القتال في غزة ولبنان استنفد أهدافه: ماذا بشأن نتنياهو؟
عن «هآرتس»
الإجماع في جهاز الأمن واسع بدرجة مفاجئة. تحدّث كل كبار القادة في الجهاز، من وزير الدفاع، يوآف غالانت، فما دون، هذا الأسبوع، بصوت شبه موحد. بعد سلسلة الإنجازات العسكرية والاستخبارية في الأشهر الثلاثة الأخيرة فإن الحرب في قطاع غزة وفي لبنان قريبة من الاستنفاد. فقد بقيت للجيش الإسرائيلي خطوات حيوية معدودة على الأرض. وبعد ذلك في أقرب فرصة يفضل السعي إلى التوصل إلى اتفاقات تنهي القتال في الشمال وفي الجنوب، وتشمل صفقة لإعادة جميع المخطوفين من أسر «حماس».
في جهاز الأمن يقولون، إنه إذا استمرت الحرب فترة طويلة أخرى فسيكون من الصعب تحقيق الكثير مما تم تحقيقه في السابق، في حين أن البقاء الطويل في المناطق التي تم احتلالها يزيد خطر التورط والكثير من الخسائر. قوة الضربات ضد «حزب الله» و»حماس»، ومؤخرا ايران، تخلق فرصة معقولة من أجل التوصل إلى اتفاق. ولكن هذا الاتفاق سيكون مقروناً أيضا بتقديم تنازلات غير سهلة بالنسبة لإسرائيل.
هذا التفسير المتفائل مبني على أمل أن أعداء اسرائيل سيتساوقون في هذه المرة مع تقديرات الاستخبارات؛ الأمر الذي لم يحدث حقا في الـ 13 شهراً الأخيرة منذ الهجوم «الإرهابي» على بلدات غلاف غزة في 7 تشرين الأول. وهو أيضا يتعلق برغبة شخص رئيسي واحد، وهو رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. في قيادة الجيش العليا يقولون، إنه من الصعب قراءة نوايا نتنياهو، الذي ينثر إشارات متناقضة في تصريحات علنية وفي نقاشات مغلقة.
ربما أن اللغز أسهل على الحل مما يعتقدون. في «أخبار 12» تم، أول من أمس، بث تسجيل يقولون، إن نتنياهو قاله في جلسة «الليكود» حول صفقة التبادل. نموذج العملية معروف منذ بداية السنة الحالية: في كل مرة يظهر فيها ظل احتمالية لتحقيق صفقة (في هذه الحالة إرسال رؤساء «الشاباك» و»الموساد» إلى مصر وقطر، واقتراح مصري ضبابي لإطلاق سراح بعض المخطوفين مقابل فترة قصيرة من وقف إطلاق النار)، يهتم رئيس الحكومة برفضه على الفور، من خلال التسريب أو التسجيل. في هذه المرة قال، إنه لن يوافق على صفقة لا تسمح للجيش الإسرائيلي باستئناف القتال في القطاع. في الجيش يعتقدون أن هذا خلاف زائد: في الأصل لن تضبط «حماس» نفسها فيما بعد، وهي ستخرق الاتفاق بصورة تلزم في مرحلة معينة بالعودة إلى القتال.
مع ذلك، تغيرت عدة أمور منذ المرة السابقة التي اتبع فيها نتنياهو أسلوبا مشابهاً في تموز الماضي. أولا، زاد الاهتمام بحياة المخطوفين كثيرا. كل عشرة أيام بالمتوسط نفقد مخطوفين، حذر مصدر مطلع، مؤخرا، الوزراء. توجد أيضا حالات لمخطوفين أعلنت الدولة موتهم، لكن لا توجد معلومات دقيقة عن مكان دفنهم، بسبب أن رجال «حماس الذين» دفنوهم قتلوا أثناء المعارك مع الجيش الإسرائيلي.
في مركز الأسرى والمفقودين العسكري توقفوا عن التحدث عن دفعة «إنسانية» أولى في الصفقة، كان يمكن أن تشمل النساء والمرضى والجرحى. يفترضون هناك بأن جميع المخطوفين بعد فترة طويلة جدا وظروف قاسية جدا يوجدون في حالة صحية خطيرة. وضع جثث المخطوفين الستة الذين قتلوا على يد «حماس» في رفح يدل على ذلك. أيضا احتمالية تنفيذ عمليات إنقاذ ناجحة أخرى تضاءلت جدا، بعد أن أصدرت «حماس» أمرا للحراس بإعدام المخطوفين، فوراً، في أي حالة تشخص فيها حركة لقوات الجيش الإسرائيلي قرب المكان.
ثانيا، هناك شيء ما في موقف الجيش تغير، هذه المرة أخيرا نحو الأفضل. سلسلة النجاحات، التي حققها الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات، في لبنان وفي ايران وفي غزة، أعادت القليل من الحيوية إلى وجه هيئة الأركان، المسؤولة الرئيسية عن الإخفاقات في 7 تشرين الأول، والتي من الجدير بها أن تنسب لنفسها أيضا المس الكبير بقدرات «حزب الله» و»حماس»، ونجاح الهجوم الجوي في نهاية الأسبوع الماضي في ايران (نتنياهو الذي يتملص كليا من المسؤولية عن الفشل ينسب لنفسه في المقابل الفضل في النجاح). جيوش وأجهزة مخابرات صديقة غربية وفي المنطقة، كانت مصدومة من فشل اسرائيل قبل سنة، يغدقون الثناء على الجيش الإسرائيلي، بفضل الإنجازات في هذه الأشهر. وهم يتأثرون بجودة المخابرات ودقة الضربات الجوية والقدرة على العمل على مسافة بعيدة عن حدود اسرائيل، أيضا في مناطق مأهولة ومكتظة. يصعب الحديث عن ردع إقليمي بعد كارثة كبيرة بهذا الحجم، لكن من الواضح أن وضع اسرائيل تحسن في الفترة الأخيرة.
يؤثر هذا أيضا على قدرة المساومة لدى القيادة الأمنية في النقاشات وفي الخلافات المتواترة مع نتنياهو. إذا فكر رئيس الحكومة في التخلي عن رئيس الأركان، هرتسي هليفي، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، من اجل إلقاء مسؤولية الفشل عليهما، فهو سيجد الآن صعوبة في فعل ذلك. وضع غالانت معقد أكثر. فنتنياهو اهتم في ضم اربعة أعضاء كنيست من قائمة جدعون ساعر للائتلاف، وحتى الآن يهتم بالحفاظ على التهديد باستبدال غالانت ووضع ساعر مكانه، أو مثلما طرح، أول من أمس، استبداله ووضع اسرائيل كاتس مكانه. مع ذلك، الاحتمالية الفورية لإقالة وزير الدفاع ربما ستتضاءل إذا تم التوصل إلى التسوية التي تلوح في الأفق حول مواصلة تهرب الحريديين من الخدمة بدون حاجة إلى دفع الائتلاف إلى تمرير قانون جديد، يعارضه غالانت.
فقط لا تُبلغوا بن غفير
تتجسد الفجوة بين الخطاب القاطع في اسرائيل والوضع على الأرض في عمليات الجيش الإسرائيلي في مخيم جباليا في شمال القطاع، التي بدأت في بداية الشهر الحالي. دخل الجيش جباليا من اجل القضاء على البنية التحتية لـ»الإرهاب»، التي أعادت «حماس» بناءها من جديد في المخيم، وهي تشمل مئات «المخربين». في الخلفية كانت هناك محاولة للدفع نحو تطبيق «خطة الجنرالات»، التي تقترح استخدام الضغط الكبير على سكان المنطقة بهدف دفع مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين نحو الجنوب.
نشر الخطة، التي لم يتم تبنيها رسميا، أثار ردوداً شديدة في الغرب، ومطالبة الإدارة الأميركية بتوضيح من اسرائيل. عمليا، في الحقيقة تم إبعاد عشرات آلاف المواطنين عن المخيم بشكل مؤقت، لكنهم لم يواصلوا طريقهم نحو الجنوب. حسب بيانات الجيش الإسرائيلي فإنه في ثلاثة أيام في الأسبوع الماضي انتقل نحو الجنوب عبر ممر نتساريم 12 – 29 شخصاً في اليوم فقط. وبعد أن شوشت اسرائيل بشكل متعمد إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع فقد اضطرت إلى التراجع. مؤخرا، أمر المستوى السياسي الجيش، بضغط أميركي، بالاهتمام بإدخال 250 شاحنة في اليوم إلى القطاع، الأمر الذي لم يتم إبلاغ أعضاء اليمين المتطرف به، ممن يطالبون بتجويع وتعطيش السكان.
قلص الجيش الإسرائيلي، هذا الأسبوع، حجم العملية، وأخرج من المخيم لواء من الألوية الثلاثة التي عملت فيه. بالنسبة لعدد القتلى، صحيح أنه قتل حسب الجيش مئات «المخربين»، لكن هناك خسائر أيضا في الطرف الإسرائيلي. أول من أمس، قتل ضابط وثلاثة جنود من الوحدة متعددة الأبعاد بسبب انفجار بيت مفخخ. في الأسبوع الماضي، قتل بانفجار عبوة ناسفة العقيد إحسان دقسة، قائد اللواء النظامي المدرع 401. وفي حادثة أخرى أُطلق صاروخ مضاد للدروع على بيت احتله الجيش في المنطقة بعد فترة قصيرة من إنهاء رئيس الأركان زيارة له في البيت.
عقد نتنياهو، أول من أمس، جلسة مشاورات أمنية مقلصة لمناقشة الاقتراح الأميركي لتسوية تنهي القتال في لبنان. تبذل الإدارة الأميركية هنا جهدا أخيرا بقيادة المبعوث عاموس هوكشتاين قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية بأيام. يتحدث الاتفاق عن إبعاد «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وتعزيز الجيش اللبناني بمساعدات دولية، وضمن أمور أخرى تدريب بريطاني وثيق، وتعزيز قوة «اليونفيل» الفاشلة، وإقامة آلية لتنفيذ ناجع للقرارات. وقال ضباط كبار في الجيش للصحيفة، إنه يوجد على الأجندة «اقتراح أفضل بكثير من القرار 1701، الذي أنهى حرب لبنان الثانية. ولكن كل شيء مرهون بقوة احتمالية التنفيذ».