الرئيسية » صحافة اسرائيل »

نتنياهو فضّل المخاطرة بمذكرة الاعتقال بدلاً من لجنة تحقيق رسمية

بقلم: سيما كدمون

عن “يديعوت”

لا يسع المرء، لدى سماعه الأصوات التي تدين قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، إلا الشعور بالتعاطف معها، على الرغم من أن الجمهور في إسرائيل، في أغلبيته، لا يملك أدنى فكرة عمّا يجري في غزة. وما من شك في أن الاتهامات والقرارات الموجهة إلى نتنياهو وغالانت والجيش الإسرائيلي خطِرة للغاية.

استخدام التجويع وسيلة قتالية؟

هل نحن نجوّع الأطفال حقاً؟ لا بد من أن نتنياهو لم يكن يعلم بذلك، ولا بدّ من أن أحداً لم ينبّهه بشأن مسألة التجويع هذه، وهو بطبيعة الحال ليس مسؤولاً، وليس مذنباً، على الرغم من مناقشة “خطة الجنرالات” التي طُرحت، مؤخراً ، وهي الخطة التي نشرها اللواء احتياط غيورا آيلاند، وساندها ضباط كبار، وتهدف إلى إخضاع “حماس”، من خلال إخلاء شمال القطاع وفرض حصار، بما يشمل حظر المساعدات الإنسانية.

ومع ذلك، لا يمكن الإنكار أن قراءة تفاصيل قرار المحكمة في لاهاي تثير شعوراً عميقاً بعدم الارتياح. من المخجل رؤية نتنياهو وغالانت في صف واحد مع معمر القذافي وسلوفودان ميلوسوفيتش و”ديكتاتوريين” أفارقة آخرين. يمكن تفهُّم الاتهامات الموجهة إلى المحكمة بأنها معادية لإسرائيل، وربما معادية للسامية. لكن المشكلة الأكبر هي مقارنة نتنياهو لها بـ”محاكمة دريفوس”، فنتنياهو يشعر دائماً بأنه الضحية الأبدية.

من جهة أُخرى، لا يمكن التغاضي عن النصيحة الحكيمة التي قدمتها المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا لنتنياهو، قبل صدور قرار الجنائية الدولية بأشهر، والتي نصحته فيها بتشكيل لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضٍ، بصفة هذه اللجنة وسيلة فعالة لمواجهة المحكمة الجنائية الدولية. وأوضحت له أهمية تشكيل مثل هذه اللجنة لتحقيق مصلحته ومصلحة الدولة ومصلحة جنود الجيش الإسرائيلي.

إلّا إن نتنياهو فضّل المخاطرة بصدور أوامر الاعتقال على أن يشكل لجنة كهذه.

هناك خط واضح يربط بين مخاطرة نتنياهو هذه، وبين التفسير السياسي لها الذي تجلى في القانون الجديد، والذي يهدف إلى ضمان عدم تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 تشرين الأول. وذلك من خلال قَصر التحقيق في إخفاقات 7 تشرين الأول على لجنة تحقيق سياسية.

لقد فكرت حاشية نتنياهو في هذا الأمر فترة طويلة. ومثلما تجري العادة في القضايا التي تُحاك بعيداً عن أنظار الجمهور، استيقظنا ذات صباح لنجد أنفسنا أمام فطور مكون من “أرجل الضفادع” التي طُهيت ببطء، لتعتاد الحرارة، ثم تجد نفسها عالقة في مصيبة تعودت عليها.

ليس سراً أن نتنياهو يخشى تشكيل لجنة تحقيق رسمية. فبمجرد أن أدرك الرجل أن المستشارة القانونية لن تحميه من الالتماسات التي ستُقدم بشأن لجنة كهذه، خرج مشروع القانون إلى النور. الجهة التي من المفترض أن تسمي تشكيلة اللجنة الرسمية هي القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا، القاضي إسحاق عميت، الذي يعتبره نتنياهو قاضياً ليبرالياً يهدد مصالحه، وقد يشكل لجنة منحازة ضده. لذلك، استمر التفكير في حل لهذه المشكلة. هذا الحدث استثنائي وفريد، ويجب إيجاد حلّ فريد يستجلب ثقة الجمهور. لكن إذا شكّل عميت لجنة التحقيق، فلن تحظى هذه اللجنة بثقة الكنيست، بحسب رأي أنصار نتنياهو، ولن تحقق التوافق بين المعارضة والائتلاف، ولن تحظى، حتى بثقة الجمهور.

مقترح جماعة نتنياهو

بحسب المقترح القانوني الذي طرحته جماعة نتنياهو، سيُعيّن أعضاء الكنيست ستة أعضاء في لجنة التحقيق، وسيتطلب تعيينهم موافقة أغلبية تُشكَّل من 80 عضواً. وإذا لم يتحقق ذلك خلال 14 يوماً، وهو ما يبدو غير ممكن التحقق في ظل الانقسام السياسي في الكنيست، فسيُعيّن الائتلاف والمعارضة الأعضاء بالتساوي، وسيكون للّجنة رئيسان يتم اختيارهما بالطريقة ذاتها. أمّا إذا اختلفت الآراء بشأن نتائج التحقيق، فسيجري نشر نسختين مختلفتين من نتائج التحقيق ليحكم الجمهور عليهما.

في نهاية المطاف، لن يكون أمام مثل لجنة تحقيق كهذه سوى إصدار توصيات (لا قرارات حازمة)، ومثلما حدث مع لجنة “غرونيس” للتحقيق في قضية الغواصات، يمكن للّجنة أن تقول، إن نتنياهو يشكل خطراً على أمن إسرائيل.

لقد قالت لجنة غرونيس هذا، فهل جرى شيء لنتنياهو نفسه منذ ذلك الحين؟

عملياً، نعم! لقد حدث إخفاق في تشرين الأول.

بالنسبة إلى أتباع نتنياهو، من الواضح أن أيّ شخص تختاره اللجنة، سيصل إليها، وهو يتخذ موقفاً مسبقاً قاطعاً، مفاده، إمّا أن نتنياهو مذنب، أو أن الجيش مذنب، أو أن المحتجين في الشوارع هم المذنبون، أو أن الذنب مرتبط بالانسحاب من غزة (سنة 2005)، أو حتى إن مَن وقّع اتفاقية أوسلو هو المذنب. ولهذا، فإن نتنياهو يشعر بالقلق: إذا ما وافق على تشكيل لجنة رسمية، فإنه يمنح المعسكر المعارض له مفاتيح التحقيق في الحدث الأكثر أهميةً في تاريخ دولة إسرائيل، وهو الحدث الذي سيُسجل باسمه في التاريخ. لذلك، يسعى لتقليل الضرر عبر القانون الذي يعارض تشكيل لجنة رسمية.

لا توجد فرصة لتحقّق هذا الأمر، فنصف الجمهور على الأقل سيشعر بأن القانون الجديد ليس سوى خدعة من نتنياهو، حتى لو كان يملك 50% من الحصة من هذا المشروع. يمكن للمرء تفهّم موقف هذه الفئة. فنتنياهو وصل إلى وضع لم يعد يحظى فيه بالثقة حتى داخل معسكره، فضلاً عن إمكان الوثوق به في قضية حساسة، مثل تحديد المسؤول عن إخفاقات الحرب. كما أن نتنياهو يخطئ بمجرد طرحه هذا القانون، لأن المحكمة العليا ستقوم بإلغائه على الأرجح. إنه يقود خطوة ستثير خلافاً عاماً عميقاً، ولن تحقق له النتائج التي يأملها، في أيّ حال.

أمّا القاضي عميت (القائم بأعمال رئيس المحكمة العليا)، فسيرى في مشروع القانون هذا مساساً بصلاحياته، ومَن سيختار تشكيلة لجنة التحقيق في نهاية المطاف، من شبه المؤكد أنه سيكون القاضي عميت.

لا يعرف كيف ستستمر الحرب

هذا كلّه يعزز موقف الذين يزعمون أننا عدنا بشكل كامل إلى ذهنية السادس من تشرين الأول، وأن الحكومة تعمل على تحقيق الأمر بكل طاقتها.

أولاً، عاد “الإصلاح القضائي” إلى الواجهة. إذ تم إطلاق تحرُّك تشريعي يتعلق بقضايا قانونية (قوانين الإعلام، تصنيف المشاهدات في التلفزة؛ هجوم المحسوبين على الحكومة على المسؤولين عن حماية القانون، مثل المستشارة القضائية ورئيس “الشاباك”، واشتداد الصراع بين وزير العدل والمحكمة العليا، وقانون التجنيد (التهرب من التجنيد) الذي بات في مراحله الأخيرة، والأحاديث الغريبة عن ضم غزة والضفة الغربية، والفوضى الإعلامية ونظريات المؤامرة، فضلاً عن المبالغات والأكاذيب، مثل حالة “حبل المشنقة” في زنزانة إيلي فيلدشتاين، أو إطلاق قذيفة إنارة بالقرب من منزل رئيس الوزراء، والتي تم تحويلها إلى “محاولة اغتيال لرئيس الوزراء”.

لكننا نتناسى أن تلك القذيفة لم تكن سوى قذيفة إنارة بالقرب من منزل كان المتظاهرون يعلمون أنه خالٍ من السكان.

صحيح أن إطلاق قذيفة إنارة قرب منزل نتنياهو هو أمر غير مقبول، وغبي، ويستحق كل الإدانة الممكنة. لكن يوجد فرق شاسع بين هذا، وبين أن تحولوا الأمر إلى محاولة اغتيال!

الحرب في الخارج مستمرة، وعدد قتلى الجيش تجاوز الـ 800. نتنياهو يريد اتفاقاً مع لبنان. وهو لا يعرف كيف يمكنه الاستمرار في الحرب. لقد بات يدرك أنها استنفدت أهدافها، وأننا بدأنا ندفع ثمناً دموياً باهظاً، وأنه بدأ يفقد قاعدته الشعبية، وخاصة بين جمهور تيار الصهيونية الدينية.

أمّا في غزة، فالأمر أسهل كثيراً: القرار بشأن غزة هو عدم الحسم في المطلق، وعدم إنهاء الحرب، مثل قرارات نتنياهو التي اعتدناها. سيحاول عدم إبقاء “حماس” في السلطة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين (أو بعضهم على الأقل)، متناسياً أن الوسيلة الوحيدة لإعادة الأسرى هي الإبقاء على “حماس”. والخشية هي من أنه سيفشل في المهمّتين معاً.

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings