عالقون في غزة: عدم القرار هو القرار الأخطر
بقلم: ناحوم برنياع («يديعوت أحرونوت»)
محور فيلادلفيا هو مؤشر دال. لا حاجة للمرء أن يكون استراتيجيا عظيما كي يفهم أن القاطع الرملي الذي يربط غزة بسيناء هو خط حياة «حماس». طالما كان بوسعها أن تهرب عبره وسائل قتالية، بالإضافة إلى مال وأشخاص فإنه حي يرزق. لسد محور فيلادلفيا تحتاج إسرائيل لمصر: مصر هي المفتاح. السيسي يبدي استعدادا. هو مستعد ليس فقط للتسليم بأعمال إسرائيل في المحور الغزي للحدود؛ بل مستعد لأن ينفذ أعمالا في جانبه – عمليا، خلق قاطع امني موازٍ في الجانب المصري، فيلادلفيا المصري. لكن يوجد له شرط. تعهد إسرائيل لمشاركة السلطة الفلسطينية في غزة في اليوم التالي. هذا التعهد يرفض نتنياهو إعطاءه. ولا حتى أن يبحث فيه: منذ أسابيع وهو يقوم بكل المناورات الممكنة كي يؤجل البحث.
السؤال ما الذي يحركه قابل للتفسير: فهل وقعت عليه روح مسيحانية وهو يطلب الآن، هذه اللحظة، دخولا للتاريخ كالرجل الذي منع بجسده إقامة دولة فلسطينية مهما كان الثمن، أو أن الخوف من انسحاب بن غفير وسموتريتش وضياع حكمه هو الذي سكنه ويرفض الرحيل. وربما التفسيرات صحيحان: نتنياهو اكثر إبداعية من كل المفسرين.
لكن ليس الدافع هو المهم بل النتائج: نحن عالقون. «عالقون» هو التعبير السائد، اليوم، في الخطاب الداخلي في الجيش الإسرائيلي. مثل «المراوحة» فقط مع تفاؤل اقل بكثير. رفض البحث والقرار في اليوم التالي يقضم الأهداف التي حققتها القوات المقاتلة بجهد كثير ودم كثير. لا يقضم فقط – بل يعرض الإنجازات للخطر.
في الجيش أملوا في أن يدخل المستوى السياسي في عمل بثلاثة مواضيع حرجة. الأول، فيلادلفيا والمصريون، سبق أن ذكرت؛ الثاني، قرار حول إدارة قطاع غزة في اليوم التالي؛ الثالث، تنفيذ قرار 1701 في جنوب لبنان. والمواضيع الثلاثة متعلقة الواحد بالآخر. وسأشرح.
تعمل الإدارة الأميركية منذ بداية الحرب على خطة لليوم التالي بدايتها في غزة ونهايتها تطبيع إسرائيلي – سعودي. الفكرة الأساس هي إقامة قوة متعددة الجنسيات أو عربية متعددة تحكم القطاع مؤقتا، من نصف سنة حتى سنة، وبالتدريج تستبدل بجهاز فلسطيني محلي في إطار سلطة فلسطينية جديدة، مرممة.
تستوجب الخطة انسحاب قوات الجيش من معظم القطاع أو منه كله. اللغم الأساس فيها هو الدور الفلسطيني. فقد أعلن نتنياهو على الفور أنه لن يسمح بأن تقام في غزة «فتحستان». بدون سيطرة فلسطينية في الأفق ليس للدول العربية مصلحة في إرسال جنود أو استثمار مال في إعمار غزة. ذهب الإعمار؛ ذهب التطبيع أيضا.
حسب تقارير الأمم المتحدة، فإن غزة تقف في هذه اللحظة على شفا المجاعة. مليونا نسمة في ملاحقة يومية إثر الطعام. من يوزع الطعام والأدوية هو المتحكم. هذه هي الضائقة وهذه هي الفرصة.
في شمال القطاع، كان يفترض الآن أن ينفذ مشروع تجريبي، تجربة في إدارة ذاتية بدون «حماس». رفض نتنياهو البحث واتخاذ القرار احبط الخطوة.
لكن في الحياة لا يوجد فراغ. في هذا الأسبوع، فتحت في جباليا سوق. تبقى هناك في هذه اللحظة 100 – 150 ألف نسمة وهم يحتاجون إلى الطعام. السوق أدارها رجال «حماس» غير مسلحين. وحدات الجيش الإسرائيلي وقفت جانبا. الأوامر تقول، انه لا يجب إطلاق النار على أشخاص غير مسلحين، إلا إذا كانوا في المستوى العالي لمنظمة الإرهاب. فتح السوق دل على بداية عودة «حماس» إلى شمال القطاع، بداية بالسيطرة المدنية، بعد ذلك بالعسكرية. لا الأنفاق تقيم حكما بل الاحتياجات اليومية للناس. أما إسرائيل فركزت على الأنفاق.
