الـعـــودة إلـى جــبــالــيــــا (عن “هآرتس”)
في صباح عيد الاستقلال الـ 76، اضطرت قوات الجيش الإسرائيلي التي تعمل في جباليا في شمال القطاع إلى مشاهدة إطلاق الصواريخ على عسقلان، بدلا من الاستعراض التقليدي لسلاح الجو في سماء اسرائيل. الصواريخ التي تم إطلاقها من مخيم اللاجئين الأكبر في القطاع، وردا على ذلك قام الجيش بمهاجمة مواقع لـ”حماس” كانت تبعد فقط بضع مئات الأمتار عن قوات الجيش الإسرائيلي.
“من المخيب للآمال رؤية ذلك بعد مرور سبعة اشهر ونصف الشهر على الحرب”، قال قائد فصيل في الكتيبة 196 أثناء الاستعداد في الموقع المحاط بأكوام التراب، قبل الخروج مع الدبابات لاقتحام آخر. “لكن يبدو أنه يجب علينا أيضا العودة وعلاج منصات إطلاق الصواريخ الفردية“.
هذه هي الزيارة الثانية لهذا القائد في جباليا. ففي تشرين الثاني الماضي، حارب في القطاع مدة شهر، مثل كل الضباط والجنود في الطاقم القتالي على مستوى الكتيبة. في كانون الأول، اعلن الجيش الإسرائيلي بأنه استكمل احتلال جباليا وأنه قام بتفكيك لواء “حماس” في الشمال الذي عمل هناك. معظم الجنود يخشون التطرق إلى الأمور السياسية حول سبب العودة إلى جباليا، لا سيما الذين يوجدون في الخدمة النظامية والضباط في الخدمة الدائمة. الاحتفالات بعيد الاستقلال لم يكن بالإمكان الشعور بها في هذه التحصينات، لكن الأحاسيس في دقيقة الصمت التي وقف فيها الجنود معا في يوم الذكرى بدون صافرة، ما زالت تظهر على وجوههم. فهم لا يتذمرون من المهمات التي تم إعدادها لهم، لكنهم جميعا يكررون الوصف نفسه الذي يريدون وصف الواقع الحالي به: “واقع سيزيفي”، كما يقولون.
قبل اربعة اشهر، اعلن الجيش الإسرائيلي عن “تفكيك” كتائب “حماس” في شمال القطاع، لكن في هذا الأسبوع عادت ألوية كاملة للعمل في المنطقة. في جباليا توجد الآن الفرقة 98، التي قبل خمسة أسابيع فقط أنهت القتال في خان يونس. وحتى قبل أسبوع كانت هناك ألوية من هذه الفرقة مستعدة للعمل في رفح. من يخدمون في الاحتياط تم استدعاؤهم لجولة خدمة ثانية في الحرب الحالية، ودورات الضباط والقادة تم وقفها من اجل ملء الصفوف. عندما صدر قرار “الكابنيت” في الأسبوع الماضي حول دخول الجيش الإسرائيلي إلى أهداف محدودة في محيط رفح، تقرر البدء بعملية موازية في جباليا.
“لقد عدنا إلى المكان الذي تريد (حماس) التمركز فيه. هذه منطقة قتال بكل المعايير”، قال قائد الكتيبة 196، المقدم يعلي كورنفيلد. “يوجد هنا أيضا من لم ننجح في اعتقالهم في المرة السابقة، والذين هربوا وعادوا. الكتيبة، التي تتشكل من المرشدين والمتدربين في دورات القيادة في سلاح المدرعات، ينتظرها الكثير من العمل. ففي العملية البرية التي بدأت في تشرين الأول، احتل الجيش الإسرائيلي في الواقع مناطق في جباليا ولكنه لم يعمل فيها بالكامل. “في الحقيقة قمنا بالاحتلال واحتفظنا بهذا المحور”، قال كورنفيلد. “لكن توجد هنا منشأة تدريب كاملة لـ(حماس)، التي فقط الآن قمنا بتدميرها. وهناك أيضا أنفاق ومقرات قيادة… كان يوجد لنا سلم أولويات“.
