القاهرة ــ محسن فوزي
أثار الإضراب المحدود الذي نظمه المدرسون المصريون حالة من الغضب الشديد والاستياء بين الغالبية العظمى من الشعب المصري، التي رأت فيه إضراراً بالمصلحة العامة للبسطاء من الناس، وعقوبة لهم، بدلاً من أن يكون ضغطاً على وزارة التربية والتعليم لتحقيق بعض المطالب المادية.
فقد نشبت مشاجرات عديدة بين أولياء أمور التلاميذ والمدرسين المضربين، في عدد من مدارس البلاد، واضطّر بعض الآباء والأمهات إلى الاعتداء بالضرب والألفاظ القاسية على المدرسين، الذين كانوا متواجدين في المدارس كالمعتاد، ولكن يرفضون التدريس.
والطريف في الأمر أن عدداً من الآباء هددوا المدرسين بالامتناع عن إعطاء دروس خصوصية لأبنائهم، انتقاماً منهم، بينما فضّل بعض الآباء الآخرين توجيه عبارات السباب إلى المدرسين واتهامهم بأنهم لا يؤدون مهامهم بصورة جيدة من الأساس، وأن الآباء هم الذين يبذلون الجهد كله مع ابنائهم وبناتهم في مذاكرة دروسهم في المنازل!
وفي الوقت الذي أصر فيه المدرسون المضربون، الذين لم تتخط نسبتهم 6% من إجمالي المدارس الحكومية المصرية، على أن حقوقهم ومطالبهم مشروعة، وأن القانون يكفل لهم حرية التظاهر والإضراب عن العمل، أصر أولياء الأمور على أن ما يحدث يمثل استفزازاً لهم، باعتبار أنهم يقتطعون الغالي والنفيس من قوت يومهم لتوفير نفقات الدراسة لأبنائهم في المدارس الحكومية، ومع ذلك لا يجدون مدرسين يقومون بمهمتهم كما يجب.
وفي واقعة أثارت ردود فعل واسعة النطاق، قرر محافظ الغربية، المستشار محمد عبد القادر، وبشكل فردي، اعتبار كافة المعلمين المضربين منقطعين عن العمل، وأحالهم إلى التحقيق، وأوقفهم عن العمل. وقال المحافظ إنه يطبق بذلك المادة 124 من قانون العقوبات، التي تنص على توقيع عقوبة الحبس لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وعام على كل من امتنع عن العمل أو أضر بمصالح المواطنين.
وقد أشاد المصريون، عبر مواقع الانترنت، بالقرار، بينما انتقد المدافعون عن حق الإضراب قرار المحافظ واعتبروه ردة إلى سياسات عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك.
أطرف ما في تعليقات المواطنين المصريين على مواقع الإنترنت ومنتديات الحوار أن عدداً من الآباء والأمهات هددوا بالنزول إلى مدارس أبنائهم وبناتهم بأنفسهم للتدريس لهم بدلاً من مدرسيهم المضربين، معتبرين أنهم سيؤدون المهمة بصورة أفضل من المدرسين!
والمثير في الأمر أيضا أن “موضة” الإضرابات لن تقتصر، على ما يبدو، على المدرسين فقط، إذ إن العاملين بهيئة النقل العام في محافظة القاهرة ينوون تنظيم إضراب عام، يوم الأربعاء، للمطالبة ببعض الامتيازات المادية، وهو ما يهدد بشل حركة أوتوبيسات النقل العام بالقاهرة، وسيلة النقل الرئيسية للبسطاء في مصر.
يُذكر أن الحكومة المصرية سبق وأعلنت أن الموازنة الحالية لم تعد تسمح على الإطلاق بتلبية أي مطالب مادية أو فئوية لمنظمي الإضرابات والمسيرات الاحتجاجية، وآخر هذه التصريحات صدرت عن وزير التعليم، أحمد جمال الدين موسى، الذي قال إن مطالب المدرسين المضربين وحدهم تحتاج إلى توفير ثلاثة مليارات من الدولارات، وهو ما لا يمكن تأمينه قبل عام من الآن، على الأقل.
من جانب آخر، نظم حوالي 300 متظاهر مسيرة من ميدان التحرير إلى مقر مجلس الوزراء، القريب من الميدان، للاحتجاج على تفعيل بعض قانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية للمدنيين.
وفسر البعض ضعف المشاركة في المسيرة برغبة الكثير من النشطاء الاستعداد بشكل جيد لتنظيم تظاهرة جديدة، يوم 30 أيلول/سبتمبر الحالي في ميدان التحرير، ضد قانون الطوارئ، تنتهي باعتصام مفتوح في الميدان لحين إلغاء القانون ووقف إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية.