اسرائيل: نحو حزب يساري برنامجه السياسي حلّ الدولتين
بقلم: حاييم أورون ودادي تسوكر *
في أوقات الضباب، عندما تكون الصورة مضللة ومؤشر البوصلة غير مستقر، يجدر العودة إلى الأساس والتذكير بالحقائق التي لا ترتبط بزمن معين.
الطريقة الوحيدة لضبط النفس هي التمسك بالمبدأ الذي يقف في مركز حل المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين: إنهاء سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
الترتيبات التي يتم اقتراحها لليوم التالي ستكون ناجعة فقط إذا اعترفت كل الأطراف بهذا الأساس.
من أجل قول الحقيقة يجب العودة واستخدام مفهوم «الاحتلال».
يجب علينا العودة إلى الصيغة الأولى – لا يوجد إنهاء للفظائع دون دولة فلسطينية (وحدة سياسية واحدة، منزوعة السلاح وتحت الرقابة)، التي تشمل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.
يجب علينا النضال من أجل هذا المبدأ المنظم. من الآن أصبح يجب علينا أن نعرض معادلة مختلفة تماماً عن التي طرحت في 1967.
المعادلات التي حاولناها خلال الـ 56 سنة هذه فشلت وكلفت الكثير من الدماء لكل الأطراف.
اليوم التالي بزغ، التاريخ وضعنا وبصورة متوحشة في مفترق طرق من أجل الحسم.
في ذروة الحرب علينا إلقاء كل ثقلنا بنشاطات حزبية ومدنية من أجل ترجيح الكفة بقدر المستطاع من أجل توجيه المؤشر نحو الحل العملي الوحيد منذ 1967.
يجب علينا أن نسمع بصوت واضح الحقيقة النقية: فقط الحرية لجيراننا، مع كل الحذر، علينا أن نخلق معادلة جديدة.
هذا الصوت يجب أن يسمعه إطار سياسي جديد متحرر من خطوط الماضي، الذي سيكون جذاباً للمواطنين الذين عددهم يفوق كثيراً مصوتي العمل وميرتس.
منذ بداية عهدها بحثت الصهيونية عن إجابات عن عدة أسئلة مصيرية: الهوية اليهودية؛ طبيعة النظام الاقتصادي – الاجتماعي في الدولة اليهودية؛ التوجه الدولي وعلاقاتها مع الدول العربية.
توجد فقط قضية واحدة تؤثر منذ 130 سنة على كل هذه القضايا وهي المسألة الفلسطينية. تاريخ الصهيونية هو قبل أي شيء تاريخ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
رغم ذلك فإنه في معظم السنوات نجحت الدولة ومعظم المواطنين في تجاوز القضية الفلسطينية.
تقريبا أي شخص ستسألونه في الشارع سيقول لكم إن القضية الفلسطينية تقف على رأس همومه وتثير أساس خوفه، أمله، أمنياته. لكن للإنكار توجد طرق كثيرة، وللإقصاء توجد وسائل مختلفة.
اليمين المخلص يوفر الإجابة الكاملة عن القضية الفلسطينية، لن نتطرق إليها هنا، لكن الأغلبية اليهودية تتمسك بالأوهام التي لسبب ما تبدو بالنسبة لها إجابات عقلانية. هذه الأوهام (المفاهيم) تم دحضها منذ حرب الأيام الستة.
هذا كان مصير نظريات مثل «الاحتلال المتنور»، «المناطق هي السكن إلى حين قدوم السلام»، «الأرض مقابل السلام و(المستوطنات حرة تماماً)».
الحل الأردني – الفلسطيني مات أكثر من مرة. الإيمان بالحكم الذاتي من مدرسة بيغن لفظ الأنفاس قبل 15 سنة من اتفاقات أوسلو.
فرضية السلام على مراحل، التي تم وضعها في أساس اتفاقات أوسلو، احتضرت، وليس فقط لأن أي طرف من الأطراف قام بدوره المنصوص عليه في الاتفاق. السلام على مراحل لم يساعد، سواء لنا أو لهم. لا يوجد مناص من العودة إلى الحقيقة المؤلمة: لا يمكن اجتياز هوة بقفزتين.
في العقد الماضي لمع وهم آخر، الذي قامت برعايته كتلة «الوسط – يسار، الوسط – يمين معتدل» (أي أغلبية الجمهور): «إدارة النزاع».
