إسرائيل ضد إسرائيل ! (يديعوت)
بعد أن قلنا كل ما ينبغي أن يقال عن القرار الحقير، الذي أصدرته محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ينبغي أن نقول إن إسرائيل ارتكبت تقريبا كل خطأ ممكن على الطريق.
وهي لا تتوقف عن ذلك. ماكينة الأكاذيب تتهم إسرائيل بالاستعمار، وبالتطهير العرقي، وبالإبادة الجماعية، وبجرائم الحرب وبالأبرتهايد.
وقد وجدت أذنا صاغية في المحكمتين الدوليتين في لاهاي. لم يمر يوم واحد على قرار محكمة الجنايات وإذا بوزير الدفاع، بجلالة قدره، يمنح هدية لكارهي إسرائيل.
يعطي القانون وزير الدفاع الصلاحيات لاعتقال شخص ما لفترة تمتد إلى ستة أشهر. اعتقال إداري. إسرائيل كاتس غيّر القانون. من الآن فصاعدا لا يدور الحديث عن الإسان بصفته إنسانا. من الآن فصاعدا، قانون واحد للعرب. وقانون آخر لليهود.
اسمحوا لي أن أعترف بأنه قبل أسبوع عدت من جولة محاضرات لثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة.
ظهرت أمام طلاب، وأمام جاليات يهودية، وأمام إسرائيليين – أميركيين.
هم يسمعون الادعاءات الثابتة. بما فيها الادعاءات بالأبرتهايد. تجند الكثير منهم ليدافعوا عن إسرائيل.
من الصعب عليهم. إسرائيل الرسمية اختفت وصمتت. لم توفر لهم أجوبة في ضوء الدعاية الفظيعة.
بدلاً من جواب يأتي الآن إسرائيل كاتس، وبدلاً من أن يساعد محبي إسرائيل، يمنح هدية لكارهي إسرائيل. لأنه مع قرار غبي بهذا القدر – قانون واحد للعرب، قانون مختلف لليهود – يعزز الادعاءات بأن إسرائيل هي دولة أبرتهايد.
يجعل التعليل القرار أخطر بكثير: “ليس جديرا أن تتخذ دولة إسرائيل خطوة خطيرة من هذا النوع ضد رجال الاستيطان”. عفوا؟ وهل سيف الاعتقال الإداري يسلط فوق مئات آلاف “رجال الاستيطان”؟ وهل معظمهم هناك بمثابة مشاغبين؟ حتى الآن يوجد خمسة يهود فقط قيد الاعتقال الإداري، مقابل أكثر من ألف عربي. في الذروة كان ثمانية يهود.
معظم المستوطنين يتحفظون على المشاغبين. وكاتس، بسخافة غير مسبوقة، يلصق الاتهام بمئات الآلاف. من بالضبط مستشار كاتس؟ عزمي بشارة؟ عوفر كسيف؟ فهو يجسد حلمهما.
يتسبب في حقيقة أن كثيرين وطيبين مثل داغلاس مارييه، عينات ويلف، ريتشارد كامب، نائل زعبي، محمد كعبية، يوسف حداد وكثيرين آخرين سيكون ذلك لهم أكثر صعوبة. كيف بالضبط يريد أن نشرح بأنه يوجد قانون واحد للعرب وآخر لليهود؟
في أيام صعبة، وأمام أجواء دولية معادية، ليس كل الجمهور في الغرب يمقت إسرائيل. وليس كل الجمهور في العالم الحر يتبنى موقفا يقول إن إسرائيل ترتكب جرائم حرب أو إبادة جماعية أو أن إسرائيل هي دولة أبرتهايد. لكن هذا هو موقف النخب، في الإعلام وفي الأكاديميا.
قضاة المحكمة الدولية، الذين اتخذوا قرار الاعتقال، هم جزء من تلك النخبة.
لكن يخيل أن الموضوع الأهم، أكثر من الإعلام، هو السياسة. كتبت، استجديت، توجهت إلى كبار المسؤولين، بمن فيهم أعضاء الكابينت. قلت لهم إنه مع خطوات بسيطة وضرورية يمكن لإسرائيل أن تتصدى لجزء من ذاك العداء الدولي الآخذ بالتراكم. مثلاً، من خلال إعلانات متكررة: ليس لنا أي مصلحة في أن نمس بشعرة من شعر رأس طفل فلسطيني.
كل ما نريده هو تنفيذ القرارات الدولية بوقف الحصار مقابل تجريد القطاع.
نحن، أي إسرائيل، نعلن من طرف واحد عن وقف نار، لنقل لـ 48 ساعة، وحتى لأسبوع لأجل التقدم بتجريد القطاع وتحرير المخطوفين، وكي لا تكون حاجة لمواصلة الحرب. ماذا كان يمكن أن نخسر من مثل هذا العرض الذي كان ينبغي أن يعرض المرة تلو الأخرى؟ لا شيء. “حماس” كانت ستقول لا. هذا ما تعرف أن تقوله. أما إسرائيل فكانت ستفوز بالنقاط. الكثير من النقاط. ليس لدى أولئك المعادين بشكل تام لإسرائيل لكن بالتأكيد لدى كثيرين آخرين.
وهذا ليس فقط لم يحصل بل إن مسؤولين إسرائيليين تحدثوا صراحة عن التجويع، عن أنه “لا يوجد أبرياء” وباقي المواد التي أدت بنا فقط إلى السقوط السياسي. والآن كاتس.
لإسرائيل حجج ممتازة. فمن السهل جدا الإثبات بأن “حماس” أسوأ من “داعش”، وأن الكثير من زعمائها يعلنون عن إبادة اليهود، بل أحيانا المسيحيين أيضا، وعن الحاجة لاحتلال كل العالم.
ويمكن الإثبات بأن إسرائيل مست بأبرياء أقل – نعم، أقل – مقابل مواجهات مشابهة في العقود الأخيرة.
ومن السهل الإثبات بأن دولة فيها دكتور جامعة مهمة عربي، ورئيس بنك ليئومي هو عربي، ورئيس الهيئة التي بعثت برئيس الدولة إلى سبع سنوات سجن هو عربي، هي ليست دولة أبرتهايد. ويوجد المزيد.
لكن ليس فقط لم تفعّل إسرائيل أي شيء تقريبا من الحجج الجيدة التي لديها، بل إن الكثيرين من كبار مسؤوليها وفروا للرأي العام في العالم تصريحات سخيفة. ولأجل إضافة الزيت إلى شعلة الكراهية لإسرائيل، يأتي إسرائيل كاتس ويعلن، بشكل شبه رسمي، عن تحويل قانون قد يكون ضروريا إلى قانون أبرتهايد. توجد لدينا حجج ممتازة حيال المحكمة الدولية والنخب التي تنتج الأكاذيب. لكن قبل أن ننزل عليها باللائمة، يجدر بنا أن نعالج إسرائيل التي هي ضد إسرائيل.