سلاح الجو نقطة ضعف اسرائيل
سنة 2018، أقر وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان قراراً بتأسيس سلاح صواريخ أرض – أرض، وكان الهدف منه ضرب أهداف برّية للعدو في المدى القريب والمتوسط والبعيد، وكان مقترحه يتضمن بناء قدرات دقيقة وسريعة وردّاً فورياً بعكس قدرات طائراتنا، وهذا كلّه بكلفة أقل بأضعاف من كلفة طائراتنا وصيانتها. وبعد أن أنهى وزير الدفاع ليبرمان ولايته، كانت هناك ضغوط من جانب المستويَين السياسي والعسكري، وتم التراجع بعدها عن قرار ليبرمان من أجل تحويل المال لشراء مزيد من الطائرات. هذا ما نصّت عليه المقولة الشهيرة: “سيخرج مدمروك ومخربوك من داخلك.” وفي سنة 2021، شكلت 5 طواقم من الخبراء في مجال الأمن القومي، أحدها طرح قضية التهديد الصاروخي والقذائف والمسيّرات التابعة للعدو على إسرائيل، وتضمنت الحلول المطلوبة التي طرحها الطاقم توصيات ليبرمان بتأسيس سلاح صواريخ أرض – أرض، يكون فعالاً في مقابل صواريخ وقذائف ومسيّرات العدو. وهذا السلاح سيكون أفضل بأضعاف من طائراتنا، وكلفته أقل بأضعاف أيضاً من كلفة الطائرات وصيانتها؛ فشراء الطائرات يكلف أموالاً طائلة، ويستنزف كل المساعدات الأميركية الخارجية، بالإضافة إلى كلفة كبيرة في الميزانية بالشيكل. والتقرير الذي صدر عن الطاقم الذي أقمتُه تم تقديمه إلى متخذي القرارات الكبار في المستويَين السياسي والعسكري، وحتى وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي قررا تبنّي توصيات التقرير في خطة العمل التابعة لوزارة الدفاع والجيش، وتقرّر تنفيذ هذه التوصية المهمة بتأسيس سلاح صاروخي منذ عامين تقريباً، إلاّ إن سلاح الجو أفشلها. وحتى بعد قرار وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، فقد قام سلاح الجو بكل ما يستطيع القيام به لتأجيل تنفيذ قرار تأسيس سلاح الصواريخ، ونجح نجاحاً كبيراً حتى يومنا هذا. خلال السنة الماضية، شهدنا قرارات من جانب المستويَين السياسي والعسكري باستثمار 40 مليار دولار من المساعدات الخارجية الأميركية لشراء مزيد من أسراب الطائرات F-35 وF-15 وطائرات التزود بالوقود وغيرها من الأمور. وتقريباً لا يوجد أي ذِكر لشراء أدوات قتالية جديدة ومتعددة، كزيادة حجم سلاح البرّ، أو تأسيس سلاح صواريخ أرض – أرض، أو تطوير سلاح ليزر قوي، وغير ذلك.. إن القصف الصاروخي الحوثي لمنطقة وسط إسرائيل في كل ليلة يفعّل الصافرات المزعجة للأذنين، ويدفع بملايين الإسرائيليين إلى النهوض من أسرّتهم والركض نحو الملجأ، كما أنهم يسقطون ويصابون بالهلع، وهذا إزعاج لا يُحتمل، وخصوصاً عندما يستمر لوقت طويل. وهذا المثال يثبت أنه لو كانت لدى إسرائيل صواريخ أرض – أرض، لكنّا استطعنا الرد بسرعة أكثر، وبكلفة أرخص كثيراً من الضربات التي توجهها طائراتنا إلى أهداف الحوثيين في اليمن. يجب أن نفهم أنه ومن أجل نقل السلاح من نقطة “أ” إلى نقطة “ب”، فنحن لا نحتاج إلى أن نعلّقه تحت أجنحة طائرات حربية، تتراوح كلفة إحداها بين 80 مليون و100 مليون دولار، وتحتاج إلى عنصر بشري لتفعيلها. وأكثر من ذلك، فإن تفعيل عشرات الطائرات الحربية على بُعد 2000 كيلومتر يحتاج إلى تجهيز على مدار أسابيع بكلفة عالية جداً، لذلك، لا يمكن الاستمرار في ذلك طويلاً بسبب الموارد المحدودة. هذا بالإضافة إلى أن هذه الطائرات لا تملك القدرة على الرد الفوري على أهداف حوثية تظهر فوراً، ولا يمكن الاستمرار بطريقة العمل هذه لوقت طويل، ولا يمكنها أن تؤدي إلى النتائج المأمولة أيضاً. كان يمكن لصواريخ أرض – أرض أن تقوم بما يلزم ضد كل صاروخ حوثي يطلَق في اتجاه إسرائيل، وأن تطلَق فوراً من دون أي تحضيرات مسبقة (خلال 20 دقيقة، وليس 3 ساعات كالوقت الذي تحتاج إليه طائراتنا بعد التجهيز لأسابيع) في اتجاه كل هدف برّي عسكري يظهر ويكون تابعاً للحوثيين. إن طائراتنا تسمح للحوثيين بالهروب من مكان إطلاق الصواريخ بسبب الوقت الذي تحتاج إليه كي تهاجمهم، وبالتالي، فإن فاعلية هذا السلاح [صواريخ أرض – أرض] ستكون أفضل وأرخص كثيراً، وبموارد يمكن توفيرها. بالإضافة إلى هذا كله، فإن العالم يتجهز لساحة الحرب المستقبلية في الوقت الذي يبقى فيه الجيش بعيداً في الوراء ويتجهز للحروب القديمة التي لم تعد موجودة. يعرف جميع المهنيين أن الطائرات من دون طيار ستستبدل الطائرات الحربية، ويمكن افتراض أنه خلال عقد من الزمن، ستختفي الطائرات الحربية من ساحات القتال، لأن كلفتها وصيانتها ثقيلة ولا تُحتمل؛ ففي الحرب الأوكرانية على سبيل المثال، لا نرى الطائرات تقريباً في القتال، إنما يجري القتال الجوي الأساسي باستعمال المسيّرات والصواريخ والقذائف، وقد غابت الطائرات الحربية كلّياً تقريباً. أمّا في إسرائيل، فلم يتعلّموا شيئاً، ولا يزال الجيش متمسكاً برؤيته القديمة، ويستثمر عشرات المليارات من الدولارات في الطائرات التي سيتراوح عُمْرُ بعضها خلال فترة ما بين 5 و10 أعوام، ولن تكون ملائمة حينها لساحة الحرب المستقبلية. هذه الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها إسرائيل في مجال الطائرات تستنفد كل المساعدات الخارجية الأميركية لـ20 عاماً مستقبلاً، وتدفعنا إلى وضع لا نستثمر فيه في أي شيء تقريباً إلاّ الطائرات، ولا يوجد أي استثمار في الأدوات القتالية المطلوبة لحروب المستقبل، كسلاح البر، وتأسيس سلاح الصواريخ، وتطوير منظومة الليزر القوية جداً، وشراء عشرات الآلاف من المسيّرات الهجومية والمدافع المضادة للطائرات التي تتوجّه بالرادار والفاعلة ضد المسيّرات وغيرها. إن قوة شعاع منظومة الليزر ستكون ميغاواط، وسيشكل الحل الوحيد الذي يمكنه التصدي للصواريخ الباليستية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بـ5 أضعاف، والتي تغيّر مسارها خلال الطيران، ولا تستطيع صواريخ الأرض- جو كـ”حيتس” و”كيلع دافيد” اعتراضها.
لقد تعلّمنا منذ وقت طويل أنه لا يمكن الانتصار في الحروب باستعمال الطائرات وحدها، وقد دفعت الرؤية القديمة للمستويَين السياسي والعسكري خلال الـ20 عاماً الماضية إلى تقليص حجم سلاح البر بصورة كبيرة، إلى أن بات ثلث حجمه الذي كان عليه سنة 2002، وهو ما أدى إلى نقص في القوات البرّية، ولذلك فنحن نعاني اليوم جرّاء استنفاد قوة مقاتلينا وأدواتهم القتالية، ولا يستطيعون البقاء والسيطرة على الأماكن التي استحوذنا عليها بسبب عدم وجود قوات تستبدلهم. إن النتيجة المباشرة هي أنه يتوجب علينا أن نحتل المكان نفسه مرّات عديدة، ونزيد من المخاطر على حياة المقاتلين. وهذا التقليص هو ما حرم الجيش من القدرة على المناورة في العمق في منظومات العدو وإخضاعه، ولا يسمح لقواتنا بأن تقاتل على عدة جبهات في وقت واحد، كما أنه منع قواتنا من إخضاع “حماس” وحزب الله طبعاً. وكل ألاعيب المستويَين السياسي والعسكري تهدف إلى الكذب على الجمهور لتزييف الصورة الحقيقية؛ فنجاحات طائراتنا لا تأتينا بالنصر في الحرب. إن استمرار السياسة المتبعة من جانب المستوى السياسي والعسكري هو أمر غير مسؤول، ويفتقر إلى الرؤية على المدى البعيد، ويدفع بإسرائيل إلى طريق ذهاب بلا عودة، وعدم القدرة على الدفاع عن نفسها خلال بضعة أعوام. إن القيادة الحالية للمستويَين السياسي والعسكري لا تفهم أبداً الواقع الأمني الذي يتشكّل في الشرق الأوسط، وتقود شعب إسرائيل نحو الهاوية، ومن دون تبديلها فوراً، فإننا لن نستطيع الصمود في الشرق الأوسط، ولن يكون هناك انبعاث لشعب إسرائيل مع هذه القيادة، ومَن لم يفهم هذه الحقيقة حتى الآن، فسيفهمها متأخراً.