الرئيسية » صحافة اسرائيل »

“صورة نصر” لكن الحكومة مشغولة بمهاجمة إيران

بقلم: عاموس هرئيل

عن “هآرتس”

كان من المفترض بسلسلة النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل، مؤخراً، أن تتيح لها تقديم صورة انتصار على عدة جبهات، وتمهّد لاستراتيجيا تضمن الخروج من الحرب الإقليمية، بعد أن ألحقت إسرائيل أضراراً كبيرة بـ “حزب الله”، وتمكنت من القضاء على معظم قياداته وقيادات “حماس”، ودمرت البنية التحتية العسكرية في الجنوب اللبناني، وقصفت مواقع “حماس” بشدة في قطاع غزة، وهو ما منحها تفوقاً، بعد أكثر من عام من الحرب المكلفة والشاقة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل ذاهبة في الاتجاه المعاكس تماماً، على ما يبدو، لتبقى متورطة في غزة من دون أن تتخذ خطوات جادة نحو صفقة تحرير الأسرى، على الرغم من اغتيال قائد “حماس”، يحيى السنوار. وكذلك، على الرغم من أن الجيش يسعى لإنهاء العمليات في لبنان، فإن الحكومة لا تُبدي أيّ استعدادات للتوصل إلى تسوية سياسية قريباً. فعشية العيد قُتل أربعة جنود من كتيبة المشاة الاحتياطية في اشتباك مع عناصر “حزب الله” داخل منطقة قتال قرب الحدود، وقُتل جندي آخر، أول من أمس. وفي ظل الرشقات الصاروخية التي استهدفت الشمال، أصيب مدني بجروح خطِرة، وامتدت صافرات الإنذار خلال العيد لتصل إلى وسط البلد. ولا يزال الحديث قائماً عن جولة متوقعة من الضربات الباليستية المتبادلة بين إسرائيل وإيران في الأيام المقبلة.

يتمثل أحد أهم أسباب استمرار هذا التورط في تحالف المصالح غير المقدس، والذي بدأ بالخطيئة الأولى: تأليف الحكومة الحالية في نهاية سنة 2022. لقد بدأت التحقيقات ضد نتنياهو في سنة 2017، وبعد خمسة أعوام، باتت حالة نتنياهو ميؤوساً منها بصورة تدفعه إلى المراهنة على شراكة سلّم فيها زعيمَي حزبَين من اليمين المتطرف مكانة حاسمة في الائتلاف الحكومي، ووظائف أساسية في الحكومة والكبينت، وفي تلك المرحلة، كانت الكتلتان الحريديتان أيضاً [شاس ويهدوت هتوراه] تعرفان أنهما قادرتان على أخذ كل ما تريدانه من نتنياهو.

إن مصير 101 مخطوف محتجزين في ظروف مروعة في أنفاق غزة، بات على كف عفريت، لكن يبدو أن للائتلاف الحاكم أولويات أكثر إلحاحاً. فكل حزب من أحزاب هذا الائتلاف منشغل بأموره الخاصة: نتنياهو وعائلته يركزون على إصلاح الواجهة الزجاجية لمنزلهم في “قيسارية”، والتي تضررت من الطائرة المسيّرة التي أطلقها حزب الله. واليمين المتطرف يدفع في اتجاه إعادة المستوطنات إلى القطاع، أمّا الأحزاب الحريدية، فترى أن تمرير قانون الإعفاء من التجنيد أمر أساسي، والجميع يولي أهمية للسيطرة على ميزانيات ضخمة على حساب حاجات الشعب. هذه المصالح الحزبية جميعها تدفع القضايا الملحة حقاً إلى أدنى سلّم الأولويات: إنقاذ المخطوفين، وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، وإعادة إعمار منطقة “غلاف غزة”، وتخفيف العبء عن الجنود النظاميين واحتياطيي الجيش.

يتعامل الائتلاف، بمكوناته، مع هذه المطالب بنبرة من التجاهل المطلق. لقد بدا أن الأمور ستتغير بعد “مجزرة” 7 تشرين الأول من العام الماضي، وأن كل ما اعتدنا تحمُّله لم يعد يُحتمل. أمّا الآن، فمرّت سنة وعدة أسابيع أُخرى، وعادت الحكومة إلى تركيز جهودها على شؤونها الخاصة، فبعض مكوناتها يواصل الدفع نحو الانقلاب الدستوري على النظام، والبعض الآخر مهتم بالذهاب في رحلات مشبوهة إلى الخارج. أمّا الحديث عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وهو الإجراء الأكثر منطقيةً، نظراً إلى حجم الكارثة، فقد أصبح، طبعاً، خارج النقاش.

في نظر هيئة الأركان العامة، هناك شك فيما إذا كان في الإمكان تحقيق موقف أكثر تفوقاً في الحرب مما نحن عليه الآن. من هذا الارتفاع، قد يكون الاتجاه الوحيد هو التراجع. لقد مثّل مقتل يحيى السنوار وحسن نصر الله صورة انتصار رمزية ذات أهمية معينة. ومع ذلك، فإن لقطات النصر الحقيقية لن تتحقق سوى عندما يُعاد الأسرى والجثث إلى الوطن، وعندما يتمكن سكان الحدود الشمالية من العودة إلى منازلهم، وتبدأ عملية إعادة إعمار بيوت بئيري ونير عوز وكفار عزة بشكل جدي.

