الهجوم الناجح في إيران، مثلما هي أيضا تصفية يحيى السنوار، حيث استكملت تصفية قيادة “حماس” في القطاع وقيادة “حزب الله” في لبنان، خلق فرصة نادرة لتغيير الواقع الاستراتيجي الذي تتصدى له إسرائيل في آن واحد في سبع جبهات – غزة، لبنان، سورية، العراق، اليمن، إيران، وتضعضع الاستقرار في الضفة وذلك في ظروف آخذة في التردي من حيث العزلة الإقليمية والدولية. ان استنفاد هذه الفرصة يستوجب مراجعة العلاقة بين التحديات المختلفة التي نتصدى لها والموقف من استعداد لاعبين مركزيين في الساحة للارتباط بإسرائيل في جهد مشترك لمواجهة المحور الإيراني النازف.
في العقود الأخيرة تتميز حكومات إسرائيل على اجيالها بانعدام المفهوم الاستراتيجي الشامل وبنهج يتناول كل تحد او فرصة كحدث خاص يستوجب معالجة تفصيلية، وبالتالي تجاهل الخط الذي يربط بينها.
يمكن أن نجسد ذلك بمثال واحد: الأردن. الموقف الإسرائيلي من المسألة الفلسطينية منقطع عن فهم تأثيرها على الرأي العام الأردني، وبالتالي على استعداد الأردن للسماح لإسرائيل بالتمتع بعمق استراتيجي لا بديل له – في الجو وفي البر – حيوي للتصدي الدفاعي والهجومي لإيران وغيرها ممن يسعون الى إيقاع الشر بها.
هكذا أيضا عربدة منتهكي الوضع الراهن في الحرم ممن يتمتعون بريح اسناد من أصحاب فكرة التفوق اليهودي داخل الحكومة والتي تمس بشرعية واستقرار النظام الهاشمي. لقد أدى هذا الميل الى تسريع التآمر الإيراني بهدف ليس فقط توسيع تهريب السلاح وتمويل “الإرهاب” في الضفة عبر الأردن، بل محاولة الوصول الى نشر ميليشيات مؤيدة لإيران على طول حدودنا الأطول في اجراء سبق لطهران أن نفذته بنجاح في سورية، في غزة، وبالطبع في لبنان.
تحليل مشابه بالنسبة لدول سلام أخرى سيوصلنا الى الاستنتاج ذاته: بدون مبادرة لتهدئة الوضع وتغيير الميل في المسألة الفلسطينية – وقف نار وصفقة مخطوفين في الجنوب ومنع إجراءات انهيار السلطة الفلسطينية، ووقف الإرهاب اليهودي – فإن استمرار الاستيطان الإسرائيلي يتحدى العلاقات مع مصر، مثلما يتحدى أيضا دول اتفاقات إبراهيم (التي قلصت بعضها منذ الان التعاون الاقتصادي والعلاقات بين الحكومات)، ويغذي بالوقود كل الراغبين في إيقاع الشر بنا وعلى رأسهم إيران.
على قيادتنا القومية، اولاً وقبل كل شيء المدنية، ان تبلور صورة وضع واسعة ومفهوم أمن قومي يقوم على أساس العلاقات المتبادلة التي بين جملة التحديات الأمنية وبين المسألة الفلسطينية، ومنها استخلاص خطة عمل تقلص المخاطر وتسمح باستنفاد الفرص. الامر حيوي وعاجل على نحو خاص في ضوء التناقض المتواصل الظاهر بين قوة إسرائيل الاستثنائية وبين حقيقة أن دولة صغيرة كدولتنا ملزمة بان تثبت تحالفات وتنخرط في ائتلافات كي تتصدى لجملة من التحديات. في ظل جولات التصعيد بين إسرائيل وايران، ولما كان متعذرا استبعاد سيناريو يلزم فيه تحدي النووي الإيراني إسرائيل بالعمل هجوميا – على مدى الزمن لاجل تحييد هذا التهديد الوجودي تتأكد حيوية التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة ومع الائتلاف الإقليمي الذي عملت عليه منذ بضع سنوات.
على هذه الخلفية لا يجوز قبول تجاهل حكومتنا للبديل المقترح على إسرائيل من معسكر عظيم القوة في العالم العربي والإسلامي. تذكر مدوٍ لهذا البديل تلقيناه بعد دقائق قليلة من انتهاء الخطاب الأخير لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في الامم المتحدة، في رد وزير الخارجية الأردني، ايمن الصفدي. على حد قوله: “نحن هنا، أعضاء لجنة مخولة من 57 دولة عربية وإسلامية، وانا أقول لكم بشكل لا لبس فيه… في سياقات انهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية… كلنا هنا نريد سلاما في اطاره تعيش إسرائيل بأمن وسلام، مع علاقات تطبيع مع كل الدول العربية… السطر الأخير… توجد لنا خطة للسلام مع إسرائيل لكن لا يوجد لنا شريك للسلام في إسرائيل”.