إسرائيل: كيف ننتصر في الحرب؟ (يديعوت احرونوت)
سطحيا، محق رئيس الوزراء في إصراره على مواصلة الحرب حتى “النصر المطلق”. غير ان مراجعة الاستراتيجية الإسرائيلية تستوجب منا العودة الى ذاك السبت إياه في أكتوبر والى البحث الذي كان ينبغي أن يجرى. بشكل نظري كان يمكننا أن نقرر باننا لا نحتاج على الاطلاق ان نقاتل كي نفهم باننا تكبدنا هزيمة نكراء وان علينا أن نلعق جراحنا ونمتنع عن كل خطوة عسكرية هجومية.
لو عملنا على هذا النحو لكان يمكننا ان نوفر موت مئات المقاتلين في الحرب في غزة وكنا امتنعنا عن فتح جبهة أخرى في لبنان وما كنا عانينا من عزلة دولية واقتصادنا كان يمكن أن يواصل الازدهار.
اما عمليا، ولأسباب مبررة تماما، لم ينظر في مثل هذه الامكانية. فلقد قررت إسرائيل ان ترد الحرب الصاع صاعين. الخروج الى الحرب استند الى الفرضية في أننا نعتزم الانتصار إذ ان طعم النصر سيكون حلوا بلا قياس اكثر من أي ثمن باهظ نضطر لان ندفعه.
نقطة الانطلاق هذه تؤدي الى السؤال التالي: كيف من الصواب الانتصار؟ وبالفعل كانت امام إسرائيل ثلاث إمكانيات: الامكانية الأولى، الامكانية التي تم تبنيها بدون بحث، كانت القاء كل اهتمامنا على الضغط العسكري. افترضنا انه كون الجيش الإسرائيلي اقوى من حماس فان النصر سيكون مضمونا.
مثل هذا التفكير يشبه جدا التفكير الأمريكي في بداية حرب فيتنام. وزير الدفاع الأمريكي روبرت مكنمارا أعد جداول موازين القوة وتوصل الى الاستنتاج بانه بسبب قدرات النار الامريكية الأعلى بكثير من تلك التي لشمال فيتنام، فلا شيء يقف امام انتصار الولايات المتحدة.
في خطيئة هذا الغرور وقع أيضا قادة المستوى السياسي والعسكري عندنا في أكتوبر. لم نقدر بما يكفي قدرة العدو التي وجدت تعبيرها في كمية هائلة من السلاح والذخيرة، في توزيع يتيح لمجموعات صغيرة مواصلة القتال حتى عندما “فكك” الاطار، واساسا لم نقدر الصعوبة الهائلة التي تسببها لنا منظومة الانفاق التي بنتها حماس.
على الرغم من ذلك، فلئن كانت هذه هي الاستراتيجية التي تم اختيارها فقد كان بالتالي من الصواب العمل بموجبها بشكل ثابت. لكن ليس هكذا تطورت الأمور. فقد عملت إسرائيل بقوة في الشهرين الاولين، لكن منذئذ وكنتيجة لضغط امريكي، انزلنا القدم عن دواسة الغاز. فقد ادعت الإدارة الامريكية بان إسرائيل “تقتل اكثر مما ينبغي من المدنيين في غزة”. لم يكن أي أساس مهني لهذا الادعاء، لكن إسرائيل حشرت في الزاوية. التوقفات بين مراحل الحرب في شمال القطاع وبين خانيونس، وبعد ذلك بين خانيونس ورفح تواصلت لزمن طويل، تجاهلنا مبدأ الحرب “الاستمرار والتواصل”. هكذا لا يمكن الانتصار!
بديل ثانٍ كان يمكن أن يكون الحصار. كان يمكننا أن نسيطر على حدود غزة – مصر (محور فيلادلفيا) في الأسابيع الأخيرة ونمنع كل دخول لمؤن الطعام والوقود الى غزة. بهذه الطريقة كانت دولة إسرائيل تكون استخدمت تفوقاتها في مواجهة دولة غزة. السنوار لا يبالي بالقتلى، لكن لا يمكنه الا يبالي بقطع الماء والمؤن. فضلا عن ذلك، مع استراتيجية كهذه كان يمكننا أن ننتصر في زمن قصير، نقلل كمية القتلى، ليس فقط في الجانب الاسرائيل بل وأيضا في جانب المدنيين الفلسطينيين.