في الشمال والجنوب، يجد كلٌّ من رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، نفسه في موقف ضعف في خلافاتهما مع نتنياهو. عندما يلمّح رئيس الوزراء إلى نيته الاستمرار حتى النهاية، فإنهما يتساءلان، ونتساءل: ما الذي يعنيه ذلك بالضبط؟ هل يعني احتلالاً جديداً للجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني؟ أم الاستمرار في الضغط العسكري على قطاع غزة حتى مقتل آخر الأسرى؟

لقد طرحت مصر، هذا الأسبوع، اقتراحاً للتسوية، يبدو أن فرصه ليست كبيرة، ويتضمن الإفراج عن مجموعة من الأسرى في مقابل وقف إطلاق النار مدة أسبوعين. أمّا بقايا قيادة “حماس” في القطاع، التي لا تزال ملتزمة شروط التفاوض التي وضعها السنوار، فلا تبدو متحمسة لتبنّي هذا الاقتراح. من المقرر أن تُستأنف المفاوضات بشأن صفقة الأسرى في قطر، غدا الأحد، بعد توقُّف دام شهرين، لكن فرص التقدم لا تزال ضئيلة.

في الجانب الإسرائيلي، لا تبدو الصورة مختلفة كثيراً عن غزة، فالوزيران إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش غير مستعدَّين لإعادة “ظفر أسير فلسطيني” في مقابل الأسرى. ومن وجهة نظرهما، يجب أن تستمر الحرب مع وعود فارغة بتحرير جميع الأسرى بالقوة. وفي ظل هذه الشروط، فعلياً، فإن نصف الأسرى الذين ما زالوا في قيد الحياة سيموتون في الأنفاق، أو نتيجة القصف الإسرائيلي، أو يُقتلون على يد مُحتجزيهم. وربما يكون هذا هو المقصود؛ بحيث تُحلّ المشكلة، بالتدريج، من تلقاء نفسها من دون أن تُضطر حكومة اليمين إلى تقديم تنازلات إضافية.

لن نتوصل إلى اتفاق دولي يحدد طبيعة “اليوم التالي” في غزة من دون وقف إطلاق النار، أو تبادُل أسرى. ولن تتدخل الأطراف المحتمل مشاركتها، مثل الإمارات والسعودية ومحمد دحلان وأتباعه والسلطة الفلسطينية، في غزة، إلّا بعد التوصل إلى اتفاق يهمّش حركة “حماس”، ويشمل اعترافاً رمزياً بحل الدولتين. وبما أن نتنياهو لا يرغب في إفساح المجال لأيّ دور للسلطة الفلسطينية، أو حتى لدحلان، حليف الإمارات المثير للجدل، فإن هذا السيناريو لا يشكل قلقاً كبيراً بالنسبة إليه. الخسارة الوحيدة، من وجهة نظره، تكمن في فقدان فرصة إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، لكن يبدو أنه يأمل بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بعد نحو أسبوع ونصف، على أمل أن يعيد هذا الفوز الزخم إلى المحادثات مع الرياض.

تعتمد أحلام اليمين المتطرف في قطاع غزة على التحركات الأخيرة للجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا للاجئين. وما يعرضه الجيش كجهد لاستئصال بنى “حماس” التحتية التي أُعيد بناؤها داخل المخيم، ينطوي على جانب آخر مظلم، وهو دفع السكان المدنيين إلى الخارج. يتمثل الهدف النهائي، وفقاً لما يسمى بـ “خطة الجنرالات” التي ينفي الجيش تبنّيها، في إجلاء السكان بالقوة نحو جنوب القطاع، إلى ما وراء محور نيتساريم الذي سيطر عليه الجيش في بداية الحرب. وحتى الآن، يرفض المدنيون الفلسطينيون الاستجابة لهذه التهديدات.

تعهّد نتنياهو لضيفه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال اجتماعهما، هذا الأسبوع، أن مثل هذه الخطة ليس على المحك. لكن على أرض الواقع، وفيما بدا للعيان كأنه مصادفة، قامت إسرائيل بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة أياماً طويلة، في محاولة لدفع المدنيين الفلسطينيين إلى الرحيل. ولم يُستأنف إدخال المساعدات الإنسانية جزئياً، إلا بعد ممارسة الولايات المتحدة ضغوطاً عليها.

قبل 14 عاماً، حاولت مجموعة من ضباط الجيش الإسرائيلي تحميل يوآف غالانت، الذي كان حينها مرشحاً لرئاسة هيئة الأركان، وزر فضيحة وثيقة هارباز المزيفة، والتي شلّت قمة قيادة الأمن الإسرائيلي عدة سنوات. الآن، ولسخرية التاريخ، يدفع بعض المشاركين في تلك القضية من قيادة المنطقة الجنوبية في اتجاه تنفيذ “خطة الجنرالات”. هذه الفوضى التي قد يتسبب بها هؤلاء (مع آخرين) للدولة والجيش قد تكون الآن أشد خطورة بما لا يُقاس من تلك القضية التي أصبحت طيّ الماضي. وغالانت، الذي يشغل اليوم منصب وزير الأمن، قد يجد نفسه في ورطة أكبر بسبب قضية “خطة الجنرالات” في محكمة لاهاي. الجدير بالذكر أن التحركات القانونية في المحاكم الدولية تقترب من الانطلاق من جديد، وربما حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

مع أداء نتنياهو دور العرّاب، تتخذ الحرب على غزة طابعاً إيمانياً أكثر منه استراتيجياً. الحديث عن انتصار كامل، وحرب دائمة، والآن تغيير حدود القطاع كعقاب للفلسطينيين على “مجزرة” 7 تشرين الأول، ليس مجرد كلمات جوفاء، بل يحمل في طياته محتوى أيديولوجياً دينياً عميقاً، يستند إلى أبعاد زمنية مختلفة، وإلى منظومة قيم بديلة من المنظور الذي كانت تتبناه إسرائيل الرسمية في حروبها السابقة.

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings