الحلول تدخل النفق السوري
باريس- بسّام الطيارة
بدأت انقرة تتلاعب بأعصاب باريس، إذ لوح مصدر ديبلوماسي تركي، اشترط كتم هويته، بأن تركيا «تفكر بمسألة دعوة فرنسا» لمؤتمر «أصدقاء الشعب السوري»، المقرر عقده في اسطنبول في نهاية هذا الشهر. بالطبع مجرد «تسريب» هذا الخبر (وهو ما حصل مع عدة وسائل إعلامية) يهدف قبل كل شيء إلى التلويح بالأوراق التي تمسك بها أنقرة في الملف السوري الذي بات في رأس قائمة اهتمامات الديبلوماسية الفرنسية. وقد «تهكم» وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه من هذه التلميحات ووصفها بأنها «تسريبات لا معنى لها». وكذلك فعل برنار فاليرو الناطق الرسمي في الكي دورسيه، «نظراً لدور باريس في هذا لملف»، وهو يوافق المراقبين على استبعاد هذه الإمكانية بسبب الدور الذي تلعبه باريس منذ انطلاقة الثورة وتأثيرها على المجلس الوطني السوري. بالطبع فإن الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي لا يكف، رغم انهماكه بالحملة الانتخابية، عن الاهتمام بهذا الملف: لم يتردد في وصف بشار الأسد بـ«المجرم والقاتل» في مقابلة تلفزيونية، كما كان على رأس مستقبلي الصحافية المصابة «إديث بوفية» ووصف قمع السلطات السورية لشعبها بأنه «فضيحة»، كما اتخذ قراراً بإقفال السفارة الفرنسية «لأسباب أمنية» كما صرح مصدر مسؤول رداً على سؤال لـ«أخبار بووم». وقد أعلنت السلطات الفرنسية أن السفير إيرك شوفاليه سوف يعود «قريباً» كما هو حال جميع الفرنسيين العاملين، رغم أن ساركوزي ربط إغلاق السفارة باستمرار القمع. كما أن قرار شركة الطيران الفرنسية وقف رحلاتها لا يمكن إلا أن يكون قد حصل على موافقة السلطات الفرنسية التي تملك ١٦ في المئة من أسهمها. وبرر أحد مسؤولي الشركة في باريس هذا القرار بغياب الأمن حيث أن “سلامة الطيران باتت معدومة”.
ورغم أن باريس تحذو حذو لندن وواشنطن في إغلاق سفارتها إلا أن هذه الخطوات تعتبر تغييراً جذرياً في المقاربة الفرنسية للملف السوري. وهذا التغيير مبني على عوامل كثيرة حسب أحد المقربين من هذا الملف. منها تطور الموقف الصيني حيث أوفدت بكين وسيطاً يحمل مبادرة في محاولة للدفع نحو الحوار بين «المعارضات» والنظام. أضف إلى أن روسيا أوصلت للغرب رسائل مفادها أن «سياستها تجاه الملف السوري ليست مرتبطة بانتخابات الرئاسة في روسيا». إلا أن أحد أهم هذه العوامل هو «تطور موقف طهران من الملف السوري» واقترابه من الموقف الروسي الذي يمكن اختصاره بإمكانية التخلي عن بشار الأسد ولكن من دون تغيير النظام ككل للمحافظة على النفوذ الذي يتمتع به البلدان.
ومن هنا عاد الحديث عن «الإنقلاب». وحسب هذا المصدر فإن قطاعات واسعة من الجيش السوري باتت مقتنعة بضرورة العمل على وقف انهيار مكونات الدولة بشكل عام وليس «النظام الأسدي» بشكل خاص. ويتابع المصدر بأن عامل الانتخابات ارئاسية الفرنسية المقبلة تدفع الإليزيه نحو حذر كبير في مقاربة هذا الملف، ويأتي إقفال السفارة ووقف الرحلات ضمن هذه المقاربة منعاً لأي «حادث أو استفزاز» قد ينعكس على الساحة الداخلية مثل “حدوث أي مكروه لأحد ديبلوماسييه أو خطف طائرة فرنسية”.
ويتابع المصدر أن للانتخابات الرئاسية الأميركية أيضاً تأثيراً على مقاربة واشنطن للملف السوري حالياً، وهي تأتي لتصطف إلى جانب عدة عوامل تضيف من تعقيدات الملف بالنسبة للأميركيين ويأتي في مقدمتها العامل الإيراني.
وهنا يرى مصدر ديبلوماسي أوروبي أن «رسالة البرونة أشتون» مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية إلى طهران والتي تعرض فيها «العودة لمباحثات جدية» تأتي ضمن سياق «تأخير معالجة جذرية للملف النووي الإيراني بانتظار جلاء الضباب عن الحالة السورية». ويبدو هذا التحرك وكأنه «تفهم وتفاهم غير معلنين» بين موسكو والعواصم الغربية من ضرورة “اتباع سياسة الخطوة خطوة في الملف السوري التي سوف تقود إلى تغيير لات مفر منه”.
ويضيف المصدر الأوروبي أن واشطن تدرك أن «تحمية الملف الإيراني اليوم» يفتح نافذة في الساحة السورية على فوضى وحرب أهلية لا هوادة فيها، يستفيد منها النظام للمزيد من القمع في محاولة للهروب إلى الأمام، وهي محاولة سوف يستفيد منها فقط «السلفيون الذين يتزايد عددهم على الأرض بشكل ملحوظ» وبات قوة مؤثرة عسكرياً في غياب تنظيم للمعارضات في الداخل وخلل إلى جانب تنافس بين الفصيلين العسكريين المتواجدين على الحدود التركية السورية.
إلا أن واشنطن بعكس العواصم الأوروبية الأخرى لا تريد أن «يتم الانتقال ضمن أجهزة النظام» لأن ذلك يعني ما لا يخفيه الروس والإيرانيون أي «المحافظة على نفوذهما» في بلاد الشام. ولكنها في نفس الوقت تتخوف من انزلاق الوضع نحو سيطرة السلفيين على الوضع وهو ما عبرت عنه هيلاري كلينتون بكل صراحة عندما اعترضت على تسليح المعارضة في إشارة إلى الخوف من القاعدة. لأن واشنطن تدرك أن حرباً أهلية يلعب فيها العامل الطائفي دوراً سوف تقود إلى «تقسيم بالفعل للبلاد في ظل وجود أقليات» بخلاف الحالة الليبية.
وقد بان التردد الأميركي واضحاً خلال استقبال الرئيس باراك حسين أوباما لبنيامين نتانياهو قبل أيام واللغة المزدوجة التي استعملت تجاه الملف الإيراني بين حزم وتهديد وبين تأني في المعالجة. وقد علبت هذه اللغة بوعود انتخابية أمام اللوبي اليهودي «أيباك» والرأي العام الداعم لإسرائيل. ولكن يدرك الأوروبيون حسب المصدر بأن «الحل الروسي» أي تغيير من الباطن قد يكون هو الأنسب حالياً لأنه يقطع الطريق على وصول السلفيين ويدفع الزسد وحاشيته نحو باب الخروج. بالطبع يتطلب الذهاب بعيداً في هذا الاتجاه الضغط على المجلس الوطني السوري لقبول التقارب مع المعارضات الداخلية التي تسعى هي أيضاً إلى حل من هذا النوع و«إسكات المكونات داخل المجلس الوطني التي تطالب بالتسليح وفتح باب التدخل العسكري» ورأى المصدر أن إنشاء «الهيئة العسكرية» يأتي ضمن هذا الإطار.
ومن هنا يتوقع الدبلوماسي الأوروبي ن أن يكون لقاء اسطنبول فاصلاً في الملف السوري يفرز بين المعارضات الراغبة بحل يحفظ الدولة وبين المعارضات التي تريد الفوضى التي تؤمن لها تحسين مواقعها.