هل تم خداع روسيا من قبل الناتو ؟
يصر فلاديمير بوتين على أن الحلف الأطلسي (الناتو) قد طعن روسيا في الظهر ولم يف بوعده في التسعينيات في مسألة «عدم دمج دول من وسط وشرق أوروبا».
بدأ الرئيس الروسي في الأزمة الحالية ، وهي الأخطر منذ أزمة برلين في عام ١٩٦٢ ، بالدعوة إلى تقديم ضمانات بأن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو أبدًا. وهو برر ذلك بتكرار «لقد تعرضنا للخدا » ويؤكد «لقد تلقينا وعودًا بأن البنية التحتية لحلف شمال الأطلسي الناتو لن يتقدم شبراً واحداً باتجاه الشرق». ويشدد »قالوا شيئاً وفعلوا العكس». هذا هو أساس الحجة الروسية للدفع بـ ١٨٠ ألف جندي إلى حدود أوكرانيا.
هل ما يقوله بوتين هو صحيحٌ ؟ أم هو خطأٌ يهدف تبرير فعلته للحصول على مكاسب؟ الجواب بين هذا وذاك.
فالحقائق التاريخية لما يقوله بوتين صحيحة ولكن قابلة للنقاش، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار للتطورات وللسياق الجيوسياسي منذ ١٩٩٠ وفي هذا ما يضعف هذه التأكيدات من الجانبين.
قُدم هذا الوعد من قبل الناتو لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أولاً ثم لروسيا، في التسعينيات والهدف كان«طمأنة ميخائيل غورباتشوف» ،قيل يومها : «الحلف الأطلسي لن يدمج جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق». وهذا يدعم قول بوتين وحجته.
تستند هذه الحجة إلى تصريحات معروفة وموثقة دارت الأسئلة فيها حول مستقبل ألمانيا الموحدة، وطرحت مسألة اندماجها في الناتو. ولكي يقبل الاتحاد السوفياتي بقيادة غورباتشوف إعادة التوحيد وضم ألمانيا إلى الحلف الأطلسي، أكد آنذاك وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت ، جيمس بيكر ، لغورباتشوف أن «الحلف العسكري الحالي لحلف الناتو لن يمتد بوصة واحدة إلى الشرق» (الأرشيف) كان ذلك في عام ١٩٩٠.
لكن الاتحاد السوفياتي والدول التي كانت تدور في فلكه انهارت عام ١٩٩١ ، مما غيّر موازين القوى. علاوة على ذلك ، فإن المعاهدة التي انبثقت عن المناقشات في عام ١٩٩٠ المذكورة أعلاه «لا تحظر بشكل حرفي التوسع نحو الشرق».
لكن هذا لا يمنع بوتين من تسليط الأضواء على خيانة التحالف الغربي لروسيا في عام ١٩٩٣. فقد اقترح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون على نظيره الروسي بوريس يلتسين هيكل جديد لتنظيم العلاقة في وسط أوروبا وأطلق على المبادرة اسم «الشراكة من أجل السلام» ، وذلك كان لضمان الأمن الأوروبي دون المرور بحلف الناتو. ولكن تبقى الشكوك قائمة حول مسألة التوسع شرقاً فهو مذكور على أنه «احتمال على المدى الطويل».
ومع ذلك، في عام ١٩٩٩، تم قبول طلبات المجر وبولندا وجمهورية التشيك للانضمام إلى الحلف، وهو ما حصل في عام ١٩٩٩.
وبرر الحلف ذلك بأنه لم يقدم التزامًا رسميًا وعام ١٩٩٣ بنما رأى المسؤولون الروس التفسير بشكل مختلف. … ،كان ذلك قبل أن يصل بوتين إلى الكرملين وقبل أن تتغير موازين القوى في الداخل الروسي.
يقول باحث فرنسي: “إذا كان غورباتشوف ويلتسين قد أسهموا بقوة في تفكيك الإمبراطورية السوفيتية ، فذلك لأنهم اعتقدوا أنه في المقابل ، سيتم دمج روسيا في منظومة الأمن الأوروبي وفي تحالف الدول الغربية. في المقابل لطالما اعتبر بوتين أن الولايات المتحدة استغلت ضعف روسيا المتمثل «مسرحيا» بيلتسين وانبطاح غورباتشيف لتوسيع الحلف الأطلسي لمحاصرة روسيا.
وكان وزير خارجية روسيا قد نبه إدارة كلينتون عام ١٩٩٧ بقوله: «إذا تقدمت البنية التحتية لحلف الأطلسي باتجاه روسيا ، فسيكون ذلك غير مقبول بتاتاً».
في عام ٢٠٠٧ ، طرح بوتين مسألة الخيانة مرة أخرى على الطاولة وذكر بوعود الحلف الأطلسي. وصرح بشكل بارز مذكراً باندماج العديد من دول أوروبا الشرقية التي كنت تدور في فلك الإتحاد السوفياتي في الحلف الأطلسي بقوله: “لقد وضعونا أمام الأمر الواقع”.
ولكن هل كان ذلك تمهيدا لتبرير غزو شبه جزيرة القرم في عام ٢٠١٤؟
في مسألة ضم القرم خالف بوتين أحد «الوعود الخطية» الملزمة التي قدمتها روسيا في عام ١٩٩٤ ، وهي اتفاقية بودابست ، التي «ضمنت وحدة أراضي أوكرانيا»، وهو ما يتمسك به الغرب حاليا عند ما يصف «الضم» بأنه «غزو».
كما يجب الاعتراف بأن دول وسط وشرق أوروبا هي التي طلبت الانضمام إلى الناتو ، والدول الغربية، التي استفادت من هذا الواقع الجيوسياسي، لم ترفض هذا التوسع ولم يكن بوسعها رفض هذه الدول بحجة حق كل دولة في اختيار سياستها الدفاعية.
ولا تزال هذه الحجة مستخدمة اليوم: «الأمر متروك لأوكرانيا لتقرر مسارها، ما إذا كانت ترغب في أن تصبح عضوًا أم لا و »متى تقدم هذا الطلب» حسب تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ، في 10 ك١/ديسمبر من العام المنصرم.
ومن الظاهر أن بوتين يود أن يكون لروسيا رأي في تنظيم الأمن في أوروبا، ويهدف إلى مراجعة الترتيبات الأمنية التي تم إنشاؤها بعد الحرب الباردة في وقت كانت فيه روسيا أضعف من أن تؤثر على القرارات والتوجهات العامة في وسط أوروبا.
وللحقيقة حاول بوتين التقرب من الأوروبيين ،وقام بعدد من المحاولات للحوار مع الغربيين ، لا سيما فرنسا وألمانيا دون أي نتيجة حتى الآن.
حاليا جورجيا ومولدافيا تطرقان باب الحلف الأطلسي مثل أوكرانيا. ولكن عملية التوسيع هذه ، لا تحظى بالإجماع داخل الناتو نفسه: ولطالما عارضت برلين وباريس انضمام أوكرانيا من هنا نفهم الحركة الديبلوماسية التي تقوم بها فرنسا وألمانيا لتقريب وجهات النظر، كما يبدو أن الولايات المتحدة أيضاً لا تحبذ انضمام أوكرانيا … حاليًا. لكن الغرب لا يستطيع التصريح علنا بذلك ، فقد يصنف ذلك بأنهوهو ضعف في مواجهة الكرملين. ما لا يستطيع أي من الطرفين تحمله في ظل ميزان القوى الحالي وظل ١٨٠ ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا.