وثيقة الأربعة: نحو غزة أخرى!
بقلم: نداف إيال*
في الأسبوع الماضي، كان العنوان الرئيس في “يديعوت أحرونوت” نتاج مقالين لرون بن يشاي ومقالي الذي أمامكم. وروى العنوان أن جهاز الأمن يقول للمستوى السياسي، إن هزيمة “حماس” العسكرية تقترب وانه بعد مثل هذا النصر لا ينبغي التردد في إعلان واضح عن “إنهاء الحرب” – مقابل إعادة المخطوفين. غني عن البيان، أن رئيس الوزراء نتنياهو عرض خطا احمر واضحا على فريق المفاوضات – ألا توافق إسرائيل على نهاية الحرب. لكن في الجيش الإسرائيلي يعتقدون بأن إنهاء الحرب في الجنوب، باعتبار التهديدات المتحققة علينا في الساحة الإيرانية، مثل التحدي الحاد في الشمال، هو مصلحة إسرائيلية – حتى لو لم يكن مخطوفات ومخطوفون يذوون في زنازين “حماس“.
في أثناء الأسبوع الأخير، نشرت تفاصيل مهمة عن التهديد الإيراني النووي، الآخذ في التعاظم. لكن العنوان الرئيس في الصحيفة أثار عاصفة كبرى. فوزير المالية سموتريتش مثلا، وصف هذا بأنه “عمى استراتيجي رهيب” و”إحاطة هاذية”. رئيس الوزراء نتنياهو ورجاله يفكرون، إلى هذا الحد أو ذاك بالطريقة ذاتها. صحيح، اكثر من 95% من صواريخ “حماس” لم تعد. محاور تهريب المنظمة أغلقت، وقدرة الإنتاج معدومة. لكن طالما كان السنوار على قيد الحياة والذراع العسكري لـ”حماس” موجودا، مع أجهزة قيادة وتحكم، فإن المعركة لن تحسم من ناحية نتنياهو. ولهذا مطلوب طول نفس وصبر. إذا وافقت “حماس” على الصفقة، فإن مرحلتها الأولى ستعيد مخطوفات، مخطوفين وجثثا، لكن بعد ذلك – من ناحية رئيس الوزراء – تستأنف الحرب (إلا إذا رأى السنوار النور ووافق على الخروج إلى المنفى من قطاع غزة). ينبغي مواصلة تطهير قطاع غزة، أساسا في الشمال، من مخربي “حماس”، وعندها الانتقال في هذه المناطق إلى مشاريع تجريبية من الحكم المدني، أي مجالات إنسانية، مناطق مدارس، مراكز توزيع غذاء، عيادات؛ نوع من “فقاعات” حكم جديد، تحت ائتلاف إقليمي أو دولي ما. معارضة رئيس الوزراء لمشاركة رجال “فتح” (بخلاف السلطة الفلسطينية) ترققت؛ وهو يؤشر إلى أنه سيوافق على دخولهم. بكلمات أخرى: هو يقبل خطة جهاز الأمن ووزير الدفاع غالانت قبل بضعة اشهر. كالمعتاد لدى بيبي، بتأخير. لكن هزيمة “حماس” يجب أن تكون واضحة، ملموسة، حتى لو كانت الحرب طويلة.
يجدر بنا أن نراجع هذين المنهجين المتضاربين، منهج الجيش ومنهج رئيس الوزراء، في ضوء وثيقة استثنائية وضعتها ونشرتها مجموعة أكاديميين إسرائيليين قبل نحو أربعة اشهر. الوثيقة وصلت إلى هيئة الأمن القومي وأعضاء “كابينت” الحرب؛ سمعت أصداء عنها في أحاديثي مع وزراء ومصادر عليها. كان لها تأثير يتجاوز تقديرات كاتبيها. لشدة الأسف، يحتمل أن يكون المستوى السياسي تأثر – لكن لم يجرَ أبدا أي بحث مرتب وجدي مع كاتبي الوثيقة (وهذه ليست مفاجأة بالضبط). نعرض هنا تفاصيل الوثيقة لأول مرة. عنوانها هو “من نظام إجرامي إلى مجتمع معتدل: تحول وترميم غزة بعد (حماس)”. الباحثون هم البروفيسور داني أورباخ، مؤرخ عسكري؛ البروفيسورة نيتع باراك – كورن، قانونية تعنى ضمن أمور أخرى في البحوث العقلانية وتسوية النزاعات؛ د. ناتي فيلبر، الذي يعنى بالمعلومات عن “حماس” و”حزب الله”؛ د. هرئيل حورب، خبير في المجتمع الفلسطيني. لا تعنى الوثيقة بالتكتيك العسكري لهزيمة كتائب “حماس” والسيطرة على القطاع، بل بسؤال الأسئلة: “كيف يمكن للمجتمع الغزي أن يتحول إلى جار سوي العقل لدولة إسرائيل. وللنزاهة، ينبغي الإشارة إلى أنه عندما كتب الباحثون ورقتهم (نحو 28 صفحة)، في شباط، كان الإحساس في إسرائيل بأن إنجازات الحرب واضحة ولا لبس فيها اكثر بكثير.
