لبنان: خطاب حسان دياب وخطته الاقتصادية الانقاذية
بعد مقدمة شرح فيها حسان دياب رئيس مجلس الوزراء الوضع وواقع وباء كورونا على الشعب انتقل إلى توصيف خطته الاقتصادية.
أيها اللبنانيون
لقد صوّت مجلس الوزراء اليوم بالاجماع على تبني الخطة المالية الاقتصادية التي ستضع لبنان على المسار الصحيح نحو الانقاذ المالي والاقتصادي. تعتمد هذه الخطة على ستة مكونات رئيسية متداخلة: المالية ، الاقتصادية ، المصرفية والنقدية، والحماية الاجتماعية والتنموية.
قدمنا هذه الخطة لأول مرة إلى مجلس الوزراء في 6 نيسان 2020، وعلى مدى 24 يومًا توصّلنا إلى هذه الصيغة.
لقد ناقشنا هذه الخطة في اجتماعات مجلس الوزراء، ومع العديد من الخبراء الاقتصاديين والماليين، والنقابات، وممثلين لمختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية والمؤسسات الأكاديمية وهيئات المجتمع المدني. وأسفرت تلك الاجتماعات والمناقشات عن خطة منهجية شاملة وذات مصداقية يمكن لجميع اللبنانيين أن يتّحدوا خلفها ويدعموها.
أنا فخور جداً بالعقول والكفاءات والخبرات الاستثنائية لجميع اللبنانيين، الذين كرسوا وقتهم وجهودهم للمساهمة في بلدهم من خلال إنتاج هذه الخطة. أشكرهم من أعماق قلبي.
الآن، مع هذه الخطة، كقاعدة، يمكننا من خلالها بناء لبنان الغد.
سنمضي في طلب برنامج مع صندوق النقد الدولي، وإضفاء الطابع الرسمي على مفاوضاتنا مع الدائنين لسندات اليوروبوند والمضي قدمًا فيها، وبالتالي تخفيض عبء الدين عن مواطنينا، وتقديم رؤيتنا لطريقة التعافي الاقتصادي إلى أصدقائنا الدوليين وشركائنا والمستثمرين في الداخل والخارج.
أدعو جميع اللبنانيين إلى إعتبار هذا اليوم نقطة تحول لمستقبل أفضل لبلدنا. لن يكون الطريق أمامنا سهلاً، لكن تصميمنا وتفاؤلنا، سيساعداننا على تجاوز صعوباتنا حيث نتطلع إلى أيام أفضل أمامنا. اذا اتحدنا جميعاً سنصل الى النجاح الأكيد الذي نراه في مستقبلنا.
تنطلق الخطة من ضرورة البدء فوراً بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، وهي على مستوى إدارة الدولة، والسياسة المالية، والقطاع المالي، والمصرف المركزي، والحساب الجاري، وميزان المدفوعات، وهي حدّدت أهدافاً على مدى خمس سنوات، هي:
انحسار العجز في الحساب الجاري إلى 5.6 بالمئة، والحصول على دعم مالي خارجي يفوق 10 مليار دولار بالإضافة إلى أموال مؤتمر سيدر، والعودة إلى النمو الإيجابي اعتباراً من العام 2022، واعتماد الدعم المباشر وغير المباشر للفئات غير الميسورة وتنفيذ برامج اجتماعية في هذا المجال.
كما يهدف البرنامج إلى العودة إلى الفائض الأولي في المالية العامة في العام 2024، وهيكلة محفظة الدين السيادي وتقليص نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي إلى ما دون 100 بالمئة، وهذا سوف يحمي لبنان في المستقبل من الصدمات والتقلبات.
كما تهدف الخطة إلى إعادة هيكلة القطاعين المصرفي والمالي للسماح للإقتصاد بإعادة الإنطلاق وتوفير فرص عمل جيدة ومستدامة، وإطلاق قطاعات اقتصادية واعدة جداً تتماشى مع قدرات اللبنانيين العالية.
لقد بنيت الخطة على أسس تسمح للبنان بالحصول على الدعم الدولي المطلوب لجهة إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية، وإعادة رسملة المصارف والمؤسسات، وتأمين شبكات الأمان الضرورية والبنى التحتية التي طال انتظارها، وذلك لإعادة إخراج معظم اللبنانيين من حالة الفقر والعوز.
في المالية العامة، سوف نقوم بالإصلاحات الأساسية، مثل قطاع الكهرباء ونظام نهاية الخدمة وتعويض الصرف والضرائب العادلة والتصاعدية التي لا تصيب العمل والإنتاج. وسوف تحظى مسألة استعادة الأموال المنهوبة حيزاً أساسياً من عمل الحكومة للتعويض على اللبنانيين عن الجرائم التي اقترفت بحقهم.
وتتضمن الخطة إصلاحات بنيوية في كافة مجالات الاقتصاد لخلق فرص العمل وتأمين البيئة الصالحة للعمل، بعيداً عن الفساد ونتائجه.
كما تلحظ الخطة الإجراءات التي تسمح بزيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية لإقتصادنا.
أما على صعيد القطاع المصرفي، فتهدف الخطة إلى حماية أموال المودعين وتقوية المصارف وإعادة هيكلتها، لكي تستطيع تأمين أموال الناس والخدمات الأساسية للاقتصاد، على أن يعيد البنك المركزي التركيز على عمله الأساسي، أي حماية الاستقرار الاقتصادي والمالي والنقدي.
توجد خسائر كبيرة في النظام، ويجب أن نتعاون في تحمّلها، دولة ومصرفاً مركزياً ومصارف، لكي نعاود الإنطلاق باقتصادنا في أسرع وقت. وسوف نسعى إلى امتصاص الخسائر بشكل عادل، أي من دون تحميل من لم يستفد من سياسة الماضي أية أعباء. نريد مساهمة من الفوائد الخيالية التي دفعت، ومن الذين جنوا أرباحاً من الهندسات، وايضاً من الذين خالفوا القوانين وسرقوا المال العام.
كما يمكن الاتكال جزئياً على رساميل المؤسسات المصرفية وأموالها في الخارج، والعقارات التي تملكها، والعقارات المملوكة من مصرف لبنان، وغيرها من الأصول.
وسوف نستمر بدراسة كل ما يمكن للتخفيف عن المواطن، والعودة إلى الإزدهار في أسرع وقت، في مجتمع ينبذ الفساد ويحاسب كما يجب، وتنمو فيه روح التضامن والوطنية.
أيها اللبنانيون
نحن اليوم أمام مفترق هام وتاريخي. ولذلك فإن لبنان، الوطن الذي ننتمي إليه طوعاً وحباً، يحتاج إلينا جميعاً.
لقد أثبتت هذه المرحلة، أن اللبنانيين لا يستطيعون التخلّي عن وطنهم، وها هم يصرون على العودة إليه من كل العالم، لأنهم تأكدوا أن لبنان هو ملاذهم الحقيقي. هنا بيتهم الكبير وهنا عائلتهم الكبرى.
صدقوني، لا يمكننا أن ندير ظهرنا لوطننا. لا يمكننا أن نتخلّى عنه.
لبنان يحتاج اليوم إلى كل جهد، إلى كل دعم، إلى كل مساعدة.
أوجه ندائي هنا إلى اللبنانيين جميعاً، إلى المقيمين والمغتربين. إلى كل لبناني قادر على مساعدة أخيه اللبناني. وأنا أعلم جيداً ثقتكم بنا ورهانكم علينا.
لا تتركوا أهلكم في هذه المحنة العصيبة.
أتوجّه إلى اللبنانيين المقيمين، أن نؤازر بعضنا. أن نتعاون، وأن نتكاتف، وأن نحمي بعضنا.
أتوجّه إلى المغتربين، وأناشدهم أن يساهموا في دعم أهلهم وأقربائهم، كما يفعلون دائماً، وأن يقفوا إلى جانب وطنهم، كما عودونا على مرّ التاريخ.
نعم، نحن في أزمة.. ولكن، أنا على ثقة أننا سنتجاوزها، وأننا سننتصر عليها، وأننا سنخرج من هذه المحنة أكثر صلابة، وبمزيد من التلاحم الوطني، بين كل اللبنانيين، مقيمين ومغتربين.