الـســـؤال الـعـــالق: مـــاذا بــعــد رفــــح؟
في نهاية الأسبوع القادم، ستحيي اسرائيل ذكرى الثمانية اشهر على اندلاع الحرب في قطاع غزة، التي كانت بدايتها بالهجوم الإرهابي لـ”حماس” على بلدات الغلاف. رئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، توقع، أول من أمس، ليس اقل من سبعة اشهر أخرى من القتال في القطاع. يجب علينا الأمل بأن تنتهي هذه الأشهر بنتائج افضل من ناحيتنا. في الوقت الذي تنبأ فيه هنغبي فإن الجيش قال، إنه استكمل احتلال محور فيلادلفيا، الممر الضيق على طول الحدود بين القطاع ومصر. في إحدى وسائل الإعلام نشرت تقارير انفعالية جدا تقول، اسرائيل تسيطر على أقصى زاوية في جنوب القطاع، وتم الكشف عن أنفاق ووسائل قتالية كثيرة وتم بالفعل قطع “حماس” عن أنبوب الأكسجين الذي عبره تم تهريب السلاح والتموين من مصر.
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي تشاجر لأشهر مع الإدارة الأميركية حول العملية في رفح حقق هدفه. الجيش الإسرائيلي يعمل الآن في أجزاء كبيرة في المدينة، وفي هذه الأثناء لا يبدو أن هناك أي أحد يمكنه وقفه. بالتأكيد ليس “حماس”، التي بقي لها في المدينة الكتائب الأربع الأخيرة النشطة. هذه تعتبر كتائب ضعيفة نسبيا، أيضا يبدو أن الكثير من المسلحين غادروا رفح مع مليون مواطن هربوا منها منذ اللحظة التي بدأت فيها العملية العسكرية. ولكن العملية في رفح يتوقع أن تستغرق فترة طويلة إذا أراد الجيش استكمال المهمة هناك. هذه العملية تنطوي على خطر تورط كبير، مثلما سبق وحدث في بداية الأسبوع، إزاء احتمالية حدوث قتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين الآخرين. سيكون كما يبدو هناك للأسف المزيد من الخسائر العسكرية، حتى بعد ذلك سيطرح سؤال “ماذا بعد؟“.
في الأشهر التي وجد فيها مؤيدون لاحتلال رفح بث لهم نتنياهو وعود مرتبطة ببعضها البعض: رفح ستتم هزيمتها والنصر على “حماس” هناك سيضع اسرائيل على بعد خطوة من النصر المطلق. هذا إذا لم يحققه على الفور بالكامل. ولكن في الأسابيع الأخيرة يقلل رئيس الحكومة من ذكر الشعار الذي لم يغب عن أي خطاب له في الأشهر الأخيرة، الذي قام مستشارون ورجال إعلام من مؤيديه بطباعته على قبعات. عميت سيغل من “أخبار 12″، المحلل السياسي الذي يبدو أنه يفهمه أفضل من الجميع، شرح، أول من أمس، أنه ربما أن وعد نتنياهو هو “لأغراض الدعاية”. مسموح التخمين أنه بدأ أيضا يتسرب إلى قلوب الاتباع المخلصين جدا لرئيس الحكومة الشك بأن النصر النهائي ليس في متناول اليد، وأن تقدير هنغبي اقرب للواقع من وعود زعيمه.
وقد احسن صنعا الوزير دودي امسالم الذي قال، أمس، إن الأمر سيستمر “كلما كانت حاجة إلى ذلك، حتى لو عشر سنوات” حتى النصر. هو لم يشر إذا كان النصر يتم تحقيقه بإنقاذ رئيس الحكومة من الحصار الذي يتعرض له. كبديل، في ظل غياب الحسم، دائما سيكون بالإمكان إلقاء الفشل على الآخرين الذين لم ينجحوا في المهمة أو أنهم شوشوا عليها – الجنرالات، الأميركيون، اليسار ووسائل الإعلام – في الحقيقة جميعهم معا. هذا ما حدث في كل ما يتعلق بإخفاقات 7 أكتوبر.
لقد انشغلت وسائل الإعلام والمجتمع الدولي في هذا الأسبوع اكثر بالحادثة التي وقعت في مخيم النازحين في حي تل السلطان في غرب رفح. الذي قتل فيه حسب التقارير 45 مدنيا في قصف لسلاح الجو الإسرائيلي. الطائرات أطلقت قنبلتان صغيرتان نسبيا ودقيقتان، قتلت أهداف العملية، اثنان من كبار قادة “حماس” (قيادة الضفة)، التي تعمل على تشجيع وتوجيه العمليات الإرهابية في الضفة الغربية. ولكن بطريقة معينة اشتعلت النار في المخيم القريب وقتل مدنيون. في اليوم التالي، نشر تقرير عن قتل جماعي في منطقة المواصي، وهي المنطقة الآمنة التي تقع على الشاطئ والتي انتقل إليها مئات آلاف النازحين من رفح. الادعاءات تلاشت من الخطاب الإعلامي بعد بضع ساعات، دون أن يتم الإثبات بأنه كان هناك حدث آخر، أو أن اسرائيل هي المذنبة في ذلك.
الحادثة في تل السلطان لم تتبدد بشكل مشابه. صور قاسية لأشلاء محروقة نشرت في الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الإعلام الأكثر مأسسة تم توجيه انتقادات شديدة لإسرائيل. المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، العميد دانييل هاغاري، الذي راكم موثوقية عالية في نظر وسائل الإعلام الأجنبية، قدم إحاطة مفصلة في محاولة لإثبات أن أيدينا لم تسفك هذه الدماء. حسب تقدير اسرائيل المدعوم فقط بإثباتات جزئية فإنه في هذا المكان تم الاحتفاظ بمخزن ذخيرة يعود لـ”حماس”. هذا المخزن اشتعل نتيجة اصابة شظايا قنبلة اسرائيلية وهكذا قتل المدنيون. باستثناء الإدارة الأميركية، التي تلقت بتفهم تفسيرات اسرائيل، هناك شك أن هذا سيؤثر على أي أحد في العالم.
في المقابل، يتم طرح ادعاءات رئيسة: الأول هو أنكم هاجمتم أهدافا قرب مدنيين. الثاني، الرغبة في قتل اثنين من قادة “حماس” بمستوى متوسط واللذين لم يعد أي أحد الآن يذكر اسميهما. لا يمكن تبرير هذا القتل الجماعي للمدنيين، أيضا في ساحة ما زالت عيون العالم تشخص إليها بعد بضعة أيام على تحذير محكمة العدل العليا في لاهاي اسرائيل من تنفيذ عمليات يمكن أن تفسر كجزء من الإبادة الجماعية أثناء العملية في رفح.
خطر لاهاي ما زال يحلق فوق اسرائيل، أيضا باحتمالية تحقيق أوامر الاعتقال ضد نتنياهو ووزير الدفاع غالانت. يمكن رسم مسار مستقبلي خطير، فيه الإجراءات في المحاكم ستحرك قرارا في مجلس الأمن الذي يحظر استمرار الحرب في غزة دون صفقة تبادل، وتهدد اسرائيل بفرض عقوبات عليها. يصعب الالتزام بأنه في هذه الحالة ستفرض الولايات المتحدة “الفيتو” على هذا القرار.
استمرار العمليات في رفح والخسائر العسكرية هناك وفي العملية في جباليا، عادت وأبعدت عن وعي الجمهور قضية المخطوفين. الفيلم الذي ظهرت فيه المراقبات الخمس بعد فترة قصيرة على المذبحة في موقع ناحل عوز اشغل الجمهور في اسرائيل لعدة أيام، لكن بعد ذلك اختفى من الوعي تحت ثقل الأنباء السيئة الجديدة. المفاوضات نفسها ما زالت عالقة، الوفود تذهب وتعود، لكن حتى الآن لا يلوح في الأفق أي انعطافة تتجاوز العائق الأساسي وهو الطلب الحازم لـ”حماس” بأن التوقيع على الصفقة سيؤدي إلى إنهاء الحرب، ورفض نتنياهو الحازم لذلك.
حول درجة نجاح الجيش الإسرائيلي في الحرب نشر، أول من أمس، في موقع “ان 12” مقال حول هذا الأمر، ربما هو الأكثر شدة من بين ما نشر منذ بداية الحرب. الكاتب، العقيد حانوخ دؤوبا الذي يوجد الآن في نهاية خدمته، وجه انتقادا شديدا لأداء قادة كبار في 7 أكتوبر ولوضع القتال منذ ذلك الحين. فقد كتب أن المذبحة كانت “فشلا شاملا” في كل المستويات، من المستوى الاستراتيجي وحتى التكتيكي. غياب الاستخبارات لا يمكن أن يعفي فرقة غزة من المسؤولية عن الطريقة التي تم فيها اختراق خط الدفاع بشكل كامل في الصباح الذي فوجئت فيه اسرائيل. لكن الآن أيضا، يقول دؤوبا، الجيش الإسرائيلي لا يقوم بالوفاء بالمهمة. “هل الواقع الذي فيه القادة والزعماء الذين هزموا على يد العدو ويحاولون كل يوم وكل ساعة إصلاح عارهم الشخصي من خلال الاستمرار في إرسال المقاتلين إلى الجحيم، هو أمر مقبول على الشعب الذي يعيش في صهيون؟”، تساءل. بالنسبة له “أسطورة الاستيقاظ المدهش لقيادة الجنوب” بعد الهجوم المفاجئ، هي ببساطة غير مقنعة.
دؤوبا لا يكتب هذه الأقوال من منطقة الراحة لشخص متقاعد في الجبهة الداخلية. هو قائد سابق للواء مدرعات في الاحتياط، الذي كان على وشك إنهاء خدمته الدائمة قبل الحرب (مجرد قرار نشر هذه الأمور بدون مصادقة رئيس الأركان والمتحدث بلسان الجيش يدل على حالة الغليان الداخلي والانضباط في الجيش). في حرب لبنان الثانية، كقائد فصيل دبابات، منح دؤوبا وسام الشجاعة بعد إصابته أثناء إنقاذه الجريء لمصابين في منطقة بنت جبيل. في الحرب الحالية تطوع لاستبدال قائد لواء مدرعات قتل في المعارك، المقدم سلمان حبكة. إخوته الثلاثة، جميعهم من كيبوتس عين تسوريم، خدموا كضباط كبار في الحرب، واحد منهم قائد لواء قطري على الحدود مع لبنان.
من الجدير ذكر محطة أخرى في سجله العسكري. فقبل اكثر من عقد عمل كرئيس لمكتب نائب رئيس الأركان في حينه غادي آيزنكوت.
*عن “هآرتس”