إسرائيل تريد منع التصعيد من خلال التصعيد والانتصار من خلال الفشل!
بقلم: رونين بيرغمان
عن “يديعوت”
لو هبط رجل فضاء هنا، في دولة إسرائيل، في اليوم التالي لذكرى سنة على بدء الحرب، وجمع الأحداث التي وقعت لأصابه الدوار، ولكان سيسأل نفسه كيف يمكن للناس أن يعيشوا في مثل هذا الواقع؟
بينما يستعد الجيش الإسرائيلي لرد ضد ايران، يقول الجميع، انه سرعان ما سيأتي، وبعد كل هذا القدر من التصريحات سيكون صعبا على إسرائيل التراجع، حتى لو أرادت، وحتى لو تلقت تعويضاً سميناً على نحو خاص من الولايات المتحدة، تضغط ايران، كما نشر، على “حزب الله” لقبول وقف النار الذي رفضت المنظمة ورئيسها، الذي قُتل، الموافقة عليه.
انتشرت، الاثنين الماضي، شائعتان، كلتاهما بدت بلا أساس تماما. الأولى هي أن نتنياهو يتميز غضبا على الولايات المتحدة لأنها تعمل عبر وزير الدفاع، وانه سيستغل رحلة غالانت إلى واشنطن كي يقطف الحظوة من خلال الأوامر التي سيصدرها للجيش في غيابه. قليلا مثلما في محيط نتنياهو يشتبهون، بالخطأ، بأنه هكذا فعل غالانت مع تصفية نصر الله حين كان رئيس الوزراء في الولايات المتحدة.
الشائعة الثانية تقول، إن نتنياهو، الذي نسقت الرحلة معه بشكل كامل ومطلق، سيوقفها في الثانية الأخيرة.
بالنسبة للأولى، حقا من الصعب التصديق. فبعد أن كان واضحا تماما انه لا يمكن تنفيذ الخطة التي عرضها الجيش وسلاح الجو على الحكومة بدون تنسيق ومساعدة من الولايات المتحدة، ناهيك عن قوائم المشتريات واستكمال النواقص، دعا وزير الدفاع أوستن غالانت الذي ضم إليه رؤساء وزارة الدفاع ومسؤولين كبارا في الجيش الإسرائيلي، إلى ماراثون لقاءات في “البنتاغون”. والسبب، هكذا حسب مصدر مطلع على التفاصيل: “هكذا فقط يمكن الجلوس معا على خرائط ايران والتنسيق”.
لكن بعد أن غرد الحساب المتماثل مع مقربي وقريبي نتنياهو في الشبكة بأن غالانت عميل أميركي، كان هناك في محيط غالانت من راهن على الإمكانية الثانية، المغلوطة، بأن نتنياهو سيأمره بالبقاء. آخرون قالوا لوزير الدفاع، إنه لا يمكن لمثل هذه السخافة أن تحصل.
لكن رئيس الوزراء فجأة ألغى رحلة وزير الدفاع تحت معاذير مختلفة، لكن من الواضح ما الذي يغيظه حقا؛ بأن الاتصال جرى عبر غالانت كريه روحه وليس عبره. وقد اشترط الرحلة بمكالمة مع بايدن، ومارس نوعا من الابتزاز ضد واشنطن.
لا غريب ولا رجل فضاء سيفهم هذا. ليس رجل الفضاء فقط بل حتى في “البنتاغون” ينظرون إلى إسرائيل ولا يفهمون سبب البلاغ عن تأجيل رحلة غالانت.
الجيش الإسرائيلي، الذي يؤكد انه اكتشف نفقاً يجتاز من لبنان إلى إسرائيل بعد غير قليل من النفي للموضوع (في الجيش يقولون، وربما عن حق، انه بسبب الشكل السري الذي اكتشف فيه النفق وأجريت المتابعة له)، يؤكد أن ليس لديه معلومات عن أنفاق أخرى، لكنه لا يؤكد أنه لا توجد أنفاق كهذه.
تستمر حرب إسرائيل في الشمال، وفي الجنوب، وهنا وهناك بيانات مريرة واحيانا قاسية جدا واحيانا اكثر قسوة؛ ورشقات صواريخ “حزب الله” تهز السماء (لكنها تلحق ضررا اصغر نسبيا مما توقع الجميع). وهنا وهناك صاروخ من اليمن، حيث يرفض الحوثيون المرة تلو الأخرى تعلم الدرس الذي وعد رئيس الوزراء بأن يلقنهم إياه. والقصف في دمشق، المنسوب لإسرائيل حسب منشورات أجنبية، فيما الهدف هو الحاج سامر، المسؤول في “حزب الله” عن نقل السلاح من سورية إلى لبنان.
ايران تستعد للرد على الرد، وإسرائيل تستعد منذ الآن للرد على الرد على الرد على الرد، وفي الوقت ذاته تخوض أيضا صراع جبابرة لمنع انفجار في الضفة الغربية وفتح جبهة أخرى.
وفي غزة، هل يمكن لاحد ما أن يشرح لرجل الفضاء ما الذي يحصل هناك؟ ما الذي تفعله إسرائيل بالضبط ولماذا يواصل الجنود التعرض للقتل وكيف يفترض أن ينتهي هذا؟
والمخطوفون؟ أيتذكر احد المخطوفين؟ صحيح، في كل خطاب لمحفل رسمي أو عسكري أو سياسي، وكذا في وسائل الإعلام يحرصون على الحديث عنهم في كل مرة، لكن هل يعمل احد ما حقا لصالحهم داخل المنظومة السلطوية؟ فقد سبق أن قالوا، انهم في وضع رهيب، وعلى شفا الانهيار. وباستثناء التسريب من البحث الخاص الذي عقده نتنياهو في الموضوع وأقوال لا بد من استيضاح صحتها بأن مسؤولين كبارا في أسرة الاستخبارات الإسرائيلية يقولون، انهم لا يعرفون إذا كان السنوار استأنف الاتصال لكنه حرص فقط على نفسه وعلى ضمان حصانته. لا توجد اتصالات ولا توجد مفاوضات ولا توجد صفقة.
من أحاديث مع مسؤولين كبار في جهاز الأمن وأسرة الاستخبارات ليس واضحا إلى أين يسير كل هذا وما الذي بالضبط يسعون لتحقيقه في الخطوة الهجومية الواسعة وكثيرة البؤر ضد ايران. تقدير أسرة الاستخبارات هو أنها سترد، وعندها سيتعين على إسرائيل أيضا أن ترد. لتبادل الضربات هذه يوجد اسم – حرب.
الفكاهي الأميركي، جون ستيوارت، تفكه على الصحافي باراك رابيد الذي قال في الـ”سي.ان.ان”، إن السياسة الإسرائيلية هي منع التصعيد من خلال التصعيد. هذه جملة غبية. لكن رابيد لم يفعل سوى أنه عكس بدقة السياسة الإسرائيلية التي حقا وبجدية شرحها مسؤولون إسرائيليون كبار لمسؤولين كبار في جيوش أجنبية هذا الأسبوع فقط.
يقول مسؤول امني كبير، “يمكن أن نصوغ هذا بشكل مختلف أيضا – النجاح من خلال الفشل. لقد خرجت إسرائيل إلى حرب في غزة كي تحقق هدفين: تحرير المخطوفين وتفكيك قدرات “حماس” (ناهيك عن إبادتها في الانتصار المطلق والإلهي. بعد أن لم تنجح في تحقيق أي من هذين الهدفين، أُضيف هدف آخر في الجبهة الشمالية هو إعادة السكان بأمان إلى بيوتهم، وليس واضحا كيف ستحققه هو أيضا”.
هناك من يعتقد بأنه يمكن إغلاق الجبهة الجنوبية عبر نصر في الجبهة الشمالية، “والآن واثقون بأنه إذا ما وجهنا ضربة قاضية لإيران فإنها ستؤدي إلى إغلاق الجبهة في الشمال، وهذه ستغلق الجبهة في الجنوب. وهكذا نفتح مزيداً من الجبهات.
لا يفهم رجل الفضاء كيف يمكن العيش هنا هكذا. لكن ربما الجواب هو “لأن كل شيء مطبع، فإن ما يبدو لنا وكأنه متعذر، لا يمكن أن يحصل – فجأة يحصل”، هكذا يقول مصدر أمني كبير اقتبس عنه هنا عدة مرات في الماضي في نظرته الواعية إلى الواقع وتوقعاته المتكدرة، التي تجسد نفسها للأسف كل مرة من جديد بالأسى والدم”. والكل يعتاد، وانعدام الاستراتيجية جراء الفجوة بين القدرات العسكرية والاستخبارية الرائعة للعثور على أهداف وتصفيتها وبين انعدام القدرة على ترجمتها إلى سياسة واتفاقات وتسويات. إن انعدام الاستراتيجية هو عطل. وهذا هو الاستراتيجية، التي لا توجد فيها إدارة مرتبة ومنظومة واضحة، ولا تؤدي إلى شيء، بل ببساطة إلى نزوات قد تؤدي إلى خير ما. وادا لم تؤد إليه فلا بأس، سنجرب شيئاً آخر.