فيلم المجندات المخطوفات في موقع ناحل عوز (“هآرتس”)
بقلم: عاموس هرئيل*
بعد يوم على نشره فإن الفيلم الذي وثقت فيه المجندات المخطوفات في موقع ناحل عوز المحتل في صباح 7 أكتوبر، يواصل التحليق فوق الخطاب العام في اسرائيل مثل غيمة مسمومة وكئيبة. ليس لأننا لم نعرف: المشاهدون للتلفاز ومن يقرؤون الصحف يشاهدون ويسمعون أوصافا كثيرة وصورا للمذبحة من يومها الأول، لكن هنا حدث شيء آخر، حتى في الطبعة التي تم تحريرها والحذف منها للفيلم (الجيش الذي ارسل الفيلم لعائلات المخطوفين حذف منه صور الجثث). مشاهدته تشبه ابتلاع حبة مركزة من المعاناة والرعب. في ثلاث دقائق تقريبا، يتم تجسيد أبعاد الكارثة والفشل: الرعب في عيون المراقبات، الثقة الذاتية التي لا تصدق لمخربي “حماس” – وفوق كل ذلك حقيقة أن الفلسطينيين يحتلون الموقع ومواقع عسكرية أخرى وكيبوتسات على طول الحدود لساعات دون نجاح الجيش الإسرائيلي في الوصول إليها وإنقاذها.
غرب النقب احتل ليوم واحد، قوات الإنقاذ والسيطرة وصلت بشكل متأخر، والجنود والمجندات في المواقع بقوا وحدهم يديرون قتالا يائسا من أجل البقاء، مع تدن كبير في العدد. في موقع ناحل عوز نفسه، قتل 54 جنديا وجندية، و7 مراقبات اختطفن. واحدة منهن قتلت على يد آسريها من “حماس”، وأخرى تم تحريرها في عملية جريئة لـ”الشاباك” والجيش الإسرائيلي. 5 منهن بقين في الخلف: لقد تم إهمالهن في نفس اليوم، وتم التخلي عنهن من قبل الدولة منذ ذلك الحين. لا يمكن تجاهل عامل آخر في القصة. هذه مجموعة من الفتيات، منذ ذلك الحين نحن نعرف من قبل مخطوفين عادوا من الأسر، ما الذي يمر على الكثير من النساء في أسر “حماس”. حتى في الفيلم تسمع إشارات ضبابية عن ذلك من قبل المخربين انفسهم.
”لتعرف كل أم عبرية أنها وضعت مصير أبنائها في يد القادة الجديرين بذلك”، قال رئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، في جملة نقشت على الجدار خلف كرسي رئيس الأركان في غرفة النقاشات في هيئة الأركان العامة في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب. الجيش الإسرائيلي لم يجتز هذا الامتحان في 7 أكتوبر. الضباط الكبار الذين يجتمعون في الغرفة مرة كل أسبوع (النقاشات العملياتية تجري في موقع القيادة العليا، “البئر” تحت الأرض) يعرفون ذلك جيدا. هم سيجدون صعوبة في النسيان بسبب أن كل نقاش يتم إجراؤه في الطابق الـ 14 تسمع جيدا في الأسفل صرخات عائلات المخطوفين، التي تتظاهر كل يوم أمام مبنى وزارة الدفاع.
يجب على الشخص أن يكون له قلب ابيض كي يتجاهل ما ظهر في الفيلم. هل هو أيضا سيحث على فعل أشياء كما تأمل العائلات؟ ايلي الباغ، والد المراقبة المخطوفة ليري، قال، إن قرار النشر كان بالنسبة له “الرصاصة الأخيرة في المسدس”. مساء أول من أمس، تم عقد مجلس الحرب للجلسة التي حددت مسبقا في قضية المخطوفين. بعد ذلك، اعلن مكتب رئيس الحكومة بأن طاقم الأسرى والمفقودين اعطي توجيهات بـ”مواصلة المفاوضات”، أي استئنافها بعد وقف استمر اكثر من أسبوعين. ولكن من الجدير ألا تجرنا النشوة. الحقائق الأساسية بقيت على حالها. “حماس” تطالب بوقف كامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب كشرط للصفقة. نتنياهو لا يريد دفع ثمن باهظ من ناحيته.
