الرئيسية » أخبار العرب »

طموحات مواطني الطابق الأسفل يرسمها الـ soft power

بسّام خالد الطيارة

في مقالين سابقين تحدثنا عن انقسام العالم والمجتمعات إلى … طابقين وتناولنا مسألة الطابق الاعلى وكيف يمكن الهبوط منه إلى الطابق الأسفل، وكان أفضل مثال ما حصل ويحصل في فلسطين المحتلة وتراجع مرتبة اسرائيل.

والسؤال ماذا يحصل في الطابق الأول ؟ ما هي طموحات مكونات هذا الطابق؟  بالتأكيد الطموحات هي الارتقاء إلى الطابق الأعلى ودخول حلقة الحداثة التي تنعم بالرفاهية والأمن والأمان التام.

الأمثلة كثيرة: منها من نجح بولوج هذا السلم والارتقاء مثل كوريا الجنوبية، ودول تسعى للانتقال إلى الطابق الأعلى.

وبين السعي والوصول درجات متفاوتة والنقطة الأهم لتأكيد النجاح هو تجاوز نقطة «اللاعودة» أي أن أفق المستقبل على كافة الأصعدة مؤمن بشكل واف على كافة أصعدة الأمن ( العسكري والغذائي والاقتصادي والغذائي والاجتماعي). والأمثلة منها القريب مثل قطر والإمارات وتركيا ومنها البعيد مثل ماليزيا وأندونيسيا.

لنقلها من البداية هذه الطموحات هي طموحات شعوب مكونات الطابق الأسفل وليس طموحات الحكام والحكومات… رغم التصريحات وخطط النمو وسياسات الانفتاح.

ما الذي يؤهب هذه الطموحات؟ الجواب بسيط : القوة الناعمة (Soft power) ‪وبالطبع القوة الناعمة تمتلها موكونات الطابق الأعلى وتعد بمثابة سلاح التدمير الشامل الذي يمنع مكونات الطابق الأسفل كدول من الارتقاء ولكن يترك فسحة (ضيقة) لمواطنيها لتعيش حلم الانتقال إلى الطابق الأعلى.

عندما تتحقق مثل هذه الأحلام تكون الهجرة قد تمت.

تستهدف القوة الناعمة ما كان حتى ماض قريب يشار إليها بتعبير «العالم الثالث»، وذلك منذ ١٩٥٢ (مؤتمر باندونغ) ويشمل جميع بلدان القارة الأفريقية أو الآسيوية أو الأوقيانوسية أو الأمريكية التي تفتقر إلى التنمية. ولكن اليوم هذا المصطلح عفا عليه الزمن وحل محله تعبير «الدول الأقل نموا».

«القوة الناعمة» مجمل عوامل تأثير أشار إليها «جوزيف ناي» (Joseph Nye) عام ١٩٩٠ وهو عالم سياسي ومفكر أمريكي، وأستاذ في العلاقات الدولية. وجاءت هذه النظرية في كتاب يمكن ترجمة  عنوانه كما يلي «من لوازم القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية» (Bound to Lead : The Changing Nature of American Power).

يقدم هذا المقال تعريفه الأول لمفهوم القوة الناعمة، وقدرة الدولة على الإغواء والإقناع، دون الاعتماد على القوة ولا على الإكراه. ويمارس هذا التأثير على الفاعلين الآخرين لدفعهم إلى التفكير بطريقة متقاربة أو تغيير سلوكهم بطريقة لطيفة وغير مباشرة. هذا من حيث المبدأ إلا أن «ناي» طور نظريته فيما بعد ولحقه العديد من المفكرين الذين بسطوا هذا التعبير على كافة أنشطة الانسان ولعل أهمها هي نشاط الاستهلاك بكافة أوجهه.

الأمثلة عديدة ومتعددة لعل أبرزها الملابس وخصوصاً الـ «جينز» ،والديكور في المنازل إلخ… والتي حملتها سينما هوليود التي وصفت بأنها القوة الضاربة الأولى لنشر نمط الحياة الأميركي.

مع دخول العالم في عصر التواصل والاتصالات وتمدد عنكبوت أنترنت بات من السهل ان تصل القوة الناعمة وتدخل الى كافة المنازل والعقول من دون أي حاجز أو رادع. لا بل بات يمكن للافراد الانطواء على نفسهم والانزواء وبناء تصورات وأحلام تدور حول ما تزين لهم القوة الناعمة.

القوة الناعمة هي من أبرز موهبات «الهجرة نحو الشمال»، حتى وإن كانت بعض الدراسات تبين أن الضغط الاقتصادي أو المناخي أو حتى انعدام الأمن الجسدي هي من عوامل الهجرة إلا أن هذه العوامل تجري في التيار الفكري الذي بنته القوة الناعمة.

بشكل عام، تعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أكثر دول القوة الناعمة تأثيرًا في العالم، ومنذ سنوات تعتمد بعض الدراسات على أرقام ومؤشرات النمو للإشارة إلى الصين كمصدر لقوة ناعمة، متجاوزة اليابان.