هذا المفهوم انهار في 7 أكتوبر الصادم. لا يوجد أي حل للنزاع، يقول هذا المفهوم، إذاً هيا نلعب بالوقت.
في عالم الرياضة «اللعب بالوقت» هو تكتيك الفائز في المباراة. لكن نحن، للأسف الشديد، لم ننتصر. لكن «إدارة النزاع» تفترض أن الفلسطينيين هم مجرد إحصائيات ونحن نريد صالح الطرفين.
من يتمسكون بنظرية الهراءات هذه يقولون: «نحن سندير النزاع لصالح الطرفين، وبالتالي فانهم ليسوا مجرد إحصائيات ونحن نفعل الخير شريطة أن نتمكن من توطين الضفة باليهود. كما هو متوقع فإن النزاع هو الذي قام بإدارتنا وليس العكس. كل هذه الفرضيات يوجد لها خط مشترك وهو تجاوز لب القضية والنظرة الفوقية للفلسطينيين.
بنيامين نتنياهو ليس من المؤيدين لـ «إدارة النزاع». فهو توجد له رؤية متماسكة للقضية الفلسطينية. الكثيرون منا يقومون بتقزيم شخصيته ويصفونه بأنه سياسي انتهازي يتهرب من مصيره الجنائي.
هذه قراءة جزئية لشخصيته. نتنياهو ليس انتهازياً في القضية الفلسطينية، فهو يعرف أن الحل الوحيد هو الدولة الفلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية مع عاصمتين في القدس الموحدة. لكنه غير معني بهذا الحل.
يوجد لنتنياهو حلم متبلور وهو القضاء على حل الدولتين. وقد تمسك بهذا الحلم بشكل ثابت طوال سنوات حكمه، وطور استراتيجية القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية وإزالتها من جدول الأعمال الدولي وإبعادها عن الخطاب الإسرائيلي. تفضيل حماس على السلطة الفلسطينية ينبع من رؤيته حول القضية الفلسطينية.
اتفاقات أبراهام كانت وسيلة من الوسائل التي استخدمت لتقليص الاهتمام بالقضية الفلسطينية في العالم وفي إسرائيل.
كثيرون تخيلوا أن اتفاقات أبراهام ستشطب القضية الفلسطينية من جدول أعمال إسرائيل، بالضبط قريباً. أيضاً معظم الدول الغربية نقلت القضية الفلسطينية إلى أسفل سلم أولوياتها.
إن تخليد الفصل بين المنطقتين الفلسطينيتين كان أحد عوامل استراتيجية القضاء والتقليص.
نتنياهو أيضاً يفضل من يؤيدون حلم الخلافة الإسلامية على من يؤيدون الدولة الفلسطينية، وإشعال العداء بينهم خدمه بشكل جيد، حيث إن العداء بين المنطقتين الجغرافيتين الفلسطينيتين وفر له الدليل على أنه لا توجد أي إمكانية للدولة الفلسطينية.
يجب علينا الأمل أنه في 7 أكتوبر 2023 فهم أيضاً من يؤيدون «إدارة النزاع» ومن يؤيدون «القضاء على الاهتمام بالفلسطينيين» أن نظريتهم انهارت في داخل شيطنة من يؤيدون الخلافة الإسلامية. الضرر الذي تسبب به نتنياهو لم يكن فقط على صعيد الاستراتيجية، بل أيضاً على صعيد التكتيك نجحت شخصيته ورؤيته في تشويش صورة الواقع تقريباً بالنسبة لنا جميعاً.
معظم مؤيدي «اليسار – الوسط» والأحزاب اليمينية انجروا إلى داخل استحواذ نتنياهو ونسوا الأساس. مختصر تاريخ الجنون هو سيطرة شخص واحد على جدول أعمالنا جميعاً. نتنياهو كان هو جدول أعمال كل الإسرائيليين.
لقد كان للنضال المحتم ضد نظام نتنياهو ثمن: إخفاء مشكلة إسرائيل الأساسية، التركيز على النضال ضد السلوك غير المعياري لنتنياهو أدى بمعظمنا إلى عدم رفع الأيدي عن القضية الأكثر أهمية بالنسبة لمصيرنا. لكن ليس نتنياهو هو المشكلة الأكثر خطورة لإسرائيل؛ محاربته ومحاربة كل ما يجر خلفه ليست النقاش الحاسم والأكثر مصيرية.
النقاش حول مستقبلنا ومستقبل الفلسطينيين هو أكثر أهمية ومصيرية. مع ذلك يجب الاعتراف بأنه من المريح أكثر أن نطلق طاقات الغضب على فساد نتنياهو. التظاهرات ضده أصبحت التجربة التكوينية في منتهى أيام السبت.
لكن أين اخطأنا نحن اليساريين؟ لم يخطر ببالنا عمق القتل الذي هزمنا في يوم واحد.
لقد عرفنا أن اليأس يعمل على سد الشريان الرئيس. العامل الديني للنزاع أصبح العامل المهيمن.
فقد عرفنا أن حبس نحو 2 مليون شخص في منطقة صغيرة لا يمكن أن ينتج عنه أي أمل، لكن حتى نحن لم نتخيل بأن الواقع الغزي قادر على خلق حركة بهذا القدر من الشيطنة، وأنه سيتعين علينا تأييد استخدام القبضة الحديدية ضد ما تعرضنا له، وأنه يجب علينا البحث عن طريقة لإبعاد الطابع الديني عن النزاع لدينا.
الأصوليون يلغون كل من يختلف معهم، وهكذا يخلقون مناخاً لا توجد فيه جدوى للمفاوضات من أي نوع.
من أجل الحقيقة التاريخية يجب القول إن فرضية الدولتين لم يتم تجريبها في أي يوم.
اتفاقات أوسلو كانت وهماً نحن أيضاً ذهبنا وراءه. لكن هذه الاتفاقات لم تؤدِ إلى استقلال الفلسطينيين. لقد ذهبنا خلف الوهم لأننا تخلينا عن الحقيقة البسيطة – لا يوجد أي شعب يتنازل عن حريته ورغبته في حكم نفسه.
لا يوجد مثل هذا الشيء. اتفاقات أوسلو لم تعبر عن الرغبة في إعطاء السيادة مع الكرامة للشعب الفلسطيني.
لقد تم سحقه من قبل المستوطنات التي حصلت على الاحترام الذي أعطتها إياه جميع حكومات إسرائيل.
بأثر رجعي نحن نفهم أن اتفاقات أوسلو فقط طورت قدرات الاحتلال الإسرائيلي.
لقد تخلينا عن الإدارة اليومية وقمنا بزيادة عدد اليهود الذين انتقلوا للسكن في المناطق وحصلنا على هدية إضافية وهي التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية.
إسرائيل تقريباً جربت كل شيء. فقط لم تجرب الفرضية الكاملة للدولتين – الدولة الأولى منزوعة السلاح والدولة الثانية متحررة من الاحتلال – هذا الخيار لم تتم تجربته.
يجب عدم إعادة هذه الفرضية من عالم الأموات. خلافاً لأقوال المستهزئين والمتشككين هي لم تمت.
هذا المبدأ المنظم ما زال قائماً لأنه لا يمكن تجنبه. اسألوا نتنياهو فهو يعرف ذلك. هذه الفرضية هي قائمة لأنها عادلة وأخلاقية، وأيضاً لأنها جيدة بالنسبة لنا.
أيضاً الأخلاق يوجد لها مكان في اعتبارات الدولة. لا يمكن الحفاظ على دولة قوية دون أساس أخلاقي. العدل هو ذخر إلى جانب القوة العسكرية والمناعة الاجتماعية والقوة الاقتصادية والشرعية الدولية. كل هذه الرزمة هي شرط لوجودنا في منطقة عنيفة جداً.
الفرصة لخلق معادلة جديدة توجد أمامنا، لكن ليس لفترة طويلة. من أجل تعظيم وزننا يجب إقامة حزب تكون هذه المعادلة موضوعه الرئيس.
هذا يجب أن يكون إطاراً سياسياً جديداً وليس دمجاً تقنياً بين علامات تجارية قديمة وأشخاص لديهم حقوق يثيرون أكثر من اللازم المعارضة، وبالأساس اللامبالاة.
هذا يجب أن يكون حزب يسار مع جواب له صلة بالتحديات الأمنية التي تواجه اسرائيل، دون التنازل عن روايتها الأخلاقية.
عن «هآرتس» (2024-01-03)