حين يتحوّل الشعر إلى لغة عالميّة يفهمها العديد من شعوب الحضارات المختلفة، يصبح له نكهته كنوع أدبي له امتداده وصوره الحمّالة للعديد من الأوجه والتفسيرات والقراءات، هكذا هو الشعر العربي حين يصبح مقروءاً بالألمانية والشعر الألماني حين يتم تعريبه وقراءته بعيون عربيّة.
الصالون الشعري الأدبي الألماني العربي الذي تأسس حديثاً في جامعة بون، وبعد مهرجان شعري أقامه في خريف العام الماضي في تلك المدينة الريفية التي كانت عاصمة لألمانيا إبان الانقسام، قام بنشر قصائد للعديد من الشعراء الذين شاركوا في ذلك المهرجان الذي رعته كلية اللغة العربية وآدابها في الجامعة العريقة باشراف الدكتور سرجون كرم.
أنطولوجيا مليئة بالمعاني والصور المختلفة التي تشكل نسيجاً تعبيرياً رائعاً ينقل مشاعر من حضارات متباعدة فيدمجها في فسيفساء جمالية منحوتة بأيدي مبدعين من كلا الحضارتين. قصائد لفؤاد العواد (قام بتحرير الكتاب وترجمة القصائد أيضاً) وأولريكه دريسنر وسليمان توفيق ولودفيغ شتاينهير وإيفا فورستر وكريستوف لايستين ومرام مصري و نعيم تلحوق وريم نجمي وسرجون كرم وعايشة بصري وحنان عاد.
ففي كتاب «هناك» أو «DORT» المؤلف من 58 صفحة من القطع الوسط، الصادر عن دار «شاكر ميديا» في ألمانيا، قصائد للشعراء آنفي الذكر باللغتين العربيّة والألمانية، منها على سبيل المثال لا الحصر قصيدة «هناك»: «هناك يسكن الفراغ/ الاشجار تسبح في القمم/ والتعب يدور حول الكون.
في الفيزياء نعرّف الكون/ في الكيمياء نعرّف الكون/ في الحب نعرّف الكون.
وعلى جسد هذا الكون لا ندرك معنى حبّات الموسيقى ولا كلام النساء. لا نعرف حتى معنى الخريف ولا معنى الربيع».
وفي قصيدة أخرى بعنوان «مدبنة باريس»: «شمس سبتمبر/ تتملق/ ميداليات الجزيرة/ تلمع بالضباب/ كخيط اللعاب/ الذي/ يسيل من فم ذاك المتسول في نومه.
وفي قصيدة ليلة شتاء: «سَأجئ إليكِ بلا ضوء/ حافية القدمين. في الليل أدركك/ لك رائحة الشتاء/ إن شممتها أُمطر».
قصائد جميلة لشعراء متعددي المشارب والأنماط اختلطت في انطولوجيا شعريّة رائعة تتماهى مع حوار الشرق والغرب وديوان الشاعر الألماني الكبير يوهان فولفغانغ فون غوته، رغم المسافة الزمنية الكبيرة بين القرن الثامن عشر حيث كانت الحياة بسيطة وبين قرننا الواحد والعشرين الذي أصبح فيه العالم قرية واحدة، بل قصيدة واحدة.