من قراءة صيغة بيانات رئيس الحكومة ووزراء وأعضاء كنيست من “الليكود” وأحزاب اليمين المتطرف، بعد نشر الفيلم، يتبين خليط من الوعود لتحرير المخطوفين والانتقام من “حماس”. أمر واحد غاب عن معظمها وهو إظهار تعاطف حقيقي مع العائلات. هذه ليست ظاهرة جديدة، هكذا يشعر أيضا سكان الغلاف الذين تعرضوا بأجسادهم للمذبحة، وسكان البلدات على الحدود مع لبنان المخلون من بيوتهم.
ليس فقط أن الحكومة لا تقدم لهم مساعدة ناجعة، بل الكثير من أعضاء الائتلاف لا يكلفون انفسهم بإظهار التعاطف مع ألمهم. هذه المشاعر محفوظة بشكل عام لقتلى الجيش الإسرائيلي، وحتى عندها إذا عبرت عائلاتهم عن تأييد موقف اليمين. نتنياهو يبالغ في خطاباته في الأحاديث الفارغة عن التضحية والثكل. هناك قاسم مشترك تقريبا بين كل من سقطوا الذين يذكرهم وهو خلفية أيديولوجية يمينية قوية، ويفضل خلفية استيطانية.
الصعوبة في التوصل إلى انعطافة في المفاوضات تزداد لأن “حماس” تشدد، مؤخرا، مواقفها بخصوص تفاصيل الاتفاق. هذا ينبع، كما يبدو، من الشعور بالقوة المتزايدة. رغم الضغط العسكري المتجدد إلا أن “حماس” ما زالت تصمد. قادتها يتابعون باهتمام الخلافات الداخلية في اسرائيل والتوتر مع الإدارة الأميركية والخطوات التي تقوم بها المحاكم الدولية في لاهاي.
تأثيرات أجنبية
وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، تحدث، مساء أول من أمس، هاتفيا مع وزير الدفاع يوآف غالانت. صيغة البيان الذي نشره “البنتاغون” إيجابية جدا من الناحية الإسرائيلية. أوستن كرر “الالتزام الأميركي الصلب بأمن اسرائيل”، وأدان طلب المدعي العام إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت في لاهاي، ودفع بغالانت ليناقش مع المصريين إعادة فتح معبر رفح، وطلب تقليص الأضرار بالمدنيين والحرص على إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. ما الذي غاب بالكامل عن هذا النشر؟ تحفظ أميركا من العملية الإسرائيلية في رفح ووضع خطوط حمراء بخصوص الدخول.
فقط قبل أسبوعين، جهات رفيعة في الإدارة الأميركية صرحت بشكل علني في كل مناسبة ضد العملية، وحتى أن الرئيس أمر بوقف إرسالية تشمل آلاف القنابل لسلاح الجو الإسرائيلي. التغيير حدث بعد أن اقتنع الأميركيون بخطوات الجيش الإسرائيلي على الأرض: حوالى مليون غزي، من بين الـ 1.4 مليون الذين تم دفعهم إلى رفح، غادروا المدينة بسرعة استجابة لتحذيرات إسرائيلية. خطوة قدر الجيش الإسرائيلي بأنها ستستمر شهرا، و”البنتاغون” اعتقد أنها غير محتملة، تم تنفيذها في غضون أسبوع. الولايات المتحدة خفضت معارضتها لاستمرار العملية، ويبدو أن الأزمة حول إرساليات السلاح خفتت أيضا، بعد أن واجه الرئيس انتقادا داخليا من الجنرالات وبعض المشرعين الديمقراطيين.
