عن “هآرتس”: القاسم المشترَك بين نتنياهو والسنوار!
الكاتب الإيطالي ليوناردو شاشا كتب الكثير عن التعاون بين السلطات في إيطاليا والمافيا، ووصف التعايش بينها. فقد قال، إن “موضوع المافيا هو موضوع السلطة السياسية”، وأكد على أن الهدف الأكبر لرئيس المافيا ليس جمع الأموال بل مراكمة السلطة الاجتماعية، السعي للقوة هو أمر مشترك بين السياسي ورجل المافيا. وحسب أقوال شاشا فإنه في مرحلة معينة وحسب الظروف الاجتماعية فإن الحدود بين دور “السياسي” ودور “رجل المافيا” يتم طمسها. رجل المافيا يصبح رجل سياسة والعكس.
الربط بين الاثنين والتعاون بينهما، كما قال شاشا، يضعهما في نفس جانب المتراس ضد أجزاء واسعة من الجمهور الذي يسيطرون عليه؛ بعضهم بواسطة القانون وجهاز الضرائب وبعضهم بواسطة المسدس والسكين. التعاون بين السياسي ورجل المافيا يؤثر على طبيعة عمل السياسي. المجتمع لا يعنيه، بل ما يعنيه هو السيطرة عليه. بكلمات أخرى، بالنسبة له فإن السلطة ليست وسيلة لتجسيد السياسة بل هي الهدف. هكذا يتشكل السياسي – رجل المافيا الذي يغلف سياسته بأقوال أيديولوجية من اجل تضليل الناس، لكن هو في جوهره رجل يشهر السكين ويحارب من اجل السيطرة على الحي. وإذا تم أخذ السكين منه للحظة فهو سيفقد مكانه.
ما هو الفرق الحاسم بين السياسي – العصاباتي ورجل المافيا؟ “الكابونا” سيطر في ذروة قوته على أجزاء من شيكاغو بواسطة جيش مرتزقة؛ السياسي – رجل العصابات توجد قوة الدولة من خلفه، قوات الأمن والشرطة وميزانية الدولة وقنابل نووية.
يبدو من نافل القول الوصف هنا لقراء الصحيفة الطرق التي تقوم فيها الحكومة الحالية بسرقة ميزانية الدولة، وتضعف مكانة اسرائيل في أوساط الأمم وتتاجر بدماء مواطنيها. أحداث السياسة والمجتمع في اسرائيل يتم نقلها هنا في السنة والنصف الأخيرة يوميا. مثلا، مؤخرا، عرفنا عن تهديد آخر لوزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، على المجتمع الإسرائيلي: هو سيقوم بعلاج “غلاء المعيشة” فقط بعد أن يقوم الجيش الإسرائيلي بـ”علاج” رفح. هذا التهديد هو سلوك المافيا بالضبط.
رجل المافيا الذي يهدد صاحب مصلحة يفعل ذلك مع زعران ومسدس، والضحية تعرف جيدا ماذا ينتظرها إذا رفضت. ولكن السياسي – رجل المافيا لا يحتاج إلى طرق بدائية كهذه، حيث إنه مزود بميزانية الدولة، التي بواسطتها هو يمسك بعنق الجمهور. الفقر؟ توسيع عدم المساواة؟ عمل كثير سيتم دفنه؟ رجال المافيا لا يهمهم ذلك؛ هم يستخفون بذلك. هذه نقطة حاسمة مشتركة بين السياسي – رجل المافيا والإرهابي، مثل يحيى السنوار، أحد النماذج في معرض الشخصيات السياسية التي تدير الحرب الحالية.
