مفتاح الأزمة في لبنان: السعودية ترفض إلغاء الطائف
بسّام الطيارة
عاد مبعوث إيمانويل ماكرون الخاص «جان ايف لودريان» بعد عدة أيام قضاها بين زيارات وحفلات غداء لأقطاب ونواب كان خلالها مستمعاً إلا في حالة أو حالتين.
رغم كل ما يقال عن تحلحل الديبلوماسية الفرنسية وابتعادها عن جذورها الديغولية، تظل ديناميكية عملها مبنية على ثوابت نادراً ما تتغير. إبان أزمة ٢٠٠٧ توكل كل من وزير الخارجية في عهد نيكولا ساركوزي برنار كوشنير ورجل المهمات الصعبة جان كلود كوسران العمل على حلحلة تشابك مصالح السياسيين في لبنان وخارج لبنان بعد نهاية ولاية أميل لحود المجددة . خيار كوشنير وكوسران لم يحصل من دون أرضية علاقات الرجلين: كوشنير كانت له علاقات في جنوب لبنان عندما كان في جمعية أطباء بلا حدود وحافظ على علاقات شخصية مع مجموعة أطباء مقربين من ما لم يكن يومها يحمل إشارة الـ «الثنائي الشيعي». بالمقابل فإن كوسران (الذي يتكلم العربية وكان رئيس جهاز المخابرات الخارجية سابقاً) كان مقربا جداً من النظام السوري الذي رغم خروج قواته من لبنان كان ما زال عاملاً مؤثراً في الدهاليز اللبنانية.
هذه المقدمة تدل إن لزم الأمر على سبب اختيار جان ايف لودريان… هذا السياسي المخضرم الذي يشار له بالـ«منهير» أي الصخر (!) هو أقرب المقربين لدول الخليج وبشكل خاص المملكة العربية السعودية. اختياره يشير بشكل مباشر إلى أن حلحلة الأزمة اللبنانية كامنة في جعبة الأمير محمد بن سلمان.
ولكن خلافاً لما يذاع وينشر هنا وهناك العقدة ليست إقناع «م ب س» بالقبول بسليمان فرنجية رئيساً، أي الطلب ممن تمون عليهم الرياض الانتقال من «تقاطع القوى المسيحية» أو الأوراق البيضاء أو زياد بارود وصولاً إلى تكوين «توليفة ماكرون» أي فرنجية ببعبدا مع نواف سلام لرئاسة الحكومة.
. القصة تبدو أبعد بكثير من هذه البساطة. يتبين لعدد من المراقبين الضالعين بالقضايا اللبنانية من مستشارين ودبلوماسيين وخصوصاً أصحاب مال ومصرفيين أن القصة تدور حول … الإطاحة باتفاق الطائف، وهو ما ترفضه الرياض.
هذا الاتفاق الذي جاء مفصلاً على قامة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي هندسه مستنداً على دعم كبير من … المملكة العربية السعودية لبناء هيكله.
يدرك الجميع أن هذا الاتفاق ينص على نقطتين ١) إصلاح النظام السياسي ٢) تأطير العلاقة مع الجار السوري.
في النقطة الأولى كرس الاتفاق مبدأ «التعايش المشترك» بإعادة هيكلة النظام السياسي وإدخال توازن جديد بين الطوائف. ففي صيغة الميثاق الوطني لعام ١٩٤٣ (الذي وضعه الفرنسيون) كانت بنسبة (٦ مسيحيين إلى ٥ مسلمين) وباتت بعد الطائف نسبة نصف لكل طائفة والأهم أنها «عززت صلاحيات رئيس الوزراء السني على حساب سلطات الرئيس المسيحي». بعد الطائف أضحى رئيس الوزراء مسؤولاً أمام السلطة التشريعية.
بعد اغتيال الشهيد حريري بانت قدرة اللبنانيين على إدخال نبضات بسيطة حورت قاعدة اتفاق الطائف وأهمها ضرورة حصول كل طرف على أقلية فيتو (blocage) في مجلس الوزراء. وكان هذا مطلب كافة الأفرقاء لتسيير آليات الدولة وفُرَّغَ الميثاق الجديد من روحه وبقي نصه تحت تسميات لا يفهم لغتها الخارج : الديموقراطية الميثاقية.
إن جولة لودريان على الأقطاب اللبنانية بينت «تقاطع» القوى المؤثرة على الرغبة بإلغاء اتفاق الطائف، وبان جلياً ذلك الأمر بمطلب الطرفين : الثنائي يرى في الرئيس ضمانة للمقاومة والقوات والتيار والكتائب يريدون رئيس ذو برنامج… والجميع يعترف وهذا ما ذكر به لودريان أن الرئيس لا يستطيع ضمن اتفاق الطائف أن يقرر سياسة البلد..
من جهة أخرى يرى الثنائي الشيعي أن الحديث عن ٥٠/٥٠ يُقع غبناً بأكبر طائفة عددياً في لبنان ومن هنا حديث تحت الطاولة حول … المثالثة.
بالمقابل يرى الفريق المسيحي أن اتفاق الطائف نزع صلاحيات رئيس الجمهورية ويوجد توافق تام بين التيار الوطني والقوات اللبنانية (وبالطبع الكتائب )على ضرورة «تحديث» الميثاق» بحيث تعود صلاحيات الرئيس كما كانت بشكل يتجاوز الفيتو الذي يمكن أن يضعه الفرقاء في مجلس الوزراء. ومن هنا الحديث عن رئيس يحمل برنامجاً إلخ…
رفض التيار أن يكون الرئيس العتيد المنتظر مقرب من الثنائي إذ أنه يلغي /٨/٨/٨ مكرر في مجلس الوزراء إذ يكون للثنائي قوة ضاربة في المجلس وفي… بعبدا، وهو ما قاد إلى «تقاطع» على مرشح يقف في وجه فرنجية.
التوافق بين القوى الأربع (الثنائي الشيعي والقوات والتيار) على ضرورة إلغاء الطائف موجود في ظل التهديد المبطن بالكونفدرالية التي يتحدث عنها مقربون من القوات اللبنانية، وهو ما «يلجم» التيار ويرميه في وضع حرج أمام مؤيديه وحليفه المبتعد عنه.
ولكن تبقى النقطة الثانية في اتفاق الطائف، ذلك أن التأخير الذي أصاب هذه «الثورة الميثاقية» صادف مع عودة سوريا إلى سياق الجامعة العربية تحت عباءة «م ب س».
القوات لا تريد أن تسمع أو تقرأ ما ورد في اتفاق الطائف مثل « لبنان له هوية وانتماء عربي» أو المادة الرابعة التي أكدت على« العلاقات المميزة التي تجمع لبنان وسوريا وبأن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مركزاً لأي نشاط يستهدف الأمن السوري». كانت القوات نائمة على حرير حصار سوريا … ولكن تغيرت الأمور… من هنا تضارب التوجهات بين «الرباعي المتخاصم». بين الثنائي والقوات ويلعب باسيل بينهما.
ولكن الأهم أن المملكة العربية السعودية التي باتت تفهم جيداً في عهد «م ب س» دهاليز السياسة اللبنانية، والتي «لامت سعد الحريري» على قبوله بالتراجع مرتين مرة أما الثنائي ومرة أمام «عون-باسيل» واستعملت معه المقصلة السياسية لن تقبل بأي شكل أن يتم تجاوز اتفاق الطائف وما يعنيه من تراجع وضع الطائفة السنية في لبنان المخلخل أصلاً بغياب زعامة صريحة. وهو ما قد يدفع للولوج في نفق كونفدرالية تفتح الأبواب على عنف وتوتر لا ريب بحصوله… ولا تريده بأي شكل من الأشكال الرياض التي تستعد لحقبة جديدة في المنطقة، والتي ستمنع حصوله حتى ولو تطلب الأمر العودة مرة ثانية لاتفاق «س س» .
أدركت باريس بأن الرياض لن تقبل بمثل هذه التوجهات من هنا الانتظار والبحث عن حلول قبل البحث عن لائحة مرشحين.