“البعبع الايراني” في اليمن حقيقة وليس وهماً
بعد البحرين، السعودية، لبنان وسوريا، انتقل الحديث عن “البعبع” الايراني إلى اليمن. فالمقال الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام على صفحتها الأولى تحت عنوان “بتسليح المتمردين اليمنيين ايران تسعى لدور أكبر في الشرق الأوسط”، كان بثمابة اشارة واضحة من الولايات المتحدة بأنها تراقب عن كثب التحركات الايرانية في اليمن وبأن ساحة المواجهة التالية ولو بالوكالة بين ايران وخصومها في الشرق الأوسط وإلى جانبهم الولايات المتحدة ستكون في اليمن.
صحيح أن الحديث عن نفوذ ايراني في اليمن قديم، وخصوصاً أن جماعة “أنصار الله” بقيادة عبد الملك الحوثي تلاحقها تهمة الانتماء إلى ايران وتلقي الدعم منها، إلاّ أن عودة الحديث عن النفوذ الايراني هذه المرة يتزامن مع مؤشرات واضحة على أنه لم يعد يقتصر على الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق متاخمة للحدود السعودية. فإيران اليوم، أصبحت تتمتع بنفوذ ولو بالوكالة أيضاً في كلٍ من تعز وجنوب اليمن.
في تعز، يسود همس كثير عن شراكة مستجدة بين الحوثيين وبعض قيادات الحزب الاشتراكي.البعض من السياسيين اليمنيين يتحدث بصراحة عن هذه التطورات مشيراً إلى أن تمدد الحوثيين إلى تعز، لو كان فقط سياسياً بوصفهم أحد الأطراف اليمنية الفاعلة في البلاد لما اعترض أحد، لكن المشكلة تكمن في أن التمدد يخفي “عسكرة للمدينة” لأهداف خارجية وهنا مكمن الخطر. اما لماذا تعز دون غيرها، فالجواب يتضح بالنظر إلى خارطة اليمن، حيث يتبين أن تعز تطل من الغرب على البحر الأحمر. لكن الأهم أن المحافظة التي توصف بأنها العاصمة الثقافية لليمن ويتمركز فيها أعلى نسبة من سكان البلاد تشرف على مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن وهو ما يفسر الهلع الذي يصيب الولايات المتحدة والدول الخليجية. وتتخوف هذه الدول من أن امتلاك طهران لنفوذ في هذه البقعة الجغرافية سيسمح لها باللعب في الفناء الخلفي للدول الخليجية، ويجعل مرور الامدادات النفطية في خطر وخصوصاً أن ايران لم تتردد بالتهديد باقفال مضيق هرمز وبالتالي لن تتردد متى ما أصبحت المعطيات لصالحها في نقل هذا التهديد إلى مضيق باب المندب من خلال نفوذها في تعز.
أما نقطة النفوذ الاضافية في اليمن، فنجحت إيران في تفعيلها من خلال اللعب على وتر القضية الجنوبية ومطالبات التيار المتشدد في الحراك الجنوبي بفك الارتباط عن شمال اليمن، والعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل الوحدة في العام ١٩٩٤.
وفي مواجهة كل من الرئيسين السابقين علي ناصر وحيدر أبو بكر العطاس اللذين يتبنيان الخيار الفدرالي وتلاحقهما تهمة تلقي الدعم السعودي، لم يجد نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم من خيار افضل من إيران للاحتماء السياسي الاقليمي بها.
وفي السياق، شهدت العلاقة بين طهران والبيض تقدماً ملحوظاً ابتداءً من العام الماضي، كان يمكن رصده على أكثر من صعيد. في جنوب اليمن، يتداول ابناء المحافظات الجنوبية تفاصيل كثيرة عن توطد هذه العلاقة وأساليبها. ويدافع البعض عن صوابية خيار البيض على اعتبار أن مطلب فك الارتباط يحتاج إلى دعم خارجي اقليمي وليس هناك من دولة اقليمية مستعدة للوقوف بوجه السعودية سوى أيران. في المقابل، يحذر آخرون من خطر الاحتماء بايران على القضية الجنوبية وامكانية خسارة دعم دولي محتمل.