تفترض الوثيقة بأن النصر – على الأقل بمعنى منع النهوض المتجدد لـ”حماس” والمس بإسرائيل – يستوجب “ترميم وتحويل أمة إدارتها أيديولوجيا إجرامية وتنمية مؤسسات مستقرة فيها وثقافة عربية لا تربي على الجهاد وتسلم بوجود دولة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي”. وهم ينظرون إلى حالات أخرى على مدى التاريخ، مثل ألمانيا بعد هزيمة النازيين، اليابان، العراق وأفغانستان تحت الاحتلال الأميركي، لأجل استخلاص الاستنتاجات. استنتاجاتهم استفزازية. أولا، ثمة حاجة إلى “هزيمة مطلقة” لـ”حماس”. فما هي الهزيمة المطلقة؟ على حد نهجهم، خسارة أرض (لمدى غير محدود زمنيا)، خسارة حكم “حماس”، و”محاكمات علنية لمسؤولي (حماس)”، على حد تعبير باراك – كورن “وهذا لا يعني أن كل العناصر في أيدينا”. “من ينبغي أن يشعر بأنه مهزوم؟”، يسأل د. ناتي فيلبر، “هل هي (حماس) أم الفلسطيني العادي؟ موقفي واضح من الدروس التاريخية هو أن الفلسطيني العادي يجب أن يشعر بأنه مهزوم. يجب أن يشعر بأن الطريق الذي اتخذوه حتى الآن، لنقل التعليم، لا ينجح”. أجبته بأن الفلسطيني العادي، حسب الاستطلاعات يشعر بأنه مهزوم اقل من الطريقة التي شعر بها في 6 أكتوبر. “ورأيي هو انه كان ينبغي الإعلان عن كل المنطقة الشمالية في غزة كأرض إسرائيلية، كل ما ينطوي عليه ذلك من معنى. كنت سأرى تغييرا في الميل”. النتيجة، أجبت، ستكون إقامة مستوطنات. “إما نعم أو لا”، يقول فيلبر، “في جنوب لبنان لم تقم أي مستوطنة”. هذا هو موقفي الشخصي؛ وليس توصية الوثيقة.
هم كلهم يتفقون على أن هزيمة “حماس” ضرورية. “ترميم تحت النار مآله الفشل”، يقرر كاتبو الوثيقة. فلا معنى لنزع التطرف أو بناء مؤسسات قبل ذلك. النافذة لمثل هذا الترميم ضيقة؛ في العراق وفي أفغانستان تم تفويت الزمن المثالي، والثمن كان باهظا. “ترميم غزة وتحولها يتطلبان إدارة مدنية، وإلحاح الزمن يعني انه يجب البدء منذ الآن للتخطيط والتأسيس لآلية فاعلة ومتفق عليها لإدارة السكان الفلسطينيين في مناطق السيطرة الإسرائيلية اللازمة على أي حال في ضوء الحاجة لمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان. على هذه الآلية أن تكون منصتة لاحتياجات السكان والتعامل بكرامة مع المواطنين. كتبوا هذا في شباط؛ هذا لم يحل منذئذ، بالطبع.
يدعي الكُتّاب بأنه من أجل أن ينجح الترميم يجب أن يطرح “افق إيجابي للأمة المهزومة مشروط بتحقيق أهداف ملموسة وقابلة للقياس”، ويقترحون إقامة “كيان فلسطيني حكم ذاتي”. أخذت الانطباع بأن الكُتّاب بذلوا جهودا للامتناع عن تعبير “دولة فلسطينية”، كي يبقوا أملا في أن تقرأ تقديراتهم بروح طيبة.
النقاط الأساسية في الوثيقة
1. تأسيس فوري لآلية ناجعة لمعالجة الأزمة الإنسانية.
2. نزع التطرف عن التعليم والثقافة.
3. بناء بنى تحتية مؤسساتية للتحول والترميم.
4. تنمية زعامة بديلة وخلق شرعية دينية لتحويل غزة.
5. ترميم وإعادة بناء النظام الاجتماعي في القطاع.
*عن “يديعوت أحرونوت“