خيم الحوار تملأ ميادين المتظاهرين في لبنان
كان عبيدة تكريتي من أول المبادرين في إنشاء “خيمة حوار” تطرح مواضيع شائكة مثل العلمانية والطائفية، قرب ساحة التظاهر الرئيسية في طرابلس في شمال لبنان، في إطار حراك شعبي يتواصل منذ أسابيع مطالباً بإسقاط الطبقة السياسية.
ويقول عبيدة (29 عاماً) لوكالة فرانس برس “كان لا بدّ أنّ نخلق في ساحات التظاهر مساحات لإعادة تكوين وإنتاج خطاب سياسي نظيف وجديد، يساعد على تعزيز أرضية الحراك المطلبي بوجه السلطة”.
أطلق على الخيمة التي ينشط فيها عبيدة المنتمي الى إحدى مجموعات المجتمع المدني اسم “ساحة ومساحة”. ومثلها انتشرت هنا وهناك في طرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية التي تشهد تظاهرات واعتصامات من بيروت إلى جونيه وجل الديب (وسط) وصولاً إلى صيدا وصور جنوباً، خيم تُعقد فيها بانتظام حلقات حوار تناقش مستقبل الحراك أو مواضيع قانونية وحقوقية واجتماعية واقتصادية، في ظاهرة نشأت من رحم ما بات يسمى ب”ثورة 17 تشرين”.
وتبدأ خيم الحوار في طرابلس عادة باستقبال الحلقات الحوارية بين الساعة الخامسة والتاسعة مساء. وتستضيف خبراء في الشأن السياسي والاقتصادي والقانوني يبحثون مع الحاضرين مواضيع عدة مثل نظام بديل للنظام اللبناني الذي يشكو كثير من المشاركين في هذه الانتفاضة الشعبية تجذره وما ينتج عنه من محسوبيات وفساد في الوطن الصغير المتعدد الطوائف والأحزاب. كما يتناول الحوار آليات التعاطي مع الأزمة المالية القائمة والدولة المدنية وقوانين الانتخابات وحقوق المهمشين.
في خيمة حملت عنوان “الثورة مسؤولية”، جلست مجموعة كبيرة من الأشخاص بشكل دائري وتناول البحث سبل إنجاح الحراك الشعبي الغاضب على الحكم بسبب فساده وعجزه عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية.
وقالت الأستاذة في الجامعة اللبنانية هلا أمون (45 عاماً) خلال الجلسة “النزول الى الشارع لا يكفي”.
وأضافت “الثورة ثورة وعي خلقت لدى اللبنانيين عطشاً كبيراً للمعرفة، وكأنهم أصبحوا بحاجة لإعادة قراءة واقعهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولإعادة قراءة كيف تحكم الزعيم السياسي والطائفي في حياتهم”.
ويبدو الحراك اليوم عابراً للطوائف والمناطق، يطالب برحيل الطبقة السياسية كاملة من دون استثناء، بينما عرف اللبنانيون إجمالاً بتعلقهم بزعيمهم الطائفي أو السياسي أكثر من تعلقهم بالوطن.
وتشهد طرابلس منذ بدء الاحتجاجات التي تخللتها تجمعات وتظاهرات شارك فيها مئات ألوف اللبنانيين، حراكاً استثنائياً، وبات البعض ينظر إليها كمحرك للتظاهرات في مناطق أخرى. ونالت المدينة لقب “عروس الثورة”، ولم تهدأ وتيرة التحركات فيها مع مواظبة المتظاهرين بلا انقطاع على الحضور كل يوم إلى الساحة.
وكانت عائشة حلواني (29 عاماً) تتجوّل في ذلك المساء بين خيمة وأخرى، تستمع لمقتطفات من كل حوار وتقوم بمداخلات أحياناً.
وقالت الشابة، التي تواظب يومياً وفق قولها على الحضور إلى الساحة، “منحت هذه النقاشات فرصة ذهبية لطرابلس للتأكيد أنّ الاختلاف أمر طبيعي” في مدينة شهدت خلال السنوات الماضية جولات اقتتال دامية بين سنة وعلويين، ووصمت بالتطرف لا سيما خلال الحرب السورية بسبب انضمام بعض شبابها الى تنظيمات مقاتلة في سوريا.
وتابعت عائشة أن حلقات الحوار “أعطت الناس فرصة التعبير عن أنفسهم بحرية مطلقة”.
أما سارة الغر (32 عاماً) فشاركت في بحث “خريطة طريق للثورة”. ووقفت في خيمة مُكتّفة اليديّن تصغي بإمعان لأحد المشاركين وهو يؤكد على ضرورة إجراء “انتخابات مبكرة كخطوة أولية لتحقيق التغيير المنتظر”.
وقالت الشابة التي تملك وزوجها مقهى صغيراً، “تجمع الخيم النساء والرجال والشباب من مختلف الفئات والطوائف والطبقات”، مضيفة “اكتسبتُ ثقافة واسعة، وتعرفتُ على قوانين كنت أجهلها، وصرت أعرف حقوقي وواجباتي التي كنت أجهل كثيراً منها”.
يستمع المشاركون بإمعان للحوار فيما تضج الساحة إلى جانبهم بهتافات مئات المتظاهرين المطالبين برحيل الطبقة السياسية على وقع موسيقى التكنو المتصاعدة من مكبرات الصوت المنتشرة.
وأطلق على إحدى الخيم تسمية “مدرسة المشاغبين”، وقد خصصت لعقد حلقات نقاش مع تلاميذ المدارس خصوصا بعد انضمام التلاميذ والطلاب إلى الحراك في كل المناطق اللبنانية ورفضهم الالتحاق بمدارسهم وجامعاتهم.
على بُعدِ أمتار من “مدرسة المشاغبين”، جلست نرمين العويك (34 عاماً) في خيمتها التي تحمل لقب “مكتبة الثورة” حيث وضعت كتباً عدة لتشجيع المتظاهرين على القراءة تحت شعار “ثائر يقرأ ثائر يعرف ما يريد”.
في خيمة أخرى، انقسم المشاركون الى مجموعات ضمن ورشة عمل لبحث طرق التصعيد ضد السلطة.
وقد استقال رئيس الحكومة سعد الحريري نهاية الشهر الماضي تحت ضغط الشارع. وبرغم مرور أسابيع على استقالته، لم يدع الرئيس ميشال عون الى استشارات نيابية لتشكيل حكومة يريدها المتظاهرون من اختصاصيين من خارج الأحزاب السياسية الحاكمة.
وقالت نهى رعد (49 عاماً) أثناء مشاركتها في الجلسة “الشعب بحاجة إلى الكثير من التوعية وقد عرفونا على قوانين كنا نجهلها”.
وأضافت “أفهموني ماذا تعني الثورة”