ويشير بعضهم إلى حادثة للدلالة على أن الحديث عن دعم ايراني ليس مجرد وهم. وتقول هذه الحادثة، انه في أثناء التحضير لمؤتمر التصالح والتسامح الجنوبي، الذي انعقد في كانون الثاني/ يناير تسرب إلى مجموعة من أنصار الحراك الجنوبي، أنباء مؤكدة عن ارسال البيض لاحدى الشخصيات الجنوبية عبر طرف ثالث مبلغاً محدداً من المال وتكليفه بالقاء كلمة في الحفل تهاجم السعودية وتشكر ايران على دورها في دعم القضية الجنوبية. وعلى الاثر، قامت هذه المجموعة بزياة الشخصية الجنوبية وابلاغها بأنهم اطلعوا على تفاصيل طلب البيض محذرين اياها من المضي قدماً في هذا التوجه ومحاولات جر الجنوب قسراً باتجاه ايران لتنتهي المسألة عند تراجع الشخصية الجنوبية عن كلمتها.
كذلك، تتحدث معلومات أخرى عن لقاء عقد قبل فترة ليس بالطويلة بين الايرانيين وبعض الشخصيات من التيار المتشدد في الحراك الجنوبي التي طلبت الحصول على مختلف أنواع الدعم الممكنة. من جهتها، وافقت ايران، لكنها اشترطت جعل الدعم يمر عن طريق الحوثيين وهو ما أثار حساسية البعض في الحراك دون أن يؤثر ذلك على العلاقة المتنامية مع طهران.
وإن كان الدعم الايراني لتيار البيض في الجنوب لا زال في مراحله الأولى، إلاّ أن الاحتضان السياسي من ايران لنائب الرئيس اليمني كان يمكن تلمسه بوضح خلال الأشهر الماضية. فالبيض الذي أمضى أشهر طويلة مؤخراً في بيروت، لم يكن خافياً على أحد أن حزب الله تولى مهمة اعادته إلى الأضواء وتدبير مواعيد له مع أبرز القيادات السياسية اللبنانية وتحديداً رئيسي مجلس النواب والوزراء، نبيه بري ونجيب ميقاتي، فضلاً عن رئيس التيار العوني ميشال عون.
أما الأهم، فيبقى التمويل الايراني الذي قدم في الاونة الأخيرة لانشاء قنوات اعلامية تتبنى القضية الجنوبية، انطلاقاً من العاصمة اللبنانية بيروت، ليكون بذلك الحديث عن دور ايراني في اليمن أمراً لا يمكن لاحد انكاره.
لكن المعضلة، تبقى في أن السياسيين اليمنيين الذين ينتقدون دعم طهران لأحزاب وتيارات سياسية في شمال اليمن أو جنوبه، ليسوا أقل ارتهاناً للخارج وتحديداً السعودية، جارة اليمن وعدوها الأول في نظر معظم أبناء الشعب.
وهو الشعب نفسه، الذي يطالب اليوم مختلف سياسييه بمحاولة الحد من ارتهانهم للخارج واظهار ولو القليل من الولاء لليمن والمساهمة في حل مشاكله المتراكمة عوضاً عن السماح الأطراف الخارجية باستخدامهم لتلبية مصالحها عل حساب وحدة اليمن واستقراره وعدالة قضية التغيير التي خرج جزء كبير من الشعب ليطالب بها قبل عام مقدماً مئات الشهداء، من دون أن يتمكن إلى اليوم من القصاص لهم بفعل ارتضاء نفس السياسسيين السير بالمبادرة الخليجية التي صنعت في السعودية ونفذت في اليمن.