إسـرائـيـل تـتـجـه نـحـو فـشـل ذريـع مـتـعـدد الأبـعـاد (هآرتس)
مع بداية الشهر التاسع للحرب فإنه يصعب الإبلاغ عن أنباء جيدة تلوح في الأفق. سلسلة المحادثات التي جرت في الأسابيع الأخيرة مع شخصيات رفيعة في جهاز الأمن تظهر المزيد من الإشارات التي بحسبها فإن وجهة اسرائيل هي نحو فشل ذريع متعدد الأبعاد. استراتيجيا، نحن عالقون في كل الساحات. الأكثر والاهم من بينها (أمام “حزب الله” في لبنان) تقف اسرائيل أمام خطر اشتعال شامل، إذا تحقق سيغطي على كل ما حدث في السابق. الاتصالات حول صفقة التبادل مع “حماس” يبدو أنها عالقة في أزمة مرة أخرى بعد أن ظهر للحظة أن خطاب الرئيس الأميركي ربما ينجح في تخليص العربة من الوحل، والعمليات العسكرية في القطاع، التي تتركز الآن في رفح ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع، تجبي ثمنا من “حماس” لكنها لا تدفع قدما بالانتصار في الحرب على المدى المنظور.
الأيام الأخيرة تميزت بالتصعيد في الشمال. في يوم الاثنين، اندلع حريق ضخم في كريات شمونة وفي محيط الكيبوتسات القريبة بعد أن اطلق “حزب الله” الصواريخ والمسيرات على جنوب الحدود. بعد يومين، بادر “حزب الله” إلى هجوم ناجع بالمسيرات على قوة للاحتياط انتشرت في منطقة مفتوحة قرب قرية حورفيش الدرزية. جندي قتل وأصيب عشرة جنود. في غضون ذلك، قنوات التلفاز الإسرائيلية ذهبت إلى منطقة الحدود وبثت من هناك من استوديوهات خاصة تحت عنوان “نحن نفقد الشمال” (القناة 14 غير السخية في النفقات وفي الأنباء السيئة، اختارت إخطار المذيعين في مركز البلاد).
مثلما في الأفلام الأميركية القديمة فإن اسرائيل و”حزب الله” يلعبان لعبة “الدجاجة” على حافة الجرف. ربما أن الشعار القديم الذي يقول، إنه لا يوجد لهما أي مصلحة في حرب شاملة، ما زال صحيحا. لكنهما يمكن أن يصلا إلى هناك، بالأساس نتيجة خطأ في الحسابات. مثلما في غزة اسرائيل لا تنجح في ترجمة تراكم إنجازات تكتيكية إلى نصر استراتيجي. رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، اتخذ في بداية الحرب قرار عدم بذل جهود مشاركة في الشمال، بحيث يسحب إلى حدود لبنان قوات كبيرة من الجيش ويبقيها هناك وبذلك يساعد “حماس” في غزة دون الانجرار إلى مواجهة شاملة. بعد انهيار وقف إطلاق النار الأول في بداية كانون الأول الماضي، اعلن أنه سيعود إلى المواجهة، وأنه سيوقف النار فقط عند انتهاء الحرب في غزة.
يكفي ما يفعله “حزب الله ” – إبعاد 60 ألف إسرائيلي من بيوتهم على طول الحدود والتنقيط المستمر لخسائر في الشمال وإطلاق عشرات الصواريخ والمسيرات كل يوم – من اجل زيادة إحباط الجمهور والضغط على الحكومة من اجل أن تعمل. هنا ولدت الفكرة التي ما زالت تعلم في القيادة السياسية والأمنية، زيادة الهجمات بشكل كبير على “حزب الله” على أمل إجباره على وقف النيران، لكن الامتناع عن الحرب الشاملة. عندما يوجد لديك مطرقة وزنها 5 كغم فإن أي مشكلة ستظهر وكأنها مسمار. لكن من يؤيدون ذلك حتى الآن لا ينجحون في شرح لماذا يعتقدون أن “حزب الله” سيرتدع بالضرورة، ولن يستنتج بالذات أن اسرائيل ما زالت تخادع، لذلك فإنه يمكن الاستمرار في مهاجمتها دون أن يؤدي ذلك إلى حرب.
عدد من وزراء “الليكود” واليمين المتطرف يريدون الذهاب أبعد من ذلك، وشن هجوم شامل على “حزب الله”. في الأسبوع الذي تم فيه إحياء الذكرى الـ 42 لحرب لبنان الأولى الفاشلة، ظهر أن هؤلاء الأشخاص لم يتعلموا أي شيء من تجربة اسرائيل الأولى في فرض نظام جديد في لبنان. بعضهم كان قصف ايران بالنسبة له ملحا، ووضع حدا للتهديد النووي الآخذ في التطور هناك. من الواضح أنه لا يوجد لديهم أي فكرة عن الوضع وعن القدرات الحقيقية للجيش الإسرائيلي.
اسرائيل يمكن أن تجد نفسها في حرب بدون شرعية دولية (التي تبددت بعد مذبحة 7 أكتوبر إزاء أبعاد الدمار والقتل التي ارتكبت في غزة)، وبدون دعم أميركي قاطع ومع جيش متآكل ومتعب، يناضل على توفير منتظم للسلاح وقطع الغيار. وفد برئاسة مدير عام وزارة الدفاع، الجنرال احتياط إيال زمير، قام في هذا الأسبوع بزيارة واشنطن لمناقشة مع “البنتاغون” ووزارة الخارجية الأميركية الأزمة التي حدثت حول قرار الرئيس الأميركي، قبل نحو شهر، تأخير إرسالية تشمل 3500 قذيفة دقيقة لسلاح الجو. في وزارة الدفاع يتحدثون عن تقدم إيجابي، لكن المشكلة لم يتم حلها حتى الآن.
فوق كل ذلك ورغم الإشارات الآخذة في الازدياد، التي ينثرها المحللون في الاستوديوهات، يبدو أن الجمهور لم يستوعب حتى الآن الفرق الذي سيتم الشعور به في الجبهة الداخلية، بين أضرار صواريخ “حزب الله” وأضرار صواريخ “حماس”. في الوقت الذي قتل فيه 20 إسرائيليا بنار الصواريخ التي أطلقت من القطاع في الأيام الأولى للحرب، الكارثة التي تم إبعادها عن الوعي على قاعدة المشاهد غير المسبوقة للمذبحة في بلدات الغلاف ومواقع الجيش الإسرائيلي. ولكن عدد الصواريخ التي أطلقتها “حماس”، 5 آلاف صاروخ تقريبا في اليوم الأول، فإن “حزب الله” يمكنه تقليدها خلال شهر واكثر، وكثير منها هي أثقل وذات مدى أطول وبعضها اكثر دقة.
يحتمل أن من يتحدث عن عشرات آلاف الضحايا في الجبهة الداخلية في الحرب مع “حزب الله” يبالغ في التقدير (الكثير يتعلق بدرجة امتثال المواطنين لتعليمات الحماية لقيادة الجبهة الداخلية). ولكن في كل الحالات فإن مدن الشمال والوسط ستشهد تهديدا بحجم وقوة غير مسبوقة. يجب الأمل بأنهم في “حزب الله” أيضا يدركون حجم المخاطرة وحجم الضرر الذي سيلحق بلبنان والبنى التحتية والمدنيين. وأن هذه الأمور ستكبح سلوك قيادته. خلافا للانطباع الذي تولد من بعض التقارير الأخيرة فإنه يصعب القول، إن القيادة في اسرائيل متحمسة للحرب في الشمال. مع ذلك، يوجد خطر من أن يؤدي الاستعراض الفعال جدا لقدرات الجيش الإسرائيلي إلى عكس النتيجة المأمولة، التي ستؤدي إلى الحرب الشاملة.
دفع الثمن
لقد مر أسبوع على خطاب الرئيس الأميركي، وحتى، أمس، لم يتم تسلم رد رسمي من رئيس “حماس” في القطاع، يحيى السنوار، على الاقتراح الإسرائيلي – الأميركي لوقف إطلاق النار وعقد صفقة تبادل أخرى. كبار القادة في الإدارة الأميركية يؤكدون على أن اسرائيل ردت بالإيجاب على الاقتراح (رغم التحفظات التي طرحتها منذ إلقاء الخطاب). والآن الكرة توجد في ملعب “حماس“.
السنوار يتوقع أن يركز تحفظاته على النقطة الحاسمة التي تفشل الاتفاق منذ بضعة اشهر. هنا الحد الأدنى لإسرائيل لا يلتقي مع الحد الأعلى للفلسطينيين. الفجوة بين الطرفين ترتكز على الانتقال بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية في الصفقة القادمة. بعد انتهاء الـ 42 يوما التي خلالها سيعاد بالتدريج المخطوفون المصنفون في مجموعة “الإنسانية” (النساء وكبار السن والمرضى والجرحى)، وسيتم الحفاظ على وقف إطلاق النار، سيتم إجراء مفاوضات سريعة حول إعادة باقي المخطوفين والجثامين، مقابل الوقف الشامل للحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من القطاع.
“حماس” تخشى، بدرجة من المنطق، من أن اسرائيل تعد لها شركا: المفاوضات ستفشل ورئيس الحكومة نتنياهو سيستأنف الحرب كما فعل في كانون الأول الماضي. الرئيس الأميركي في الواقع يقول للسنوار ورجاله، ثقوا بي، القتال لن يستأنف. لكن “حماس” معنية بضمانات ملموسة اكثر، التي ستضمن إنهاء الحرب، وفي الواقع انتصارها (استنادا لحقيقة أن حكمها ما زال قائما). هذا سيجد نتنياهو صعوبة كبيرة في توفيره طالما أنه يريد البقاء في الحكم. حتى الآن انهارت كل محاولات الالتفاف على هذا العائق بواسطة صياغات قانونية ابداعية.
قبل شهرين – ثلاثة عندما ظهر أن وضع اسرائيل في القتال افضل، فوتت فرصة لعقد صفقة بسبب تصميم نتنياهو على التملص من اتخاذ قرار حاسم. الآن، الوضع معقد اكثر، أيضا بسبب أنهم في “حماس” يعتقدون أن الوقت يعمل في صالحهم وأن نشاطات الجيش الإسرائيلي على الأرض تتعقد. إزاء هذه الظروف فإنه يبدو أن الأمر الصحيح الذي يجب فعله الآن هو السعي بكل القوة إلى صفقة التبادل، حتى بثمن وقف الحرب. الخطر الأكبر يكمن في لبنان. فإسرائيل يجب عليها كسب الوقت لتهدئة النفوس في الشمال واستنفاد الفرصة (المحدودة) من اجل التوصل إلى اتفاق سياسي يبعد قوة الرضوان عن الحدود والاستعداد لاحتمالية اندلاع حرب شاملة هناك. أيضا الوحدات نفسها بحاجة إلى هذه الهدنة.
وزير الدفاع يوآف غالانت يحاول الدفع قدما بفكرة إيجاد بديل سلطوي لـ”حماس”، الذي ربما سيندمج بعد ذلك في الجهود الأميركية للدفع قدما بصفقة اسرائيلية – سعودية. أيضا هنا فرصة النجاح في خلق “جزر سلطوية” لكيان فلسطيني، غير “حماس”، (الذي سيكون مرتبطا بشكل متعرج بالسلطة الفلسطينية)، غير مرتفعة. الاحتمالات الأخرى مثل استمرار حكم “حماس”، حكم عسكري إسرائيلي، فوضى مستمرة على شاكلة الصومال، هي احتمالات أسوأ.
* عن “هآرتس”