الرئيسية » صحافة اسرائيل »

تلافـي التدهــور نحـو حـرب دائمــة ومتعددة الجبهات .. لا يزال ممكناً

بقلم: أودي ديكل
عن موقع “معهد دراسات الأمن القومي”

تُحيي إسرائيل، في هذه الأيام، ذكرى مرور عام على الحرب التي بدأت في 7 تشرين الأول، والتي تتميز بتعدد الجبهات (“وحدة الساحات” كما يسميها أعداؤها): فقطاع غزة، الذي تم اعتباره الجبهة الأساسية خلال الـ 11 شهراً الأولى من الحملة؛ ولبنان الذي تم تصنيفه جبهة رئيسية منذ 19 أيلول، في حين من المحتمل أن تكون إيران هي الجبهة التالية. تشمل الجبهات الأُخرى البحر الأحمر، والضفة الغربية، وسورية، والعراق. يسعى أعداء إسرائيل، بقيادة إيران، لتدميرها من خلال حرب استنزاف مستمرة ومتعددة الجبهات، مستغلين الثغرات في المجتمع الإسرائيلي وفقدان الشعور بالهدف المشترك فيما بينه. كما يستغلون الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني كمحور رئيسي في حجتهم لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل.
تُعتبر هذه الحرب ربما الفصل الأصعب في تاريخ إسرائيل منذ تأسيسها: فهي الحرب الأطول منذ “حرب الاستقلال”، وهي الأكثر تعقيداً، من حيث نطاق الأضرار والتهديدات للجبهة الداخلية، وبعد مرور عام على اندلاعها ما زلنا نفتقد مساراً يضمن تحرير 101 رهينة ما زالوا محتجزين لدى “حماس” في غزة منذ 7 تشرين الأول، وتُدار الحرب من دون أهداف سياسية واضحة، أو آلية لإنهائها، مع انتقال الجهود العسكرية من جبهة إلى أُخرى، وبوتيرة متفاوتة، وسط شعور عام لدى الجمهور بأن “علينا أن نعيش بالسيف إلى الأبد”. وكل هذا، في حين يشير الاتجاه العام إلى اندفاعنا نحو حرب إقليمية مستمرة، في الوقت الذي تتقدم إسرائيل بسرعة نحو حالة من العزلة الدولية الشاملة.
تواجه حكومة إسرائيل، إلى الآن، مصاعب في بلورة استراتيجية خروج في كلٍّ من جبهتَي غزة ولبنان. وعلى الرغم من أن خصوم دولة إسرائيل في هاتين الجبهتين هم كناية عن جهات غير حكومية، مدفوعة بأيديولوجيا دينية، لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، فمن الصعب، بل يكاد يكون مستحيلاً التوصل إلى ترتيبات سياسية مستقرة معها في المدى الطويل. بالإضافة إلى ذلك فإن النظام الدولي لا يعمل بفعالية، بسبب غياب التواصل الإيجابي بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة في مقابل روسيا والصين)، وهو ما يجعل من الصعب اتخاذ قرار مشترك يفرض على الأطراف وقف القتال، ويضمن أمن إسرائيل. وعلاوةً على ذلك، فإن إسرائيل على وشك الدخول في حرب مباشرة مع إيران – أقوى أعداء إسرائيل، والتي تلمح وتُهدد بشكل صريح بأن أيّ خطوة عسكرية إسرائيلية متطرفة ضدها، ستجبرها على تطوير قدرة نووية عسكرية (وإيران تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب لصنع عدة قنابل والمعرفة اللازمة لتجميع جهاز تفجير نووي، بالإضافة إلى الصواريخ القادرة على حمل رأس نووي).
ومع هذا كله، فإن إسرائيل ترفض أيّ مبادرة لإنهاء الحرب، بما في ذلك تلك التي قدمها الرئيس الأميركي، جو بايدن، وكذلك المبادرات التي طرحتها الدول الإقليمية الشريكة، دول السلام والدول العربية البراغماتية. وصرّح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال مؤتمر صحافي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد بيان ممثلي الدول العربية، قائلاً: “جاء رئيس وزراء إسرائيل إلى هنا، اليوم، وقال، إن إسرائيل محاطة بأشخاص يسعون لتدميرها. نحن هنا أعضاء في لجنة تمثل 57 دولة عربية وإسلامية، ويمكنني أن أقول لكم بشكل واضح، إننا جميعاً، في هذه اللحظة، على استعداد لضمان أمن إسرائيل في سياق إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية”. إلّا إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تعتبر إقامة دولة فلسطينية تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولذلك، فإن ما تبقى لها هو مواصلة القتال في قطاع غزة، ومنع السلطة الفلسطينية من العودة للسيطرة على المنطقة، وترك الضفة الغربية في حالة من الفوضى قد تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية التي تشكل تهديداً، باعتبارها منصة محتملة لدولة فلسطينية، وتدمير البنية التحتية لـ”حزب الله” في لبنان؛ وإدارة معركة ضربات متبادلة مع إيران.
تؤدي الإجراءات التي تتخذها إسرائيل في قطاع غزة إلى احتلال القطاع وفرض حُكم عسكري عليه. وصوّت المجلس الوزاري الأمني المصغر في نهاية آب الماضي لصالح إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا. وقال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إن كارثة 7 تشرين الأول حدثت بسبب عدم سيطرة إسرائيل على المحور. وأضاف، إن هذا المحور كان يُستخدم لنقل كميات هائلة من الأسلحة التي استخدمتها المنظمات “الإرهابية” في غزة، وإن “هذا الوضع لن يتكرر مرة أُخرى”، مؤكداً أن إسرائيل مصممة هذه المرة على إبقاء هذه الحدود تحت سيطرتها. وهذا يعني أن المسؤولية القانونية والعملية عن قطاع غزة ستقع على عاتق إسرائيل.
إن السيطرة على المحور تعني حصاراً كاملاً لقطاع غزة؛ وتدعم الادعاء القائل، إن غزة تعيش تحت الحصار وتحت الاحتلال الإسرائيلي فعلياً، وتُسقط الأساس الذي اعتمدت عليه إسرائيل سابقاً، بأنها ليست مسؤولة بالكامل عمّا يحدث في القطاع لأن غزة مفتوحة تجاه مصر. أمّا العواقب العملية لهذه السياسة فهي تحميل إسرائيل مسؤولية كاملة عن مليونَي فلسطيني يعيشون في منطقة كارثية، ومواجهة مستمرة مع “الإرهاب” وحرب العصابات التي ستقودها بقايا “حماس” والفصائل المسلحة الأُخرى المنتمية إلى “محور المقاومة”.
إن رفض الحكومة الإسرائيلية، حتى الآن، أيّ خيار يضمن استقرار وإعادة تشكيل القطاع، وعدم اعتبار السلطة الفلسطينية لاعباً ذا صلة في إدارة القطاع، بدلاً من “حماس”، وعدم العمل على تنمية قيادة محلية معتدلة هناك، ترك “حماس” جهة مسيطرة فعلياً على تقديم المساعدات الإنسانية، وعلى الملاجئ التي يقطن فيها معظم سكان القطاع.
ومع ذلك، فإن استمرار وجود “حماس” واحتجاز الرهائن يمثلان مصدر الشرعية الإسرائيلية لمواصلة الحرب في القطاع ورفض أيّ مبادرة بشأن وقف إطلاق النار. لكن بمجرد أن يعلن المجتمع الدولي أن القطاع يخضع للاحتلال الإسرائيلي لن يتطوع أيّ طرف لتحمّل المسؤولية المدنية والأمنية (النظام العام) عن القطاع، أو للمساعدة في إعادة إعمار غزة، وستبقى إسرائيل وحدها مع مشكلة غزة فترة طويلة. حينها، سيكون لأعداء إسرائيل شرعية لمواصلة الحرب المستمرة ضدها، وستقل فرص استعادة الرهائن في إطار تسوية، وسيستمر “الإرهاب” والمقاومة من داخل القطاع، وستزداد دوافع إيران ووكلائها إلى مواصلة الهجوم على إسرائيل من جبهات متعددة في آن، كما ستجد الدول العربية البراغماتية صعوبة في التقدم في عمليات التطبيع مع إسرائيل، وبالتأكيد في تشكيل تحالف إقليمي معها، وخصوصاً في مواجهة إيران.
أمّا فيما يتعلق بجبهة لبنان، فلم تحدد الحكومة الإسرائيلية هدفاً سياسياً واضحاً، ورفضت أيضاً مبادرة مشتركة من الولايات المتحدة وفرنسا بشأن إعلان وقف مؤقت لإطلاق النار والتفاوض بشأن تسوية سياسية تُبعد “حزب الله” والتهديدات الأمنية عن حدودها الشمالية. وعلى الرغم من أن التجربة في لبنان تشير إلى أن الترتيبات الأمنية في إطار القرارات الدولية، مثل قرار مجلس الأمن 1701، لا توفر حلاً فعالاً لنمو قوى “الإرهاب” بالقرب من الحدود الشمالية لإسرائيل، فلا ينبغي لإسرائيل أن تنبهر بالنجاح الكبير في اغتيال نصر الله وقيادة “حزب الله” وقدراته الاستراتيجية، وتنجرف إلى حرب طويلة في لبنان، من دون أهداف سياسية واضحة.
من الضروري وضع آلية لإنهاء القتال في أقرب وقت ممكن، قبل أن يتعافى “حزب الله” من الصدمة التي يعيشها، وينتقل إلى مرحلة البقاء والاستنزاف، وبمرور الوقت، ستتراجع فعالية ضربات الجيش الإسرائيلي ضد المنظمة. ولتفادي العودة إلى تسوية سياسية تتآكل مع الزمن، ولضمان تحقيق الأمن والشعور بالأمان الذي سيمكّن سكان الشمال من العودة إلى منازلهم، يجب على إسرائيل أن تضمن تنفيذ التسوية بصرامة، باستخدام القوة بشكل حاسم في حال لم يتم تنفيذ الترتيبات الأمنية. وهذا المبدأ ضروري أيضاً في قطاع غزة.

ملاحظات ختامية
كانت العقيدة الأمنية المتبعة في إسرائيل تنص على ضرورة السعي نحو خوض حروب قصيرة بقدر الإمكان، نظراً إلى نقص في مواردها البشرية والمادية وعُمقها الاستراتيجي، وعلى السعي نحو فترات هدوء طويلة تتيح بناء الدولة وازدهارها. ومع ذلك، لم تقم إسرائيل بتطوير عقيدة أمنية تتناسب مع حالة الحرب المستمرة، المتعددة الجبهات، والتي تحمل تداعيات ثقيلة على الجيش والمجتمع والاقتصاد، ولم يتم فحصها حتى الآن بشكل مهني.
علاوةً على ذلك، وبعكس الفكرة المنتشرة بين الجمهور الإسرائيلي أن “علينا أن نعيش إلى الأبد على حد السيف”، فإن الهجوم والمبادرة لا يقتصران على ساحة المعركة فقط، بل يشملان أيضاً التحرك السياسي. أمام إسرائيل فرصة لمواصلة إضعاف المحور الإيراني، بعد الضربة القاسية لوكلائه الرئيسيين – “حزب الله” و”حماس” – وكذلك لبناء تحالف إقليمي أمني واقتصادي مع الدول العربية المعتدلة. ولهذا، يجب على إسرائيل الاستجابة للمبادرات السياسية، وخاصة تلك التي تقدمها الولايات المتحدة، كما ينبغي أن تُظهر التزاماً بالتقدم نحو تسوية سياسية مع التيار الوطني الفلسطيني “فتح”/ السلطة الفلسطينية، برعاية وضمانات من الدول العربية المعتدلة، مع تجاوز الفجوات والتحديات في التنفيذ، عبر نهج متعدد الأطراف، وبمشاركة الدول العربية المعتدلة.

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings