السعودية وموعد مع التغيير
قبل سنوات قليلة، كان توقع حدوث اي نوع من الاحتجاج في السعودية، بعيداً عن المنطقة الشرقية التي تقطن فيها الأغلبية الشيعية، أمراً يصعب تخيله. اما منذ اندلاع ثورة الكرامة في تونس ومن ثم انتقالها إلى عدد من الدول العربية، لم يعد في نظر البعض من وجود لشيء اسمه المستحيل.
ولعل خروج السعودية عن صمتها حيال الأحداث في ليبيا وسوريا، واتخاذها مواقف مناهضة لنظامي معمر القذافي وبشار الأسد على عكس مواقفها من نظام الرئيسين المخلوعين في تونس زين العابدين بن علي ومصر حسني مبارك، أو حتى دعمها لتسوية سياسية في اليمن جعلها تصبح طرفاً في الحراك العربي على الأقل من خلال تدخلها في شؤون هذه الدول.
أما دخول السعودية إلى دائرة الاحتجاج من باب معايشتها احتجاجات مماثلة لما يحدث في البلدان العربية، صحيح أنه أمر لم يسجل حتى اللحظة لكن لا يمكن اغفال أن البيئة السعودية قابلة لمثل هذا الحدث، وبالتالي لا بد من توقعه.
فعلى الرغم من كل ما يشاع عن وجود نسبة كبيرة من المحافظين في المجتمع السعودي ترفض التغيير، فإن الشعب السعودي يتقاسم مجموعة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بات التذمر منها يسير جنباً إلى جنب مع التذمر من المشاكل السياسية.
البداية مع احتكار السلطة في يد قلة من أمراء ال سعود، تتولى احكام قبضتها على الحكم وممارسة مختلف الأساليب للحيلولة دون بروز أي منافس لها. والمملكة التي لا تتمتع بدستور يحكمها، تقتصر الانتخابات فيها على المجالس البلدية في حين ينتظر السعوديون موعد انتخابات مجلس الشورى القادمة ليمارسوا لأول مرة في تاريخهم حق انتخاب نصف أعضاء المجلس الذي يحظى بصفة استشارية ولا يتمتع بأي دور سياسي فاعل. وهو أمر يثير انتقادات واسعة في أوساط الناشطين السعوديين الذين لا يزال إلى اليوم يقبع قسم منهم في السجون من دون محاكمات أو خضعوا لمحاكمات صورية أسفرت عن صدور أحكام بسجنهم لمجرد مطالبتهم بحصول انفتاح سياسي في المملكة يؤدي إلى منح المواطن السعودي بعضاً من الحقوق والحريات المفترض أن يتمتع بها.
وكنتيجة طبيعية للاحتكار السياسي، كان لا بد أن تطفو إلى السطح مشاكل نهب المال العام من دون حسيب أو رقيب، بعدما غرقت البلاد في دوامة من المحسوبية والفساد أدت إلى تضخم أكلاف المشاريع وحتى فشل بعضها. وما الفضائح التي سجلت في السنوات الماضية سوى القمة التي تطفو من جبل جليد الفساد المتراكم، والذي تزامن أيضاً مع اتساع نطاق مشاكل اخرى بينها معدلات البطالة المرتفعة، والتفاوت الكبير في معيشة السعوديين.
هذه المشاكل التي كانت آلة القمع السعودية تحول دون أن يجرؤ أي طرف على رفع صوته عالياً منتقداً إياها، باتت أكثر قابلية للنقاش العلني بعد الاحتجاجات العربية التي جعلت من زمن السكوت يذهب إلى غير رجعة.
وهو ما يساعد على تفسير عدد من الظواهر التي بات من الممكن ملاحظتها في السعودية خلال الأشهر الماضية. أحدث هذه الظواهر، الاحتجاجات داخل الجامعات السعودية التي تفجرت في أبها الأسبوع الماضي من قبل طالبات الجامعة المعترضات على تردي الخدمات وسوء تعامل الادارة قبل أن تتوسع لتشمل جامعات أخرى، دافعةً السلطات السعودية إلى شن حملة اعتقالات في أوساط الطلاب الذكور دون الاناث لاداركها لحساسية مثل هذه الخطوة وامكانية أن تؤدي إلى مفاقمة مشاعر الغضب وخصوصاً بعدما أظهرت الأشرطة المصورة عناصر الأمن يقتحمون الحرم الجامعي للاناث دون انذار مسبق في الوقت الذي كانت فيه العديد من الطالبات من غير حجاب.
واللافت أيضاً أن الامتعاض لم يقف عند حدود الطلاب، بل وصل الأمر إلى حد قيام أعضاء في هئية التدريس داخل الجامعة بتصوير مستندات تظهر سوء استغلال مدير الجامعة لمنصبه، في حين سجل لأول مرة في تاريخ الحركة الطلابية السعودية اللجوء إلى الاضراب داخل الجامعات للتعبير عن الاحتجاج من أوضاع الجامعات وأسلوب السلطات في التعاطي مع الأزمة.
لكن هذه الحادثة لم تكن يتيمة، فقبل فترة وجيزة وتحديداً في التاسع عشر من شهر شباط/ فبراير تم الاعلان عن انشاء حزب الكرامة. وعلى الرغم من ادارك مؤسسي الحزب أنهم لم يمنحوا اي ترخيص، فإن الخطوة تحمل في طياتها تحدياً اضحاً للسطات.
أما ملف السجناء السياسيين فقد عاد إلى النور من جديد بعد الدعوة التي وجهتها جمعية الحقوق المدنية والسياسية السعودية “حسم” إلى تنفيذ إضراب رمزي عن الطعام يومي الخميس والجمعة المقبلين تضامناً مع الناشط الحقوقي محمد بن صالح البجادي، المعتقل منذ عام لكشفه قضية مقتل المقيم اليمني سلطان عبده الدعيس تحت التعذيب في معتقل تابع للمباحث العامة بالقصيم.
هذه التطورات، إن دلت على شي فليس بالتأكيد على وجود وعي مستجد في الشارع السعودي لضرورة مطالبته بحقوقه على اعتبار ان مجموعة كبيرة من المثقفين والناشطين لطالما رفعت طوال السنوات الماضية لواء الدفاع عن الانفتاح السياسي. ولذلك، يمكن القول إن ما يجري يدل على حصول تطور في مستوى استعداد الشارع السعودي للتعبير عن اعتراضه، الأمر الذي يمكن معه القول أن المملكة باتت في حكم المؤكد على موعد مع تغيير قادم، طال موعده أو قصر، وخصوصاً أن مصدر الامتعاض هذه المرة ليس”الأقلية الشيعية” التي غالباً ما تصفها السلطات السعودية بالمضللة وتصوغ الاتهامات لها بالولاءات الخارجية في محاولة لمنع باقي أطياف المجتمع من التعاطف معها أو التعاون معها. فالاعتراض هذه المرة يأتي من فئات شعبية يجمعها الامتعاض والرغية في التغيير. أما لجوء السلطات، وتحديداً وزارة الداخلية إلى التوعد بمواجهة أعمال “الإرهاب” بمنتهى الشدة والحزم، ووصف المتظاهرين بـ”القلة المغرّر بها” فقد أثبتت الاحتجاجات العربية طوال الأشهر الماضية أن هذه الاتهامات لم تكن في اي لحظة قادرة على تبديل المشهد أو اخافة المحتجين. فمتى ما تفجر الطوفان لن يكون بمقدور أحد الوقوف بوجهه.