مستقبل «حماس» والحرب في غزة بعد رحيل السنوار
عن موقع “مركز بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية”
اندلعت الحرب في 7 تشرين الأول 2023، بعد أن أعدّت “حماس” الأرضية لها جيداً، ووصفتها بأنها “نصر إلهي”. شاركت إيران و”حزب الله” في التخطيط للهجوم، وعلِما بمشروع الهجوم الكبير. أمّا “حماس” فكانت على دراية بالتضحيات المطلوبة، ومع ذلك، نادراً ما تمت الإشارة إلى آثار الرد الإسرائيلي المحتمل في الوثائق التي ضُبطت. إذ إن “حماس” اعتبرت أن التضحيات، خصوصاً الخسائر البشرية الكبيرة، أمر لا مفرّ منه لتحقيق الاستقلال.
ذُكرت في الوثيقة الرسمية التي تشرح دوافع عملية “طوفان الأقصى”، والتي نشرتها “حماس” في مواقعها الإلكترونية، عدة أسباب للحرب، لكن لا يوجد فيها بند يشير إلى السبب المباشر لاندلاعها. لقد تضمنت جملة الأسباب: حجيج اليهود إلى الحرم، وقضية السبعة ملايين لاجئ الموزعين على مخيمات الشرق الأوسط، وعدم حلّ القضية الفلسطينية منذ أكثر من 75 عاماً، والاستيطان في الضفة الغربية، والأسرى الفلسطينيون. لم تتم الإشارة إلى أيّ حدث كبير يبرر لحركة “حماس” شنّ حرب شاملة ضد إسرائيل، بدعم من محور المقاومة الإيراني، بل تشير تحليلات المقالات المنشورة في مواقع “حماس” إلى أن الهدف الأسمى كان الحؤول دون التوصل إلى اتفاق التطبيع مع السعودية، وهو هدف إيراني بامتياز.
كان يحيى السنوار الشخصية الأبرز في التخطيط وتنفيذ عملية “طوفان الأقصى”، بصفته قائد “حماس” في قطاع غزة، وكونه أحد مؤسسي الحركة، وأحد أعضاء جناحها العسكري، كان السنوار يتمتع بنفوذ غير مسبوق. وبعد اغتيال إسماعيل هنية، تم تعيين السنوار رسمياً في قيادة الجناح السياسي أيضاً، ليصبح أول قائد لحركة “حماس” يتدرج من الجناح العسكري (كتائب عز الدين القسّام) ليقود أيضاً الجناح السياسي للحركة، ويُعتبر رابع زعيم سياسي للحركة، بعد موسى أبو مرزوق وخالد مشعل وإسماعيل هنية. وحسبما ورد في مقال في صحيفة “الشرق الأوسط”، كان السنوار يمثل رمزاً للارتباط بإيران، وهو ارتباط شمل تدريبات لأفراد الجناح العسكري، وتزويدهم بالسلاح، بما فيه الأسلحة الدقيقة الإصابة، والدعم المالي الكبير من إيران.
وصفت مصادر في “حماس” مقتل السنوار بأنه الضربة الأقسى للحركة. لقد كان يتمتع بكاريزما وقدرة على جذب الأتباع. وشكّل استمرار وجوده في قيادة “حماس”، وبقاؤه على قيد الحياة، رمزاً لمعركة السابع من تشرين الأول، ومثّل بحد ذاته انتصاراً على إسرائيل. لكن مقتله يمثّل صورة انتصار لإسرائيل، بصرف النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب. من المتوقع أن تتمكن “حماس” من تعيين قيادة جديدة مجدداً، والمرشحون لخلافة السنوار في قيادة غزة هم: خليل الحية، نائب السنوار في غزة، والذي يُعتبر شخصية أقل كاريزميةً وبراغماتيةً، ومحمد السنوار، شقيق يحيى، الذي يترأس حالياً الجناح العسكري لحركة “حماس” في القطاع (بعد أن خلف محمد الضيف)، وعز الدين حداد، قائد المنطقة الشمالية في القطاع، وهو تقريباً القائد العسكري الوحيد البارز الذي لا يزال على قيد الحياة. ومن المحتمل أن يعود خالد مشعل إلى قيادة الجناح السياسي مؤقتاً، إلى أن يقوم مجلس الشورى بتعيين قائد دائم.
بعد أن دُمّرت غزة وخلّفت الحرب أكثر من 50 ألف قتيل (بحسب مواقع “حماس”، ويشمل العدد المفقودين تحت الأنقاض) وأكثر من 100 ألف جريح، تسعى “حماس” لتبرير أسباب إطلاق عملية “طوفان الأقصى”. باتت “حماس” تدرك جيداً أن مستوى تأييدها في صفوف سكان القطاع بلغ أدنى مستوياته بشكل غير مسبوق. وترى الأغلبية العظمى من الفلسطينيين في غزة اليوم أن قرار “حماس” بشأن البدء بالهجوم العسكري في 7 تشرين الأول 2023 كان قائماً على افتراضات خاطئة، ويُعتبر خطأً إستراتيجياً. ويأتي ذلك بصرف النظر عن مدى “أسلمة” المجتمع الفلسطيني منذ سيطرة “حماس” على قطاع غزة.
في مقال بعنوان “هل كان قرار السنوار [البدء بالحرب] صحيحاً؟”، نُشر في موقع “حماس” في 10 تشرين الأول 2024، بمناسبة الذكرى السنوية لاندلاع الحرب في غزة، جرى تقديم عملية “طوفان الأقصى”، بقيادة يحيى السنوار، على أنها “انتصار للمقاومة، والثبات، والإيمان، والصبر، وتضحيات أهل غزة”. ووُصفت المقاومة بأنها “ملحمة تاريخية” تهدف إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وكاتب المقال منير شفيق، وهو كاتب من أصول مسيحية – فلسطينية، كان ناشطاً في حركة “فتح”، ثم اعتنق الإسلام، واقترب من فكر “الجهاد الإسلامي” و”حماس” بالتدريج.
يعكس توقيت نشر المقال حالة الانفصال بين قيادة “حماس” وسكان القطاع الذين يعيشون معاناة شديدة. توصف معركة “حماس” في 7 تشرين الأول بأنها ملحمة بطولية وأعظم أشكال المقاومة، في ظل ما وصفه كاتب المقال بـ”استمرار السيطرة على المسجد الأقصى” والأسباب التي أوردناها سابقاً. ويصور المقال تحركات إسرائيل على أنها جزء من “عمل ممثلي الحضارة الغربية (العرق الأبيض) ضد البرابرة (شعوب العالم)”. وتظهر علامات الاقتباس هذه في النص العربي الأصلي.
وبحسب المقال، يُعتبر هجوم “حماس” مشروعاً، بحسب القانون الدولي، بينما تُعتبر إجراءات إسرائيل لحماية حياة سكانها انتهاكاً لتلك القوانين. ويؤكد كاتب المقال أن إسرائيل ليس لها الحق في الوجود كدولة أو ككيان سيادي ضمن أيّ حدود كانت.
بعد عام على السابع من تشرين الأول لا يبدو أن “حماس” تحملت مسؤولية الدمار الذي ألحقته بشعبها في قطاع غزة، وبشعوب المنطقة. إنك لن ترى اعترافاً بالأخطاء، أو رغبةً في الوصول إلى مصالحة تاريخية تنهي الصراع بين الشعوب. فهل ستدرك “حماس”، بعد رحيل السنوار، أن الوقت حان للتوصل إلى تسوية وإنهاء الحرب التي خسرتها، وتسوية تعيد بناء غزة، والسلام إلى المنطقة؟