هاجس القنبلة الذريّة الايرانيّة في عالم القطب الواحد
يكرّرالتقرير “السري” الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول النشاط النووي الإيراني نفس الهواجس التي حملتها تقارير سابقة في هذا الموضوع، لجهة الخوف من عسكرة البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية. لكنه يطرح أسئلة حول قضايا تقنية بحتة تجعل موضوع هذا الخوف مشروعاً من وجهة نظرها.
إلاّ أن الإشكالية التي صبغت محتويات سلسلة من التقارير التي صدرت عن وكالة الطاقة في فيينا، هي في مدى مصداقية ما تطرحه الوكالة كل مرة حول زيادة نشاط تخصيب اليورانيوم وزيادة أعداد أجهزة الطرد المركزي، وتذرّعها المتكرر بعدم إجابة المسؤولين الإيرانيين على «أسئلة عالقة» في هذا البرنامج المثير للجدل.
ففي تقريرها الأخير، الذي صدر مساء الجمعة الماضي، تحدثت وكالة الطاقة عن تصاعد وتيرة عمليات تخصيب لليورانيوم داخل منشأة فوردو (جنوبي طهران) وفي مفاعل ناتانز (وسط البلاد). فقد أشارت الى أن 52 مجموعة من أجهزة الطرد المركزي يضم كل منها نحو 170 جهازاً تعمل حالياً في منشأة ناتنز (ارتفاعاً من 37 مجموعة في تشرين الثاني الماضي) وأن نحو 700 جهاز طرد مركزي تعمل حالياً في منشأة فوردو على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20 في المئة، إلآ انها في تقريرها الربع سنوي اكتفت بالقول بأنها “ما زالت تساورها مخاوف جدية بخصوص أبعاد عسكرية محتملة لبرنامج إيران النووي”.
بيت القصيد هنا، أن طرح هذه المخاوف التي يبدو أنها مجرد تكهنات لا تستند الى حجج منطقية، هدفه استمرار سيطرة أجواء الذعر عالمياً وخليجياً من مشروع إيراني لم يتبلور بعد، في وقت يتم السكوت كلياً عن مفاعلات نووية دخلت حيز العمل منذ عقود في العديد من البلدان، واسلحة تم استخدامها عملياً من قبل «أسياد العالم»، ومن هذه الدول التي يغض المجتمع الدولي النظر عن نشاطاتها النووية من لم يوقع على اتفاقية الحد من انتشار التسلح النووي مثل اسرائيل والولايات المتحدة.
المفارقة أن وكالة الطاقة التابعة للأمم المتحدة، لم توضح حقيقة يمكن الاعتداد بها وهي أن طهران تعتمد في بعض مفاعلاتها النووية درجة تخصيب لا تتجاوز الـ 3.5 في المئة وهي صالحة فقط لتوليد الطاقة الكهربائية وتزويد مفاعل بوشهر بوقود نووي لهذه الغاية، بينما تعتمد درجة العشرين في المئة بغرض الأبحاث الطبية والعلمية في مفاعل طهران، وهي ايضاً درجة لا تسمح مع هذا العدد المتواضع من أجهزة الطرد المركزي بالوصول الى صنع قنبلة ذرية. بيد أن القنبلة الذرية تحتاج الى اعتماد درجة تخصيب تصل الى 95 في المئة وهذا ما لا وجود لأي بينة على تنفيذه في مفاعلات طهران المعروفة من وكالة الطاقة الدولية.
ثمة التباس آخر في التقرير حول كمية من اليورانيوم المخصب في مفاعل طهران تقول الوكالة انها مجهولة المصير لعدم تطابق قياسات أجراها المفتشون الدوليون العام الماضي والكمية التي أعلن عنها مركز الابحاث هذا العام. لكن الخبراء يعترفون بأن هذه الكمية صغيرة ولا يمكن ان تستخدم في انتاج قنبلة لكنهم يشيرون الى امكانية استخدامها في اختبارات متعلقة بالأسلحة. الالتباس في الجواب الايراني الذي نقله تقرير الوكالة حيث يفيد بأن طهران أشارت إلى أن سبب هذا التناقض ربما يكون كمية أكبر من اليورانيوم في النفايات مما قاسها مفتشو الامم المتحدة. وهذا يعني ان الحديث عن كمية مفقودة بواقع 19.8 كيلوغراماً، هو مجرد قضية عالقة وليس دليل على عسكرة البرنامج الايراني النووي.
لقد أظهر تقرير الوكالة الدولية أن إيران أنتجت نحو 110 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب لمستوى 20 في المئة منذ مطلع 2010. في وقت أكد فيه الخبراء النوويون الغربيون بأن إنتاج سلاح نووي يحتاج نحو 250 كيلوغراماً منه.
لكن إصرار الغرب على ملاحقة البرنامج النووي الايراني يطرح العديد من الاسئلة، حول ازدواجية المعاييرفي عالم القطب الواحد بين «أولاد ست» يحق لهم ان يمتلكوا القنابل الذرية والصواريخ العابرة للقارات وبين «أولاد جارية» لا يحق لهم أن يتقدّموا ولو قيد أنملة في موضوع التنمية والبحث عن بدائل في موضوع الطاقة، مع التحفظ على اعتماد هذا النوع من الطاقة من ناحية بيئية طبعاً.
المفارقة أن واشنطن ومن خلفها بعض دول الغرب، يفرضون عقوبات «مشلّة» على الاقتصاد الإيراني، بذريعة عدم انصياعها لرغبة «المجتمع الدولي» في وقف التخصيب وبأن ملالي طهران مجانين ولا يمكن الوثوق بقدرتهم على امتلاك سلاح نووي دون استخدامه، في حين كانت اميركا الدولة الاولى التي استخدمت هذا السلاح في الحرب العالمية الثانية في اليابان وربيبتها اسرائيل استخدمت العديد من الأسلحة والقذائف المحرّمة دولياً في بعض الدول العربية. المسألة مسألة فارق بين هاجس غير متحقق هدفه بث الذعر وواقع موجود بالفعل يتواصل التغاضي عنه.