حكومة جديدة. وهوت السندات الدولارية اللبنانية أكثر يوم الأربعاء.
وتريد جماعة حزب الله الشيعية القوية المدعومة من إيران وحليفتها حركة أمل تولي الحريري رئاسة الوزراء مجددا.
لكن الحريري المتحالف مع دول الخليج العربية والغرب قال إنه لن يعود للمنصب إلا إذا كان بوسعه تشكيل حكومة من المتخصصين تكون قادرة على إنقاذ الوضع واجتذاب الدعم الدولي.
وقال مصدر مقرب من الحريري ”نقبل بحكومة لا بد وأن تعكس توازنا سياسيا في البلاد، لكن من خلال المتخصصين وليس المرشحين التقليديين من الساسة الذين يشاركون في الحكومة عادة“.
وأوضح عون في المقابلة أن الحريري متردد في تولي منصب رئيس الحكومة مجددا. وقال أيضا إن حكومة التكنوقراط التي يطالب بها الكثير من المحتجين لن تكون قادرة على حكم لبنان ويجب أن تضم عددا من الساسة.
ويعتقد حزب الله وحركة أمل بأن الحريري يهدف في الأساس لإبعاد حزب الله عن الحكومة حسبما أفاد مصدر مطلع على رأي الجماعتين الشيعيتين.
قال عون يوم الأربعاء إن الأوضاع الاقتصادية في لبنان تزداد ترديا نتيجة ما تمر به البلاد لكن بدء التنقيب عن النفط والغاز، المتوقع قريبا، سيساعد على تحسن الوضع تدريجيا. ونُشرت تصريحات عون على صفحة رئاسة الجمهورية اللبنانية على موقع تويتر.
وذكر متعامل في سوق الصرف أن العملة المحلية تراجعت أكثر في السوق السوداء ليسجل سعرها 1850 ليرة للدولار مقارنة مع 1820 يوم الثلاثاء. ودفع تراجع الليرة بعض المتاجر إلى زيادة أسعار السلع المستوردة.
وقالت الرئاسة اللبنانية إن عون التقى مدير دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو الذي سلمه رسالة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبدى فيها استعداد بلاده لمساعدة لبنان في الظروف الراهنة.
وتفرض البنوك التجارية قيودا صارمة على التحويلات المالية للخارج وعلى سحب الدولار سعيا للحيلولة دون نزوح رؤوس الأموال. ولم تعلن السلطات قيودا بشكل رسمي على تحركات رؤوس الأموال.
وأغلقت المصارف في لبنان أبوابها مجددا يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء بسبب إضراب الموظفين الذين يشعرون بمخاوف على سلامتهم من عملاء يطالبون بسحب أموالهم ومحتجين تجمعوا عند البنوك. وكانت البنوك قد أغلقت أبوابها نحو نصف أيام شهر أكتوبر تشرين الأول.
وقال اتحاد نقابات موظفي المصارف اللبنانية إن أعضاءه سيواصلون الإضراب حتى يوم الخميس. وقال جورج الحاج رئيس الاتحاد لرويترز إن جمعية المصارف اللبنانية ستبحث مع وزارة الداخلية سبل تعزيز الأمن. ولم يتضح بعد متى ستعاود البنوك فتح أبوابها.
وحث عون اللبنانيين كذلك على ألا يهرعوا إلى البنوك لسحب الأموال، التي قال إنها آمنة. وقال ”أطمئن اللبنانيين ألّا يركضوا نحو المصارف، فأموالهم مضمونة وستصلهم كاملة وسنعالج هذه الأزمة“.
وقال عن نقص السيولة في الدولار ”إن الدولارات موجودة تحت الوسادة، عندما تكون هناك حاجة باستطاعة اللبنانيين أخذ أموالهم، إن الدولار غير مفقود في لبنان إلا أنه يتم إخراجه من الودائع إلى المنازل، وهذا ما يخرب الأمور“.
وأغلق محتجون الطريق الرئيسي في خلدة، وهي المنطقة التي شهدت سقوط القتيل يوم الثلاثاء، بإحراق إطارات سيارات، حدادا على مقتله.
وقال أحدهم ”هذا شهيد لبنان.. شهيد الثورة.. ودمه برقبة كل واحد قاعد على الكرسي من رئيس الجمهورية ونزول… نحن هون اليوم عصيان مدني ممنوع حدا يمرق (يمر)“.