قبل بضعة اشهر، اقتبست “نيويورك تايمز” (9/11/2023) من شخصيات رفيعة في “حماس”، من بينها خليل الحية، الذي أوضح: “هدف (حماس) ليس إدارة غزة وتوفير المياه والكهرباء لها… هذه الحرب لم تكن بسبب أننا أردنا الوقود أو دخول العمال. الهدف لم يكن تحسين الوضع في غزة. هذه المعركة هدفت إلى التشويش بشكل مطلق على الوضع”. أي أن “حماس” قد ضحت من اجل “تشويش الوضع” بسكان القطاع. “كان معروفا أن الرد على مثل هذا العمل سيكون كبيرا”، أوضح الحية. أي أن (حماس) “استدعت” هجوم اسرائيل مع الإدراك بأن الفلسطينيين سيدفعون حياتهم ثمنا لذلك.
حقيقة أن “حماس” هي حلقة رئيسة في شبكة إرهاب دولية، وهي الظاهرة التي نمت في فترة الحرب الباردة وعلى الأغلب بمساعدة جهات في الدول الغربية، تم إخفاؤها في وسائل الإعلام الدولية في الأشهر الأخيرة. أيضا حقيقة أن “حماس” تسيطر منذ عقد ونصف العقد على غزة أدت إلى تشويش الكثيرين وكأن الأمر يتعلق بـ”تنظيم أقل من دولة” (هكذا بالمصطلحات المهنية)، توجد له مصلحة في أن يصبح المسؤول عن الفلسطينيين في القطاع. العكس هو الصحيح. فقيادة “حماس” لا توجد لها أي مصلحة في تحديث الفضاء الفلسطيني ورفاه السكان في غزة، ولا نريد التحدث عن المصالحة. دورها في المنطقة مختلف كليا: الإبقاء على النزاع، أي خلق الفوضى.
الإرهاب هو صورة للسياسة، و”حماس” هي تنظيم سياسي. إذا اردنا الدقة هي تنظيم يمثل مصالح إجرامية، التي تعمل بشكل يناسب ظروف الفترة الحالية. الإرهاب هو أداة – لم يكن في أي وقت هدفا – لقوى محددة في المنظومات السياسية في العالم، التي تستخدمه لتحقيق أهداف لا يمكن تحقيقها بصورة مكشوفة ومشروعة. “حماس” هي نسخة حديثة للجريمة في السياسة، وأحد التعابير الواضحة لسياسة الجريمة هو عدم الاهتمام الواضح بالسكان، الذين باسمهم يتحدث الزعماء.
سكان القطاع لم يتم سؤالهم من قبل قيادة “حماس” إذا كانوا معنيين بأن يصبحوا لحما للمدافع باسم الجهاد، الذي يدعو إليه قادتهم. هذا ليس تحليلا، هذه الأقوال قيلت بصراحة من قبل رجال “حماس”. احمد عبد الهادي، من ممثلي “حماس” في بيروت، قال في كانون الأول 2023، “الشعب الفلسطيني ومقاومته اضطرا إلى اتخاذ قرار استراتيجي ثمين، لأن ثمن تصفية القضية الفلسطينية وتبديد حقوق الفلسطينيين سيكون أكبر”. من الواضح أن الشعب الفلسطيني لم “يتخذ أي قرار” وحقوقه لا تعني بشكل خاص قيادة “حماس”، بل من اتخذ القرار هو جماعة إجرامية يهمها الفلسطينيون كما يهم نتنياهو وبن غفير (الأمن الوطني) لإسرائيل.
يبدو أن هذا ما قصده في هذا الأسبوع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في انتقاده لأقوال المديح التي قالها الزعيم الإيراني علي خامنئي عن هجوم 7 تشرين الأول. ايران تريد “التضحية بدماء الفلسطينيين”، قال محمود عباس.
في اسرائيل، تم الادعاء دائما بأن رجال “حماس” هم “نازيون” وأسوأ من “داعش”. هذه الأقوال تضيع الموضوع المهم، وتتطرق بالأساس إلى العنف الوحشي الذي كان في 7 تشرين الأول. رجال “حماس” هم نازيون بالمعنى التالي: الإرهاب العالمي غير شكله السابق لتجسد الجريمة في سياسة بالقرن العشرين، الفاشية والنازية. لا يوجد فرق جوهري بين استعداد هتلر لإبادة شعبه في نهاية الحرب العالمية الثانية وبين استعداد زعماء (حماس) لـ”استدعاء” عمليات قصف استراتيجية من قبل اسرائيل على السكان المدنيين غير المحميين، في الوقت الذي يختبئون فيه في الأنفاق التي أقاموها لأنفسهم (لنترك للحظة مسألة لماذا نتنياهو تعاون مع خطة “حماس” لتحويل غزة إلى دريزدن 2). في موضوعنا، بعد الحرب العالمية الثانية وإقامة نظام عالمي جديد فإن الإرهاب الدولي استمر في سياسة الجريمة بطرق أخرى. بهذا المعنى فإن غرف الغاز استنفدت نفسها وتم استبدالها بأدوات عمل جديدة.
سياسة الإجرام التي توحد بين السياسي – رجل المافيا في اسرائيل وبين الإرهابي الفلسطيني وجدت تعبيرها خلال السنوات الأخيرة في التعاون الذي رأى الجمهور جزءا منه فقط. الرسالة التي أرسلها السنوار لنتنياهو في 2018، التي كتب فيها بخط يده “مخاطرة محسوبة”، تعكس بشكل جيد المنطق الذي يوجه الاثنين. حتى في الحرب الحالية فإن التعاون بين رئيس المنظمة السياسي والسياسي – رجل المافيا مستمر، وهو يتعلق بالظروف التي وجد فيها كل اللاعبين السياسيين عشية 7 تشرين الأول.
في حين أن الاسرائيليين يتذكرون اشهر النضال الحازمة ضد الانقلاب النظامي الذي كان حيويا لنتنياهو من اجل الإبقاء على حكمه، فإن قلائل يذكرون تظاهرات الآلاف في غزة، قبل الحرب بشهرين، التي طالب فيها سكان القطاع إسقاط حكم “حماس”. “حماس” قمعت هذا الاحتجاج بقوة. “هذا بالضبط هو سبب هجوم (حماس) في 7 أكتوبر”، كتب فؤاد الخطيب، الباحث الأميركي من أصل غزي. “الهجوم لم يكن متعلقا بعنف المستوطنين في القدس أو محاولة كسر الحصار. بل كان يهدف إلى كبح موجة العداء وعدم الرضا”، للغزيين عن سلطة “حماس“.
في اسرائيل، يتم نشر أكوام من المقالات التي تدعو نتنياهو إلى عدم التخلي عن المطلوبين، والقيام بالعمل الصحيح وما شابه. هذه الدعوة صادقة، لكنها تعكس السذاجة، كما يبدو. المقالات لا تؤثر على السياسي – رجل المافيا وسياسته الإجرامية. ونتنياهو غير معني حقا بحفنة من أبناء الكيبوتسات، سواء أكانوا أحياء أم أمواتا.
توجد علاقة وثيقة بين المافيا التي ظهرت في تقرير “مكور” (القناة 13) عن وزيرة المواصلات ميري ريغف وبين أقوال نيتسان الون، المسؤول عن قضية المفقودين والأسرى، “مع تشكيلة هذه الحكومة لن تكون صفقة” لإعادة المخطوفين. ريغف تستخدم حسب المافيا ميزانية الدولة لصالح الحفاظ على قوتها السياسية، وأقوال الون تعكس اعترافا مشابها: منع صفقة التبادل هو وسيلة ناجعة للحفاظ على حكم نتنياهو.
الأساس هو أن نتنياهو، رجل المافيا، والسنوار الإرهابي، سيستمران في عدم الاهتمام المشترك بمستقبل المجتمعين اللذين يسيطران عليهما. هذا الأمر غير قابل للتغيير