في الواقع يلعب البُعد الجغرافي دوراً في بناء طموحات الجماهير الراغبة بالانتقال إلى الطابق الأعلى وهذا ما يجعل من أوروبا أحد أهم أهداف الهجرة من أفريقيا وآسيا، كما هو الحال مع أميركا اللاتينية والولايات المتحدة كندا. ورغم اننا في عصر يتسم بعدم اليقين وعدم الاستقرار على المستوى العالمي، بحيث تساهم المعايير الاقتصادية بشكل متزايد في القوة الناعمة لأي دولة. من هنا رغم التقدم التكنولوجي المعتمد على تسارع النمو الاقتصادي للصين فهي ليست هدفاً في لاوعي الراغبين في الهجرة بشكل عام لأن القوة الناعمة التي تبثها مبنية على نمط حياة ومجتمع خاص جداً ومتميز تاريخياً. وكذلك الحال بالنسبة لدول مثل اليابان وكوريا وحتى فيتنام.

في بعض الدول التي حققت نمواً اقتصادياً وماليا مثل دول الخليج (الإمارات وقطر والكويت) يلعب البعد الجغرافي عاملاً معاكساً: فالهجرة نحو تلك الدول تبدو وكأنها هجرة مرحلية بانتظار العودة إلى الأوطان بالنسبة للشعوب العربية من الدول المجاورة. ومن الأسباب أيضاً نمط الحياة الخاص وإنه هو في طريقه للتطور والانفتاح. كما أن من الكوابح صعوبة الحصول على الجنسية لتلك الدول وفي حال حصول المهاجرين على الجنسية، فإن القوانين ضعيفة لا تحميهم من إمكانية نزع الجنسية ، بعكس أوروبا والولايات المتحدة وكندا واستراليا.

كما هو ظاهرٌ تنحصر طموحات الهجرة والسعي للانتقال إلى العيش بكنف الطابق الأعلى بالمواطنين وليس بالضرورة بالطبقات الميسرة ولكن هذه الرغبات تجتاح كل شرائح المجتمعات في عالم «الدول الأقل نموا». الواقع أن هؤلاء يهربون من خلل الأنظمة وغياب الشفافية والعدل وتسلط القيمين على الحكم. في بعض الأحيان تستعمل حكومات دول الجنوب مسألة الهجرة كسلاح في وجه دول الغنية (ليبيا وتونس وتركيا ودول الساحل الأفريقي).

خطوات الهجرة النهائية التي تثير نقاط جدل عديدة من حيث القدرة على الاندماج وردات الفعل لدى اليمين المتصاعد في عالم الدول الغنية ( ترامب وفرنسا وإيطاليا  وهولندا وشرق ألمانيا والدانمارك وبريطانيا وحتى نروج والسويد -!-)، ولكن هذه الدول ترحب بـ«زوارٍ من الجنوب للسياحة».

فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة في مقدمة الدول التي يصلها السياح بالملايين وتشكل السياحة بنداً مهماً في ميزانياتها.

مع ذلك نجد انتقادات للحضور المفرط في المواقع السياحية التي حسب قول مواطنين تلك الدول باتت مواقع كاريكاتورية. ولكن هذا النقد والانتقاد خاصة في أوروبا-  يخفي قضايا تطال اللاوعي الأوروبي والغربي إذ يرون في أن الحضور الكثيف مشكل من الطبقات العاملة الآتية من الجنوب والذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العطلات الأوروبية «كما يراها الغرب» أي فنادق ومطاعم بل ينزلون في مخيمات أوفي «بي أند بي » (BnB) و ولم يعد من الممكن الآن الحديث عن الاقتصاد السياحي دون الإشارة إلى السياحة المفرطة من قبل هؤلاء القادمون من الجنوب (أو من الشرق)، الأوروبي يرى اكتظاظ بعض المواقع الطبيعية بحضور قوي من الجنوب يبعد الحضور الأوروبي. هنا مرة أخرى، يتعلق الأمر بالالتفات إلى الازدراء الطبقي، إي يرون أن أولئك ليس لديهم ثقافة جيدة للطبيعة وهي شعارات على الموضة اليوم ولا يأخذون بعين الاعتبار البيئة والسياحة المحافظة على البيئة. ويكتفون بالاكتفاء بمراكز الترفيه في ضواحي المدن،

هذه السياحة المفرطة القادمة من الطابق الأسفل تعتدي بنظر الغربيين على الطابع الديمقراطي للسياحة، أي الذهاب في إجازة والتنزه في الجبال، وزيارات لمواقع لا تتحدث عنها كتب الإرشاد السياحي التي توزع في الجنوب.

المستهدفون في هذا النقد الذي بدأ يطفو في كل موسم سياحي على المواقع والصحافة يشمل الصينيين والهنود الباكستانيين وكل الآتين من آسيا الوسطى إضافة إلى العرب والأفارقة الذين يعتقدون بأن العولمة تسمح لهم بتقليد ما بثته في عقولهم «القوة الناعمة» الآتية من الغرب تحملها الأفلام والمسلسلات.

 

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active
    PHPSESSID

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings