الحرب على غزة: انتشار دعوات المقاطعة التجارية
مع انطلاق الحرب على غزة عادت حملات المقاطعة للعلامات التجارية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي على نحو غير مسبوق،
وهو أمر قد يتسبب في ضربة اقتصادية لكبار المستثمرين الغربيين وممثليهم في البلاد العربية .كما تمنح هذه المقاطعة المواطنين العرب، ثقةً كبيرة بقدرتهم على التأثير.
كانت القوى السياسية ذات التوجهات القومية واليسارية والإسلامية تدعو إلى عدم شراء المنتجات التي تعود أرباحها أو جزء منها إلىشركات غربية الكبرى، والتي تتعامل بدورها مع الاحتلال سواء بامتلاك فروع داخل الأراضي المحتلة تخدم المستوطنين وتدفع الضرائب هناك أو بدعم مباشر يتم تقديمه إلى تل أبيب.
وغالباً ما كان الشارع المصري على سبيل المثال يستجيب لتلك الدعوات لكن في إطار محدود للغاية، وبالتالي فإن انعكاس التأثير على المؤسسات الاقتصادية المستهدف مقاطعتها ظلّ أقلّ من المتوقع. لكن هذه المرّة، بات كل شيء مختلفاً، إذ أحجم عشرات الملايين من المصريين عن التعامل مع أي مؤسسة تجارية أو صناعية يَثبُت تعاملها مع الاحتلال، وذلك منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”.
وبحسب وكالات الإعلام الدولية، فإن موظفي شركة “ماكدونالدز”، يؤكدون أنّ مبيعات السلسلة داخل مصر قد تراجعت بنسبة 70% على الأقل خلال الأسابيع السبعة الماضية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بينما يكشف مستثمرون آخرون أن هناك انخفاضاً أو تباطؤاً بنحو 50% في الطلب من قبل مقاهي “ستاربكس” ما دفعها خلال الأيام الماضية إلى تسريح عدد من العاملين في فروعها المنتشرة في مصر.
طوفان المقاطعة الذي اجتاح الأقطار العربية كافة، والذي يُعدّ أحد توابع هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، قد يُسهم في دفع الوعي العربي خطوات كثيرة إلى الأمام، خاصة أن هذا المسلك يتزامن مع انخراط أكبر للدول العربية في منظمة “بريكس”، التي تكافح بدورها لتقليل من هيمنة الاقتصاديات الغربية على الكرة الأرضية، وإفساح المجال لظهور عالم متعدد الأقطاب ومتوازن.
من اللافت هنا أن الناشطين الذين قادوا حملات المقاطعة ودعوا إلى شراء البدائل المحليّة عوضاً عن المنتجات الغربية التي ثبت تورطها مع الاحتلال، كانوا في الآن ذاته يفتشون عن البديل الصيني أو الروسي في حال عجز المنتَج المحلي عن سد حاجة المستهلكين، وهو أمر كشف عن ترابط كل الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية بالنشاطات الدولية الأكبر الرامية إلى تغيير النظام العالمي القائم، وخلق عالم جديد. وقد ثبت دعم دول حلف “الناتو” للاحتلال الإسرائيلي،
على سبيل المثال مصر هي دولة مثقلة بالديون ولديها عحز في ميدان التجارة الخارجية،من هنا ثمة فائدة كبرى منحراك المقاطعة للمنتجات الغربية، فهي تمنح فرصة أكبر للمُنتَجات المحلية وبالتالي يحقق المستثمرون المحليّون أرباحاً أكبر تتيح لهم تطوير منتجاتهم ورفع جودتها.
وما من شك أن ما يحصل اليوم هو فرصة لرجال الأعمال المصريين والعرب لتطوير منتجاتهم، وبناء الهياكل اللازمة لظهور علامات تجارية وطنية عوضاً عن نظائرها الغربية، فالالتفات للمنتجات الوطنية لأسباب تتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية،هي بنفس الوقت دعم للمستثمر المحلي داخل البلاد بالعملة الوطنية.
تُقدّم جميع البلدان حول العالم الدعم لمنتجاتها الوطنية، حتى الولايات المتحدة سعت لفرض قيود على البضائع الصينية لحماية المنتج الأميركي، كانت أشد شراسة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ويأتي ذلك بالتعارض مع شعارات حرية التجارة التي طالما روّج لها الغرب الرأسمالي. لكن ما إن باتت تلك الشعارات خطراً على المستثمرين المحليين العاجزين عن ملاحقة الصين على سبيل المثال في ميدان الاقتصاد، حتى تمت الاستعاضة عنها بشعارات “قومية” لحماية “الاقتصاد الوطني الأميركي”!.
وكذلك أوقف الأوروبيون جميع التعاملات الاقتصادية مع روسيا وتم التحفظ على أصول العديد من الشركات الروسية وممتلكاتها، بمجرد اندلاع الحرب الأوكرانية وتصنيف موسكو كعدو، حتى الغاز الروسي الذي كان يعتمد عليه المواطن الأوروبي بشكل واسع، تم التخلي عنه، والبحث عن بدائل لسدّ العجز في جنوب البحر المتوسط،
وبالتالي فإن إيقاف التعامل، ومصادرة أملاك أي مؤسسة تتبع لدولة تقدّم الدعم لإسرائيل، وتوفّر له الإعانات التي تطيل مدة هجومه على غزة، هو قانوني تحت غطاء الدفاع عن النفس وعن أهالي غزة،
في السياق ذاته، حفل التاريخ الحديث بصور من المقاطعة الاقتصادية، كسلاح للضغط لتحقيق جُملة من الفوائد السياسية، على سبيل المثال:
– توقف الفلاحون الأيرلنديون عن أي تعاملات مع الإنكليز أصحاب الإقطاعيّات الزراعية، وذلك أواخر القرن التاسع عشر.
– حين تم اعتقال زعيم حزب “الوفد” المصري سعد زغلول في عام 1921، قرر المصريون مقاطعة البضائع البريطانية وتنفيذ أعمال تخريب بحقها، كما دعا الحزب إلى سحب الودائع كافة من البنوك الإنكليزية.
– كانت المقاطعة أحد أسلحة الزعيم الهندي المهاتما غاندي لتحرير بلاده من الاحتلال البريطاني، إذ تم إحراق البضائع القادمة من بريطانيا في مومباي ضمن سلسلة من الأعمال الاحتجاجية.
– رفضاً لسياسة التمييز العنصري داخل الحافلات في الولايات المتحدة الأميركية، قام السكان السود في ولاية ألاباما بمقاطعة شركة النقل المحلية استجابة لدعوة مارتن لوثر كينغ.
– استجاب العديد من المواطنين حول العالم لدعوات مقاطعة البضائع القادمة من جنوب أفريقيا احتجاجاً على سياسة الفصل العنصري، واستمر ذلك حتى إلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في 1994.
بعض الأمثلة التاريخية للمقاطعة التجارية.