فرنسا و”دولة فلسطين”: هكذا تراجع ساركوزي عن تعهداته
باريس ــ “أخبار بووم”
يحمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في نيويورك ثلاثة عوامل تشكّل محور الموقف الفرنسي من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. عوامل يحددها المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، برنار فاليرو، بأنها: أولاً حفظ خطوط الرجعة من أجل إكمال طريق التفاوض وصولاً لحل دولتين، ثانياً تجنب أزمة دبلوماسية في الأممم المتحدة، وأخيراً المحافظة على وجدة القرار الأوروبي.
ولكن ما هو موقف فرنسا، وخصوصاً أن “الشارع العربي”، بعد غزوة ليبيا، يعوّل كثيراً على دعمها للسلطة الفلسطينية؟ كما أنه لا يغيب عن بال أحد أن الرئيس الفرنسي قال، في مقابلة مع مجلة «اكسبريس» افي أيار/مايو الماضي: “في حال فشل استئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بانقضاء موسم الصيف، فإن إسرائيل تتحمل مسؤوليتة قضية الاعتراف بدولة فلسطين”.
الموقف الفرنسي اليوم ينتابه غموض كثيف. ويتساءل البعض علناً ما إذا كان اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية يؤثر على قرار ساركوزي، الذي بات يبدو متردداً بدعم ما كان، هو ووزير خارجيته السابق برنار كوشنير، قد روجا له.
وقد يفسّر البعض هذا المنحى على أنه سياسة دعم للفلسطينيين، بينما هو، في الواقع، سياسة دعم قوي لإسرائيل ورئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، “صديق ساركوزي”. فالجيمع يعرف أنه، ومنذ ستة عقود، لم تتغير الأمور، بل زادت تعقيداً وزادت اسرائيل توسعها الاستيطاني. جميع مؤيدي إسرائيل أدركوا أن الدولة العبرية ذاهبة نحو “حائط دولة واحدة ثنائية القومية”، وأنه لم يعد هناك أراض لإعطائها للفلسطينيين. وهو ما دفع “مؤيد إسرائيل الأول في إدارة ساركوزي”، كوشنر، للتنبه لهذا الخطر المحدق، وخصوصاً بعد فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقف الاستيطان، فـ”تشدّق بتهديد إسرائيل” في اجتماع لوزراء الرباعية، انضم إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها، عمرو موسى، ووزير خارجية مصر آنذاك أحمد أبو الغيط، جعل فيه نهاية العام ٢٠١١ حداً لإيجاد دولة فلسطين وإلا “نحن ذاهبون إلى مجلس الأمن”. وبالواقع، فالفكرة «فكرة مصرية» رفعها أبو الغيط ودعمته باريس في حينها. ولكن الأمور بقيت على حالها.
في ١٥ أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، سُئل الناطق باسم وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية، برنار فاليرو، عن الشكل الذي تتمناه فرنسا لمشاركة اللجنة الرباعية الدولية وأوروبا في المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي كانت في طور التحضير تحت الإشراف الأميركي، فأجاب: “… حقاً حان الوقت لكي يقوم الاتحاد الأوروبي أخيراً بدور سياسي من الدرجة الأولى إلى جانب الولايات المتحدة”. وتحدث عن التحضير للقاء كان قد أعلن عنه، ولم يتم، بأنه “مناسبة أيضاً للتطرق إلى تنظيم المؤتمر الثاني للمانحين”، الذي كان يهم فرنسا كثيراً. ولكنه شدد على أن هذا المؤتمر “الذي يغلب عليه الطابع الاقتصادي لن يكون بديلاً عن المسيرة السياسية”، وأضاف أنه يأتي في سياق “أفق إنشاء دولة فلسطين السيدة والمستقلة من الآن حتى نهاية 2011”. واعتبر أن هذا المؤتمر بعداً سياسياً قوياً.
في حينها، واستناداً إلى “تعهدات أوروبية وفرنسية بدرجة أولى”، في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر، تركت الجامعة العربية الباب مفتوحاً لتسمح باستئناف “منظمة التحرير” مسيرة التفاوض، رغم أن اجتماع الوزراء العرب في مدينة سرت في ليبيا في ٨ تشرين الأول/ أوكتوبر، كان قد استنتج الصعوبات المانعة لأي تقدم بسبب التعنت الإسرائيلي.
سرت الآن تحت القصف، وباريس تراجعت عن وعودها مباشرة بعد إطلاقها، قبل الهجوم على ليبيا، وقبل انطلاق الثورة في سوريا، ولكن بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ذكر المستشار الدبلوماسي لساركوزي، دافييد ليفيت، في جلسة مع صحافيين، أن “الشارع العربي تغير”، مبرراً بذلك التهديد بالذهاب إلى مجلس الأمن، إلا أنه استدرك بالقول: “يكفي فقط رجفة بسيطة في اتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات لنترك جانباً فكرة التوجه لمجلس الأمن”.
الرجفة لن تأتي والربيع العربي يدخل في غيبوبة، ما يعني أن الشارع العربي ما عاد ليشكل “شيئاً يخيف”، فقد رُوضت الثورات العربية، ويمكن للفلسطينين الانتظار.
الولايات المتحدة بدورها تعمل على خط موازي للخط الفرنسي، ولهذه الغاية كانت لقاءات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في نيويورك، ولاسيما اجتماعها مع نظيرها الروسي، سيرغي لافروف، الذي ركّز على إصدار بيان عن اللجنة الرباعية الدولية للشرق الاوسط، بهدف تسوية الأزمة السياسية في الأمم المتحدة بشأن طلب انضمام دولة فلسطين.
ويرى الأميركيون أن مجرد حشرهم في زاوية أخذ قرار هو “أزمة”، لأن القرار سيكون “فيتو”، ولأن “الفيتو” يعني كشف مواقف واشنطن المنحازة. ويسعى أعضاء اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي) منذ أسابيع، ليس للتوفيق بين مواقف الاسرائيليين والفلسطينيين، بل لإنقاذ واشنطن من ورطتها الدبلوماسية عبر إصدار إعلان يضاف إلى الإعلانات السابقة في قضة الفلسطينين.
ويدرك الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أن ذهابه نحو مجلس الأمن و”حشر واشنطن” هو مغامرة قد يدفع ثمنها مساعدات مالية سيتوقف تدفقها. وقد أقر بذلك الزعيم الفلسطيني بقوله “إن تلك الخطوة تنطوي على مخاطر على السلطة الفلسطينية”، التي تعتمد على مساعدات مالية دولية لاستمرارها في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل.