النجاحات الإسرائيلية الأخيرة لا تجعل نهاية الحرب قريبة
عن «هآرتس»
في السنة الثانية من الحرب الأطول في تاريخ دولة إسرائيل، انتقل التركيز من غزة إلى لبنان، فإيران. لكن إسرائيل لم تحقق أهداف المعركة في القطاع: «حماس» هُزمت، لكنها لم تستسلم، ولم نستطع إعادة 101 من المخطوفين إلى منازلهم. تدور العمليات البرية في الجنوب اللبناني كما هو مخطط لها، والمقاومة التي يبديها «حزب الله» هناك لا تزال محدودة. لكن إطلاق الصواريخ على شمال البلاد توسّع، ويتسبب بسقوط مزيد من الضحايا. وإسرائيل لا تزال في حالة انتظار منذ أسبوع ونصف للرد على الهجوم الإيراني بالصواريخ الباليستية، والرد الإيراني على الرد، والذي يمكن أن يشعل حرباً إقليمية.
بالنسبة إلى رئيس الحكومة، هذه المرحلة جيدة. وتسمح سلسلة النجاحات العسكرية والاستخباراتية في مواجهة «حزب الله» لنتنياهو بأن يصوّر الحرب كانتصار، على الرغم من رفضه تحمُّل المسؤولية عن الإخفاق المريع في 7 تشرين الأول. استقر محيطه السياسي بعد انضمام جدعون ساعر وكتلته إلى الائتلاف. ولدى نتنياهو الوقت الكامل لممارسة تصرفاته المخزية، وآخرها ضد وزير الدفاع، يوآف غالانت، عندما منعه من السفر إلى الولايات المتحدة. لكن غطرسة نتنياهو المتجددة تشير إلى أنه لا يملك سيناريو معقولاً لإنهاء الحرب في غزة، أو في لبنان. ففي غزة، يطالب باستسلام قادة «حماس» ونفيهم، وفي لبنان، يطالب بموافقة «حزب الله» على الانسحاب إلى شمال الليطاني. ويبدو تحقيق هذين السيناريوهين بعيداً، ومن المحتمل أن تستمر الحرب من دون حل للمشكة الملتهبة، «مشكلة المخطوفين».
كان من المفترض أن يذهب غالانت، الثلاثاء الماضي، إلى واشنطن من أجل التنسيق مع الإدارة الأميركية والإعداد للهجوم والرد الإيراني الذي سيأتي في أعقابه، لكن نتنياهو وضع شروطاً: حديث هاتفي مع الرئيس بايدن وجلسة لـ»الكابينيت» الإسرائيلي تسمح لوزير الدفاع باتخاذ قرار بشأن طبيعة الرد. الأميركيون وغالانت قبلوا، وعلى ما يبدو سيذهب غالانت في النهاية إلى الولايات المتحدة، بعد «يوم الغفران»، وبعد قص أجنحته. بهذه الطريقة، استكمل نتنياهو الجولة، فهو لم يهن وزير دفاعه فحسب، بل دفع الولايات المتحدة إلى الاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وهو يستطيع أن يسرّب أخباراً عن أن الولايات المتحدة تحاول كبحه، وسيخرج زعيما بطلا يعمل بقوة، على الرغم من الضغوط. ومن المثير للاستغراب تصديق الجمهور هذه المناورة المكشوفة.
في طهران، وبعد هجوم الأول من تشرين الأول، والذي لم يؤدّ إلى مقتل أيّ مواطن إسرائيلي، يبدو أن عناصر الحرس الثوري يشعرون بأنهم قادرون على القيام بعملية أكثر دقةً من خلال ضرب قواعد سلاح الجو ومنشآت أمنية. منذ بداية الحرب، استخدمت إيران «حلقة النار» التي شملت إطلاق النار على إسرائيل من لبنان وغزة والعراق واليمن، لكن النظام الإيراني استوعب حدوده. فهو لم ينجح في وقف الحرب على غزة وإنقاذ «حماس».
في إسرائيل، يصفون المرشد الأعلى للثورة، علي الخامنئي، بأنه شخص متقدم في السن ومرهق، يعطي الراديكاليين من الحرس الثوري مجالاً للدفع قدماً برؤيا «الإمام المنتظر»، على الرغم من الأضرار المنتظرة التي ستلحق بالنظام. لكن الانطباع في الغرب هو العكس. حتى إن الحرس الثوري ليس مجنوناً، بل لديه استراتيجية خاصة تعتمد على حجج دينية. وبحسب هذه التفسيرات، فإن ما يُقلق النظام في إيران هو خوفه العميق من عدم الاستقرار الداخلي، بتشجيع من الغرب. وطريقته في مواجهة ذلك من خلال انتهاج خط عدائي ثابت، لكي يُظهر أنه لا يخاف من المواجهات.
بعد سلسلة الهجمات في لبنان، لم يعد القتال هناك يثير اهتماماً كبيراً في العالم. وهذا بحد ذاته أمر مثير للدهشة، فالمنظومة الأمنية حضّرت الجمهور طوال سنوات لمواجهة عسكرية ستؤدي إلى إلحاق ضرر غير مسبوق بالجبهة الداخلية. الخسائر في الجبهة الداخلية ليست قليلة، لكنها لا تشبه سيناريوهات القتل الجماعي التي جرى الحديث عنها في الماضي. ويعود السبب إلى قوة الضربات: سلسلة القيادة في «حزب الله» قُطعت، وثمة صعوبة في إعادة تنظيم نفسها من جديد. وبعد أكثر من 3 أسابيع من القصف الدقيق والمدروس، يمكن التقدير، بكثير من الثقة، أن «حزب الله» خسر نصف قدراته الاستراتيجية المتوسطة والبعيدة المدى.
لكن هذا لم يمنع وجود بقايا دفاعية في القرى الجنوبية المتاخمة للحدود، والتي تحاول ضرب القوات الإسرائيلية. في غضون ذلك، يبرز ارتفاع في عدد الصواريخ التي تُطلق في اتجاه شمال البلاد، مع خسائر وأضرار، وبعكس الانطباع الناشئ عن التقارير، فإن إسرائيل لا تحاول احتلال الجنوب اللبناني. صحيح أن حجم القوات العاملة هناك ازداد بصورة واضحة، لكن كل عملية في قرية شيعية تستغرق جهود فرقة من الجيش فترة من الزمن، وحتى الآن ليس هناك نية بشأن السيطرة على المنطقة في آن معاً. إدارة بايدن لا تتحفظ علناً على الدخول البري للجيش الإسرائيلي إلى لبنان، لكنها تستغل الحرب من أجل كسر الجمود السياسي في البلاد.
في هذه الأثناء، يدركون في الجيش أن «حزب الله» يسعى للتعافي، وعلى الرغم من محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار، يفكرون في طهران وبيروت في خوض حرب استنزاف في المدى البعيد تؤدي، بحسب رأيهم، إلى انهيار المجتمع والاقتصاد الإسرائيليَّين من خلال الاستمرار في إطلاق الصواريخ والقذائف على شمال ووسط البلاد، والهدف بثّ اليأس في نفوس الإسرائيليين من الحياة هنا.
والسؤال الذي يُقلق كثيرين من الإسرائيليين عمّا إذا كان نتنياهو يعمل وفق المصالح الأمنية للدولة، حسبما يدّعي، أم أن خطواته ناجمة عن حاجته الملحة إلى البقاء في الحكم، وخارج السجن. بالنسبة إلى شركائه من اليمين، لا مجال للشك، وبالنسبة إلى حزبَي «قوة يهودية» و»الصهيونية الدينية» فإن كل تدهور أمني إضافي يخدم هدفهما الأعلى بتوسيع حدود الدولة وطرد الفلسطينيين من أراضيهم والسيطرة عليها. لكن سؤال هل هذه الأهداف قابلة للتحقيق لا يمرّ في رؤوسهم. وعلى الرغم من مرور عام على «المذبحة»، لماذا لم نصل بعد إلى الحضيض؟ الأمور الفظيعة التي حدثت هنا ليست النهاية، وليس لدينا أيّ يقين بأننا سنخرج بسرعة، وبنجاح، من هذه الأزمة التي نواجهها بقيادة نتنياهو(…).