عاموس هوكشتاين، المبعوث الأميركي، أنهى جولة عقيمة أخرى من المحادثات في بيروت وفي الكريا في تل أبيب. الوساطة الأميركية تسعى للوصول إلى اتفاق يحرر الأموال لإعمار لبنان ويعيد فتح المفاوضات على مزارع شبعا، وبالمقابل يسحب قوة الرضوان إلى ما وراء الليطاني. نصر الله على حاله: طالما لا يوجد وقف نار في غزة، فإنه لن يسمح باتفاق في بيروت. الأميركيون يشتبهون بنتنياهو بأنه ينوي جرهم إلى حرب في ايران. أما هم فيسمعون من نتنياهو رؤيا ما، من غالانت رؤيا أخرى، من غانتس رؤيا ثالثة.
في الجيش يؤمنون أن اتفاقا يتبنى من جديد مطالب قرار 1701 لمجلس الأمن، إضافة إلى مرابطة قوة بحجم فرقة على طول الحدود، سيعيد السكان إلى بيوتهم. هذا سيحصل بالتدريج، بعد فترة هدوء.
لكن طالما تواصل القتال في غزة، فلا اتفاق في لبنان. تبادل النار يشتد، والخطاب في الطرفين يدفع نحو الحرب. إذا نشبت الحرب فإنها ستكون مبررة تماما، لكن في نهايتها، بعد أن نعيد لبنان إلى العصر الحجري كما وعد غالانت، وهم سيضربون بشدة في جبهتنا الداخلية، سنصل إلى النقطة ذاتها بالضبط: قرار 1701 الذي يسحب قوات «حزب الله» إلى ما وراء الليطاني.
نحن عالقون في المخطوفين أيضا. فقد تبنى الجيش الإسرائيلي المفهوم الذي يقول، انه كلما استخدمنا قوة اكثر، سنحصل على مخطوفين اكثر. أتاح المفهوم عرض الهدفين المعلنين للحرب – تصفية «حماس» وتحرير المخطوفين – كهدف واحد. كان هذا مريحا لكن ليس بالضرورة صحيحا. بعض من المخطوفين قتلوا من أعمال الجيش الإسرائيلي، ما يسميه رجال القانون بتعبير لا يطاق، «جوانب هامشية» لأعمال الجيش. لا توجد أدلة على أن الضغط العسكري يلين السنوار، وبالتأكيد ليس الآن.
الخطأ الاستراتيجي كان في عدم فهم قدرات السنوار ومنظمته. هذا الخطأ جلبنا إلى إخفاق 7 أكتوبر. حتى بعد الإخفاق كانت الفرضية انه ستمر بضعة أيام، والحماسيون سيخرجون بجموعهم من فوهات الأنفاق، بصدور مكشوفة وبأعلام بيضاء. تبين انهم قتلة، مغتصبون، جهاديون متعطشون للدماء، لكن توجد لهم حصانة، وبخلاف ما يثرثر لنا به مقدمو البرامج التلفزيونية، يهمهم مصير السكان.
لقد قدمت إسرائيل سلسلة من التنازلات في غزة. قلنا، انه لن يتم إدخال لتر وقود. فادخلنا مئات آلاف اللترات. قلنا، إننا سنقطع غزة عن إسرائيل وفتحنا معبر كرم سالم. قلنا، إننا لن ندخل مساعدات إنسانية وأدخلناها – والآن نحن نستجدي المزيد. مثلما قال هذا الأسبوع وزير الخارجية الأميركي بلينكن في دافوس، كل كهذه التنازلات قدمتها إسرائيل تحت ضغط أميركي. لم نتمكن من استخدام الأوراق التي كانت لدينا لننزع مزيدا من المخطوفين من السنوار. اعتقدنا أن مصلحة السكان لا تهمه. ظننا انه «داعش»؛ تبين انه «حماس».
هذا صحيح اليوم، أيضا. تواجد الجيش الإسرائيلي في خان يونس وعودة المواطنين إلى شمال القطاع هما الورقتان التي يمكن استخدامهما في المفاوضات. في كل حال، نحن في الطريق إلى الخارج؛ في كل حال، نحن نفهم، اليوم، أن «حماس» لن تختفي وبالتأكيد ليس في السنة القريبة القادمة، وإطلاق الصواريخ أيضا سيستمر بهذه القوى أو تلك. فليحرروا مخطوفين على الأقل.
الاستنتاج: لكل قرار تتخذه إسرائيل يوجد ثمن لكن عدم القرار هو القرار الأخطر. لشدة الأسف عدم القرار هو الطبيعة، الجوهر، الاستراتيجية لرئيس وزراء إسرائيل.