كورنفيلد قال، إنه في هذه المرة الجميع جاؤوا اكثر استعدادا. “إذا كانت هناك حاجة في السابق عندما قمنا بالتدرب وتوجيه الدبابات إلى تصور ما الذي يعنيه ميدان القتال، فإنه الآن لم تعد لذلك هذه الحاجة. لمن جاء ليقاتل في المرة الثانية فإنه يوجد عامل مجهول. ولكن هذا الأمر يسري أيضا على (حماس). نحن في منافسة تعلم أمام (حماس). نحن نرى أنهم غيروا التكتيك، وهم يتقدمون في تفخيخ المباني”، قال.
من النشاطات الجديدة للجيش الإسرائيلي في جباليا وفي مناطق أخرى في شمال القطاع، مثلا في حي الزيتون في جنوب مدينة غزة، يمكن تعلم دروس رئيسة. الأول هو أن الجيش لم يقدر بشكل صحيح حجم البنية التحتية العسكرية لـ”حماس” في القطاع. الثاني هو أنه عندما غادرت القوات سارعت “حماس” إلى إعادة بناء نفسها والتمركز في الفراغ الذي وجد. هذا التمركز بالطبع أمر محتمل في أعقاب غياب استراتيجية سياسية حول “اليوم التالي”. احد ضباط الكتيبة قال، إن “المهمة الرئيسة في هذه الأثناء هي إنهاء العمل من اجل ألا نضطر إلى العودة إلى هنا للمرة الثالثة”. وحسب قول هذا الضابط فإنه “في العملية الأولى كانت حاجة إلى الحفاظ على الوتيرة، وقد وضعنا الأهداف حسب الوقت. العمل الآن بطيء، والجنود يعملون بشكل جذري. نحن ندخل إلى الكثير من بيوت نشطاء “حماس” العاديين. حتى هناك نجد عبوات ودروعا. سنستغرق وقتا كي نقوم بتدمير الأنفاق، ليس فقط نقوم بسد فتحات الأنفاق ونغادر”، قال.
وتيرة نشاطات الجيش تعتمد على الأسس التكتيكية، التي حسب ضابط شاب هي منطقية جدا. لكن يبدو أن هذه الأسس أقل مناسبة لجنود الاحتياط الذين انضموا للكتيبة. فهم تجندوا في فترة عيد الفصح لخدمة أخرى دون تحديد موعد لإنهاء خدمتهم. “لقد قالوا لنا إنه مبدئيا نحن سنكون هنا لشهر”، قال جندي في الاحتياط. “لكن عمليا نحن نعمل حسب أمر مفتوح”. وحسب قوله فإنه عندما امتثلوا للخدمة في 7 تشرين الأول كان من الواضح أنه لا يمكن معرفة موعد انتهاء خدمتهم. “ولكن الآن، عندما اصبح يمكن التخطيط أكثر بقليل، هذا لا يهم”، قال.
الكثير من جنود الاحتياط يحتجون مرة تلو الأخرى على التجند بـ”أمر مفتوح”. في وحدات الاحتياط التي انضمت للكتيبة فإن الضباط يبلغون عن ترتيبات كاملة للقوات. “ليس كل من تجند في 7 أكتوبر يمكنه القدوم الآن. نحن في ترتيب كامل للقوات لأنه في السابق كان لدينا فائض. ومن كان يصعب عليه الامتثال للخدمة مرة أخرى، لا سيما أصحاب المصالح التجارية التي انهارت والحكومة لم تساعدهم، ببساطة لم يأت. وحتى لا أحد وجه اللوم اليهم. يجب أيضا الحفاظ على الناس للمرة القادمة”، قال أحد جنود الاحتياط.
*عن “هآرتس”