كدليل على ذلك، تعالوا نتذكر الحرب الاهلية الامريكية التي قاد فيها الجنرالان غراند وشيرمان الشمال الى النصر حين اختارا تجويع أهالي الجنوب، الذين كانوا مواطنين أمريكيين. كلاهما شرحا بان هذه الطريقة تقصر الحرب وهكذا توفر ضحايا كثيرين في الطرفين. بعد 70 سنة من وفاة شيرمان اطلق الامريكيون على اسمه دبابة المعركة خاصتهم في الحرب العالمية الثانية، بينما شخصية غراند تبرز حتى اليوم على ورقة الخمسين دولار.
مثال آخر لزعيم تصرف حسب نمط التفكير هذا هو وينستون تشرتشل الذي قرر منع ارسال الغذاء الى مواطني فرنسا وهولندا، مواطني دولتين صديقتين، لان هذا المنع كان برأيه وسيلة حيوية لتقصير الحرب.
صحيح، مع أننا لا نعيش في القرون السابقة لكن حتى اليوم فان هذا النهج في منع المساعدة الإنسانية عن العدو لا تستهدف معاقبة الطرف الاخر او خلق تفوقات تكتيكية (الامران محظوران حسب قواعد الحرب). هذا النهج يستهدف حل مشكلة إنسانية عاجلة (المخطوفين) ولهذا فهو أيضا مسموح به، أخلاقي وبالتأكيد ناجع جدا. اكثر من هذا، انا مقتنع بانه لو كنا اصرينا على ذلك من اللحظة الأولى، لكان الولايات المتحدة أيضا وافقت.
على سبيل البديل، كان يمكننا ان نخلق حصارا كاملا على شمال القطاع، السماح بممرات خروج للسكان، ومن لحظت معينة منع دخول كل غذاء الى هذه المنطقة. مثل هذا العمل للحصار لدرجة التجويع حتى الموت للعدو (وليس للمدنيين) يتطابق بكاملة مع قوانين الحرب. على مدى التاريخ، فان معظم الجيوش التي استسلمت فعلت هذا ليس لنقص الذخرة بل لانه نفد لهم الطعام والشراب.
استراتيجية ثالثة كان يمكنها أن تتضمن خطوة سياسية. قبل نصف سنة، في اللحظة التي سيطرنا فيها على شمال القطاع، كان يمكننا أن نستجيب لطلب امريكي عربي والسماح بدخول قوة عربية الى هذه المنطقة، قوة كانت ستخلق بديلا مهددا لحماس. كما هو معروف، رفضنا هذه الامكانية باحتقار.
وأخيرا، الحروب هي وحشية وقاسية، لكن من يخرج الى الحرب يكون فعل هذا بعد أن يكون فحص كل البدائل، اختار الأكثر نجاعة وعرف ليس فقط كيف ينفذه كما ينبغي بل وأيضا يقنع “أصدقائنا” (الأمريكيين) بان هذا هو الامر الصحيح.
بعد الهزيمة النكراء في 7 أكتوبر ولما كنا فشلنا في إدارة الحرب، لا يتبقى لنا غير قبول منحى صفقة المخطوفين، بما في ذلك معناها المنفي الا وهو انهاء الحرب.
يبدو أننا قريبين من حرب كاملة أخرى، هذه المرة في الشمال. امامنا امكانيتان: الأولى ان نقاتل (فقط) مع حزب الله. الامكانية الثانية هي ان نعلن الحرب على دولة لبنان.
يجدر بالكابنت ان يكرس وقتا لهذه المسألة المصيرية قبل أن يأمر الجيش بالبدء بالهجوم.
*يديعوت احرونوت