فوضى في الديبلوماسية الأميركية
تسببت الفضيحة التي تحيط بالرئيس الأميركي دونالد ترامب بمأزق محرج وغير مسبوق، إذ على الدبلوماسيين وموظفين في مجال الأمن القومي مواصلة عملهم بعد تعرّضهم للهجوم من سيد البيت الابيض، أعلى مسؤول عنهم.
وتعرّض خبير البيت الأبيض في الشأن الأوكراني اللفتنانت كولونيل ألكسندر فيندمان لهجوم عبر الإنترنت من قبل الجهة نفسها التي توظفه، بينما شكك حلفاء الرئيس بأسلوب عدائي في إمكان الوثوق بالقائم بأعمال السفير الأميركي في كييف بيل تايلور على الهواء مباشرة.
وبعد ذلك كلّه، عاد هذان الشاهدان الرئيسيان في التحقيق المرتبط بعزل ترامب وغيرهما لممارسة عملهما.
ولا يزال فيندمان، الخبير في مجلس الأمن القومي الذي ذكر أنه قال لوالده اللاجئ السوفياتي إن لا شيء لديه ليخشاه عبر قول الحقيقة، في منصبه في البيت الأبيض، الذي نقل حسابه الرسمي على تويتر عن مديره تشكيكه في مدى قدرته على التمييز.
وبينما اضطر فيندمان لتحمّل تهكّمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق بأصوله الأوكرانية، أكّد الجيش الأميركي أنه يقدّم الدعم اللازم لضمان حماية العسكري السابق الذي شارك في حرب العراق.
أما تايلور فرسم صورة تؤكد التهمة الأساسية بأن ترامب حاول لي ذراع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإجباره على الإعلان عن تحقيق بشأن منافسه الأبرز في انتخابات 2020 جو بايدن.
ولم يتردد جيم جوردان، النائب المؤيد بشدة لترامب، عن الاستهزاء بالدبلوماسي مؤكدا أنه “لا يمكنه تصديق” أن تايلور هو “أبرز شاهد” بالنسبة للديموقراطيين.
وبعد ذلك، عاد تايلور لتمثيل الولايات المتحدة في أوكرانيا.
وأصدر بيانًا أشاد فيه بالإفراج عن ثلاث سفن كانت محتجزة لدى روسيا قائلاً “أهنّئ الرئيس زيلينسكي وفريقه المعني بالسياسة الخارجية بإنجازاتهم الأخيرة”.
بدوره، عاد سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند إلى بروكسل بعد ساعات من إفادته بأن ترامب أمر بتأجيل عقد قمة مع زيلينسكي للضغط عليه للإعلان عن التحقيق.
وقال دبلوماسي أجنبي في واشنطن إن الفضيحة أثّرت بشكل ملحوظ على التعاملات مع أوكرانيا، المنخرطة في نزاع ضد مقاتلين انفصاليين مدعومين من روسيا في شرق البلاد.
وأشار المصدر إلى أنه “لا يوجد حاليًا محاور أميركي” بشأن أوكرانيا بعد استقالة مندوب واشنطن كورت فولكر والإهانة العلنية التي تعرّض لها تايلور.
وفي هذا الصدد، تساءل المسؤول السابق في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية الذي تخصص في الشأن الأوكراني جوناثان كاتز عن الطريقة التي ستنتهجها كييف لتحديد من تثق به، خصوصًا بعدما قال شهود إن ترامب سلّم مسؤولية تحديد السياسات لمحاميه الخاص رودي جولياني.
وقال كاتز، الخبير حاليًا لدى صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة، عن المسؤولين الذين وجدوا أنفسهم منخرطين في الفضيحة إنها “تقوّض بكل تأكيد قدرتهم على مواصلة مهام الأمن القومي بشكل طبيعي”.
وأشار إلى أن مهاجمة الرئيس الأميركي للموظفين الدبلوماسيين أو الحكوميين الذين عادة ما يحصلون على دعم الحزبين هو أمر غير مسبوق.
واضاف كاتز “أنا متأكد مئة بالمئة بأن أيًا من هؤلاء الأشخاص الذين أدلوا بشهاداتهم ما كان ليفكر قبل عام بأنه سيكون في هذا الموقف”.
وتابع “عندما تشعر بأنك تقوم بأفضل وظيفة ممكنة من أجل الولايات المتحدة ويكون لديك رئيس يتصرف من منطلق مصالحه الخاصة ولا يقوّضك فحسب بل يغتالك سياسيًا، فان ذلك يؤثّر في شكل كبير على مسيرات هؤلاء الأشخاص المهنية وحياتهم وعائلاتهم”.
بخلاف معظم الديموقراطيات الغربية، يختار الرئيس بموجب نظام الولايات المتحدة جميع السفراء، ما يعني تغييرات واسعة ووجود فجوات تستمر لوقت طويل بعد كل تغيّر في الإدارة الأميركية.
وعلى وقع فضيحة أوكرانيا، تعهّدت المرشحة الديموقراطية للانتخابات الرئاسية إليزابيث وارن منح أولوية لتعيين الدبلوماسيين الذين اتّخذوا من الأمر مهنة وإلغاء الممارسة الشائعة في أوساط الحزبين بتعيين المانحين في أفضل المناصب.
وقالت “يجب إنهاء ممارسة بيع الدبلوماسية الأميركية في مزاد علني لمن يدفع أعلى سعر”.
وحظي الدبلوماسيون الذين تعرّضوا للهجوم بتضامن صامت من زملائهم في الخارجية. فشارك العديد من الدبلوماسيين على صفحاتهم الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي شهادة ماري يوفانوفيتش، التي أقالها ترامب من منصبها كسفيرة لدى أوكرانيا بينما وصفها خلال مكالمة مع زيلينسكي بـ”الخبر السيء”.
وأشارت يوفانوفيتش، التي هاجمها ترامب مباشرة عبر تويتر بينما كانت لا تزال تدلي بشهادتها، إلى تضحيات الدبلوماسيين وبينها احتجاز موظفي السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يومًا بعد اقتحام المقر عام 1979.
وتطرقت كذلك إلى مقتل أربعة أميركيين بينهم سفير في بنغازي بليبيا و”الهجمات الصوتية” الغامضة التي تعرّض لها دبلوماسيون أميركيون في كل من كوبا والصين.
وقالت “أعتبر نفسي محظوظة كوني مسؤولة في الخارجية ولقدرتي على المساهمة في أفضل ما يمكن لأميركا تقديمه ولخدمتي الشعب الأميركي على مدى الأعوام الـ33 الماضية”.
ولدى انتهائها من الإدلاء بشهادتها، حظيت يوفانوفيتش بتصفيق حار ممّن حضروا جلسة الاستماع العلنية.