هذا لا يعني أن قضية رفح أصبحت خلفنا. فحادثة فيها قتل جماعي للمدنيين أو أي كارثة دبلوماسية أخرى يمكن أن تثير مجددا معارضة الإدارة الأميركية. ولكن في هذه الأثناء العملية مستمرة وهي تتوجه نحو احتلال مدينة رفح. في موازاة ذلك، تعمل قيادة أخرى على مستوى فرقة في جباليا في شمال القطاع، وقيادة ثالثة في ممر نتساريم في الوسط. الجيش الإسرائيلي يستخدم الآن 9 ألوية حربية في القطاع – عدد الجنود الأكبر الذي وجد هناك منذ حوالى شهرين.
الوقت المتاح للجيش ليس غير محدود. الأميركيون يفضلون أن تنهي اسرائيل العملية في رفح خلال بضعة أسابيع كي يتم إخلاء الساحة للدفع قدما بالاتفاق مع السعودية وتوقف صور القتل من القطاع قبل انعقاد مؤتمرات الحزبين في الولايات المتحدة في الصيف والمرحلة الأخيرة من السباق على الرئاسة. نتنياهو سيواجه مشكلة أخرى. فحتى لو تم استكمال احتلال رفح بشكل سريع فسيتبين أنه لا يؤدي إلى النصر المطلق، كما وعد مؤيديه. هل توجهه هو احتلال طويل لأجزاء في القطاع وإقامة حكم عسكري، والسيطرة على ممر نتساريم فقط (مع اقتحامات محددة لمناطق تركز فيها “حماس” جهودا عسكرية جديدة)، أو أن توجهه نحو محاولة أخرى للتوصل إلى صفقة شاملة؟. اصبح من الواضح أن هزيمة الكتائب الأربع التي بقيت في رفح لن تؤدي إلى بيان استسلام من قبل “حماس” ووقف شامل للقتال. رفح ليست المعقل الأخير ولا يوجد أي مبرر لوصفها ستالنغراد الفلسطينية. عند الحاجة “حماس” ستقوم بتهريب عدد من مقاتليها من رفح إلى مناطق أخرى في القطاع.
في هذه الأثناء يبدو أن رئيس الحكومة يواصل كسب الوقت، وتأخير أيضا إجراء المفاوضات حول المخطوفين، وإجابته على الصفقة السعودية (الأميركيون أملوا دمج الأمرين معا). بدرجة كبيرة فإن القتال على الأرض طالما أنه لم يتعقد، لم يعد هو الذي يملي وجهة المعركة. نتيجة الحرب وتداعياتها الاستراتيجية ستتأثر بالخطوات الدولية، العلاقات مع الإدارة الأميركية والخطوات في لاهاي وربما في مجلس الأمن، وبالتطورات السياسية في اسرائيل. كالعادة توجد فجوة كبيرة بين ما يتم تسويقه للقاعدة السياسية والتوجيهات التي يعطيها رئيس الحكومة حقا. في الشهرين الأخيرين، نتنياهو دفع بكبار قادة الجيش لتسريع المساعدات الإنسانية إلى القطاع بسبب الضغط الأميركي. في الوقت نفسه، رجاله في الشبكات وفي وسائل الإعلام هاجموا الجيش بسبب تساهله وضعفه أمام العدو. على خلفية ادعاءات المدعي العام في لاهاي حول “حملة تجويع” اسرائيلية، التي تمت إدارتها كما يبدو ضد سكان القطاع، تذكروا في هيئة الأركان في هذا الأسبوع كيف ضغطوا عليهم في الحكومة في الأسبوع الأول كي يقصفوا كل المعابر في القطاع. الضباط ردوا بأن هذه العملية تعارض القانون الدولي، وتم منع هذه العملية الغبية.
حتى الآن تستمر جهود الإشعال من الداخل.
*عن “هآرتس”