الجيش الاسرائيلي أصبح مسيّساً، مترهلاً، فوضوياً
عن “هآرتس”
يجب الفحص في الحرب، وحتى في حرب عادلة، إذا كان موت جندي حدثا عبثا. بالتأكيد هذا واجب مقدس إذا كانت الحرب استمرت دون حاجة لاعتبارات سياسية وشخصية.
تنطبق هذه الأمور بشكل خاص على غور كاهتي (20 سنة)، الذي قتل، الأربعاء الماضي، في جنوب لبنان.
كان هذا موتا زائدا نتيجة الإهمال، الذي مصدره عدم الانضباط في الجيش منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول.
تم إلقاء مهمة على الرقيب كاهتي، ولم يتم إرساله من أجلها إلى الحرب؛ حماية جولة لمواطن، عالم الآثار زئيف حانوخ أرليخ من مستوطنة عوفرا، الذي خطر بباله ورغب في فحص آثار قلعة قديمة في منطقة المعارك.
في كمين لــ “حزب الله” قتل أيضا آرليخ (71 سنة) الذي كان برتبة رائد في السابق.
من المثير التساؤل حول حقيقة أن الجيش في البداية قدم معلومات غير دقيقة، وكأن ضابطا قتل وليس مواطنا عاديا.
ومن غير الواضح أيضا لماذا تم الاعتراف بآرليخ على الفور قتيلاً من الجيش، في حين أن الجيش يصمم على عدم الاعتراف بالطيار أساف دغان، الذي انتحر في الطريق إلى خدمة الاحتياط (كما تقول عائلته)، ولم يعترف بألون شمريز، الذي اختطف إلى غزة وقتل بالخطأ على يد جنود الجيش الإسرائيلي.
دخل آرليخ إلى منطقة عسكرية مغلقة، وهو يرتدي الزي العسكري ويحمل السلاح، بتصريح من رئيس قيادة لواء غولاني، العقيد (احتياط) يوآف يارون، الذي هو نفسه أُصيب في الحادثة، وتبين أن هذه لم تكن المرة الأولى.
المواطن العادي يمكنه الدخول إلى منطقة المعارك فقط بمصادقة خاصة من ضابط برتبة جنرال.
لم تكن لدى آرليخ هذه المصادقة. ليس جديدا دخول مواطنين عاديين دون مصادقة إلى لبنان، لكن يجب رؤية الاستخفاف بتعليمات الجيش في سياق واسع وعلى خلفية ظاهرة تسييس الجيش.
رفع الجنود والضباط شعارات سياسية تدعو للاستيطان في غزة. وهناك من يضعون على الزي العسكري إشارات عن المسيح والهيكل.
على الأغلب تم اكتشاف هذا من التوثيق الشخصي للجنود الذين يلتقطون الصور لأنفسهم وينشرونها في الشبكات الاجتماعية.
استخدام الهاتف المحمول في منطقة القتال، لا سيما لهذا الغرض، ليس فقط مخالفا لتعليمات الجيش، بل هو أيضا يعرض حياتهم وحياة من حولهم للخطر، لأن العدو يمكنه معرفة مكان تواجدهم.
أحيانا التوثيق الشخصي يشبه ظاهرة مرضية، مثل التقاط الصور بجانب جثث “المخربين”، وإطلاق شعارات الانتقام، وسرقة بيوت الفلسطينيين، وتفجير بيوت دون أن تكون ثمة حاجة إلى ذلك.
صحيح أن حالات استثنائية للاستخفاف والغطرسة، وحتى أكثر خطورة من ذلك مثل قتل أسرى حرب والسلب والنهب والطرد، حدثت دائما في الحروب، بدءا بـ “حرب التحرير” وحتى حروب لبنان. في حرب لبنان الأولى في 1982 قتل الجنرال (احتياط) كوتي آدم، الذي قررت حكومة مناحيم بيغن تعيينه في منصب رئيس “الموساد”.
في الوقت الذي كان ينتظر فيه تسلم منصبه، ودون تولي منصب عسكري أو تلقي مهمة، قرر بنفسه التجول في الميدان، وقتل في مواجهة مع “مخربين” فلسطينيين.
في تلك الحرب سمح ضباط كبار للمدنيين المقربين منهم، مثل الفنان حاييم طوبول، بالتجول في أرجاء لبنان. لم يتميز الجيش الإسرائيلي في أي يوم بالانضباط. فمنذ تشكيله يراوح بين قطبين: إرث الجيش البريطاني والأميركي، الذي يحرص على تنفيذ التعليمات. وإرث التحلل من أي عبء، السائد لدى رجال “البلماخ”، الذي كان أحد رموزه “سرقة الدجاج” من الكيبوتسات.
لكن مشكلة عدم الامتثال للتعليمات آخذة في التفاقم. في الحقيقة قام رئيس الأركان بتعيين ضابط برتبة جنرال لفحص الظروف التي بسببها حدث الحادث المأساوي في جنوب لبنان. ولكن تجربة الماضي لا تضمن معاقبة المذنبين بالعقوبة الأقصى التي ينص عليها القانون.
كان يمكن تقليص عدم الانضباط في الجيش، إن لم يكن إنهاؤه، لو أن الجيش قام بفرض عقوبة شديدة على خارقي التعليمات. ولكن منذ سنوات أصبحت قيادة الجيش، لا سيما القيادة العليا، رحيمة. هي تفضل عدم فتح التحقيق حول خرق القانون، وإذا تم فتح التحقيق فإن الضباط أو الجنود الفاسدين يخرجون بعقوبة مخففة.
يكمن أحد أسباب ذلك في أداء رئيس الأركان، هرتسي هليفي، الذي قريبا ستكون مرت سنتان على وجوده في المنصب.
منذ بداية الحرب، لا سيما في الفترة الأخيرة، يجد رئيس الأركان نفسه، الذي يتحمل الفشل الواضح، وقد اعترف بذلك، يواجه تحديا على جبهتين. جبهة الحرب بكل ساحاتها، هناك يوجد للجيش الإسرائيلي بقيادته إنجازات لا بأس بها، لكنه أيضا يناضل ويداه مكبلتان إلى الخلف.
والجبهة الداخلية التي يتطاول فيها الوزراء وأعضاء الكنيست من اليمين عليه وعلى أصدقائه في قيادة الجيش وجهاز الأمن.
يقول ليفي بينه وبين نفسه إنه لا يمكنه فتح جبهة ثالثة داخلية أمام أجزاء في الجيش، لا سيما رجال الاحتياط، والنضال بكل القوة ضد ظاهرة عدم الانصياع والاستخفاف، وغض النظر عن التعليمات.
النتيجة كارثية. الجيش الإسرائيلي أصبح مترهلاً، فوضوياً وعديم الانضباط. وهليفي والقادة الكبار يجدون صعوبة، أو لا يريدون، استخدام كل صلاحياتهم على مرؤوسيهم.
المسؤولية عن إهمال الانضباط الآخذ في الازدياد في الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة ملقاة كما قلنا في المقام الأول على رئيس الأركان، وهي تعزز ضرورة استقالته.