لا صفـقــة، بــل تصـعـيــد بــلا إسـتراتـيـجـيـة
بقلم: عاموس هرئيل*
بعد أسبوعين تقريبا تم أمس (أول من أمس) تسلم رد حماسعلى الاقتراح الإسرائيلي – الأميركي الأخير لعقد صفقةالتبادل. لم يكن من المفاجئ أن حماس تواصل المطالبة بوقفمطلق للحرب في قطاع غزة وضمانات خارجية كي تقوماسرائيل بالوفاء بالتزاماتها – الامران اللذان يبدو أن حماسلن تحصل عليهما. سيصعب الرد الذي جاء من غزة اكثرالتوصل الى الصفقة، حيث يجري في هذه الاثناء تسخينآخر في لبنان بعد اغتيال اسرائيل للقائد الكبير في حزب الله. وردا على ذلك فقد اطلق حزب الله صلية ثقيلة على الجليلوبحيرة طبرية.
خلال الأيام الاخيرة نثرت شخصيات أميركية رفيعة، من بينهاوزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكين ومستشار الامنالقومي الأميركي جايك ساليبان، تصريحات متفائلة حولالاتصالات على عقد الصفقة في غزة. وقد اثنت هذهالشخصيات على مرونة اسرائيل في الاقتراح الاخير الذيعرضه الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 أيار الماضي. ولأنهمنذ ذلك الحين حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهوالتملص من بعض الصياغات فيه، والقت على حماسالمسؤولية عن تقدم الصفقة.
بعد ذلك جاء الرد وجر خلفه الخلاف المعتاد. اسرائيل سارعتالى الاعلان بأن حماس ردت سلبا على خطاب بايدن. وحماس قالت ردا على ذلك بأنها ردت بشكل عام بالايجاب،وأن المشكلة هي في رد اسرائيل. وحسب حماس هي لمترفض الاقتراح، بل هي ارادت توضيحات. يبدو أننا عالقونفي نوع من الجداول الزمنية التي تكرر نفسها كل بضعةاشهر. بلينكن، الذي واصل الطريق الى قطر يميل الى موقفاسرائيل. فقد قال أمس إن «حماس بدلا من أن ترد بكلمةواحدة وهي «نعم»، انتظرت الكثير من الوقت وبعد ذلك طلبتتغييرات كثيرة. ويطرح سؤال هل حماس تعمل بحسن نيةوبصياغة مهذبة جدا ازاء هذه الظروف».
جوهر الخلاف مثلما في نسخ سابقة من الاقتراحات يتعلقبالمطالبة الحازمة لرئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار،بأن اطلاق سراح المخطوفين على نبضتين سيجلب معه انهاءالحرب، وفي الواقع بقاء حكمه في القطاع. هذا طلب لا ينوينتنياهو تحقيقه، لذلك يبدو أن القتال سيستمر، في الوقتالذي تشدد فيه حماس بالتدريج طلباتها، الانسحابوالحصول على ضمانات. مقابل اشارات اسرائيل الكثيرة بأنالاتفاق لن يصمد فترة طويلة فانه من غير الغريب أن حماسغير مستعدة للاكتفاء بصياغات أميركية غامضة بدرجةمعينة.
خلفية موقف السنوار يمكن شرحها فيما نشرته صحيفة«وول ستريت جورنال»، أمس. المراسلون في الصحيفة، الذينحسب قولهم اطلعوا على عشرات الرسائل بين السنواروقيادة حماس الخارج (الطريقة التي وصلت فيها اليهم هذهالمعلومات لم يتم ذكرها في المقال)، وصفوا رضا رئيسالمنظمة الارهابية في القطاع من وضع الحرب. «نحن اوصلنااسرائيل بالضبط الى المكان الذي أردناه»، قال السنوار فيرسالة للمفاوضين من قبل حماس. في مراسلات من الانفاقفان السنوار يظهر حسب الصحيفة «نظرة باردة ولا تباليبحياة البشر»، حتى في الجانب الغزي.
السنوار يشبّه موت عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين فيالحرب (حسب بيانات حماس) بقتلى حرب الاستقلال فيالجزائر ضد فرنسا في الخمسينيات. وقد وصف ذلك بـ«التضحية المطلوبة». وبالنسبة له فان بقاءه وبقاء حماسعلى قيد الحياة بعد انتهاء الحرب سيعتبر انتصارا علىإسرائيل. في ساحة واحدة بالتأكيد نجاحات حماس تفوق كلأحلام السنوار، الدعم الذي تحصل عليه حماس من حركاتاليسار وتنظيمات طلابية في الغرب، في حين أن اسرائيلتهاجم بسبب الدمار والقتل الذي تلحقه بغزة. ربما أنهبالنسبة له الامور تسير حسب الخطة.
ازاء رد حماس فان الادارة الأميركية في وضع حرج. قناة تأثيراخرى توجد كما يبدو في مجلس الأمن، الذي صادق في يومالاثنين الماضي على مشروع قرار يؤيد الاقتراح الذي عرضهالرئيس الأميركي. من هنا يمكن التقدم نحو فرض الاتفاقعلى الطرفين، ضمن ذلك بواسطة فرض العقوبات، ولكن هذهالعقوبات بالاساس تهدد الطرف الاسرائيلي. ايضا اسرائيلتواجه مشكلة. ففي الاسابيع القريبة القادمة سيتم استنفادالنشاطات العسكرية في رفح. ويبدو أن الولايات المتحدة مازالت تعارض الاحتلال الكامل للمدينة، وفي هذه الاثناءنتنياهو وافق على طلبها. والسؤال هو ما الذي سيتم فعلهبعد أن عمل الجيش الإسرائيلي بشكل عنيف، على الأرضوتقريبا في كل اجزاء القطاع ولكنه لم يهزم حماس، وأيضاً لاتوجد صفقة تلوح في الافق.
في ظل غياب الصفقة، حيث في الخلفية تستمر وعودنتنياهو العبثية بالنصر المطلق والضغط على الجيش مناجل مواصلة الهجوم في القطاع بدون أي هدف استراتيجيمنظور. هذا الوضع سيعرض للخطر حياة المخطوفينالمحتجزين في القطاع. في الحقيقة لا توجد أي احتماليةلانقاذهم جميعهم كما حدث في عملية الانقاذ المثيرة للانطباعللمخطوفين الاربعة في النصيرات في يوم السبت الماضي. من هنا يأتي ايضا استمرار القتال في الشمال لأن رئيسحزب الله، حسن نصر الله، اعلن في السابق بأن رجاله لنيوقفوا اطلاق النار الى حين وقف اطلاق النار في القطاع.
على شفا تحطيم الادوات
في هذه الأثناء يتدهور ايضا الوضع في الشمال. اغتالتإسرائيل طالب عبد الله، قائد وحدة «ناصر»، الذي قتل فيهجوم من الجو هو وثلاثة نشطاء آخرين في حزب الله فيبلدة في شرق مدينة صور. عبد الله الذي رتبته تشبه رتبةقائد فرقة في الجيش الاسرائيلي، هو القتيل الارفع مكانة فيحزب الله في هذه الحرب، الى جانب قائد وحدة الرضوان،وسام الطويل، الذي قتل في عملية مشابهة نسبت لاسرائيلفي كانون الثاني الماضي.
حزب الله رد باطلاق كثيف للصواريخ، اكثر من 200 صاروخمنذ الصباح، على منطقة الجليل والشاطئ الغربي لبحيرةطبرية، ولم يتم الابلاغ عن اصابات. يبدو أن هذا هو القصفالاكثر شدة منذ بداية الحرب. وقنوات الاعلام المقربة من حزبالله هددت بأن هذا الهجوم لن يكون الاخير. هذا تجاوز لمقاربة«معادلة الرد» التي يتبعها حسن نصر الله منذ سنوات، لكنهحتى الآن لا يبدو هنا تحطيم مطلق للادوات من ناحية حزبالله. ربما هو أراد محاولة المس بجهة اسرائيلية رفيعة فيعملية ثأر.
استراتيجية اسرائيل امام حزب الله عالقة منذ فترة طويلة،حيث أن الانجازات التكتيكية الكثيرة لا تتراكم لتصل الىموقف تفوق حقيقي في القتال. اغتيال عبد الله يعكس نموذجعمل معروفا: خلق فرصة عملياتية واستخبارية، ويتم اتخاذقرار التصفية، لكن ليس بالضرورة يتم فحص كل الجوانبالاستراتيجية. في بداية شهر نيسان الماضي كان اغتيالالجنرال الإيراني حسن مهداوي في دمشق جر اسرائيل الىمواجهة غير مسبوقة مع ايران، التي أطلقت فيها الأخيرةعلى إسرائيل حوال 330 صاروخا ومسيرة. في هذه المرةإيران ليست في الصورة، لكن يبدو أنه سيكون هناك تجاوزآخر امام حزب الله. من المهم معرفة اذا تم اتخاذ عملية تفكيراستراتيجية قبل المصادقة على العملية، أو اذا لم تكن هنا مرةاخرى حالة ذيل الكلب الذي يهتز.
الجيش محبط ويتعرض للانتقاد، وبعد ذلك يقوم بعملية – ناجحة بحد ذاتها من ناحية عملية، لكنها يمكن أن تقربنا منشفا الحرب، دون أن يناقش المستوى السياسي بجديةنتائجها. في الوقت نفسه نشأ ضغط جماهيري واعلاميعلى الحكومة لتشديد خطواتها في الشمال ازاء الدمارالكبير هناك، وغياب حل لضائقة 60 ألفا من المُخلَوْن منبيوتهم واستمرار القتال بدون أي نتائج واضحة للعيان. هذهظروف يمكن أن تدهور الطرفين نحو الحرب الشاملة.
صورة النصر
لا يمكن عدم الإشارة، في نهاية المطاف، الى الفجوة المحتملةبين الوضع المعقد للحرب والعبء الثقيل والخطير الملقى علىجنود الخدمة النظامية والاحتياط وبين سلوك اعضاءالائتلاف. فجر أمس صادقت الكنيست بأغلبية 63 ضد 57 على الدفع قدما بمشروع قانون يهدف الى تمكين نتنياهو منمواصلة تخليد تهرب الحريديين من الخدمة العسكرية. منبين كل اعضاء الائتلاف، فقط وزير الدفاع يوآف غالنت، كانمخلصا لضميره وتجرأ على التصويت ضد موقف الليكودوالحكومة.
الابتسامة العريضة لنتنياهو في نهاية الفوز في التصويت،سيتم تذكرها كإحدى الصور المؤسسة للحرب. الغضب فيأوساط الجمهور وفي الشبكات الاجتماعية كان كبيرا. ما لايحدث في هذه الأثناء هو ترجمة هذا الغضب الى احتجاجناجع أو خطوات سياسية تحقق شيئا ما. طوال الوقت سلوكالحكومة يضر أيضا بالجهود الحربية. الكثير من المدنيينوالجنود لم يعودوا يستطيعون مواصلة الإسهام مع معرفةواضحة بأن قيادتهم تكذب عليهم وتضر بهم، من خلالاستغلال خطوات في صالح جمهور لا يساهم على الإطلاقفي تحمل العبء الأمني.
* عن «هآرتس»