اجتماعات سرية تسبق مؤتمر أصدقاء سوريا
باريس – بسّام الطيارة
بعد فرنسا، تتجه تركيا إلى تغيير مقاربتها للملف السوري. بالطبع مثلها سوف تستعمل الأداة الوحيدة في متناول يدها لتحقيق هذا التغيير في نمط التعامل مع الملف، ألا وهو «الضغط على المعارضة التي تمون عليها»، كما ذكر لـ«أخبار بووم» دبلوماسي عربي مقيم في باريس، أي المجلس الوطني السوري بشكل أساسي. وتأتي «ضرورة التغيير» لمواكبة موازين القوى الجديدة على الأرض في سوريا وفي مجلس الأمن، وبعد أن «أظهر النظام قدرة على استيعاب الانتفاضة لم تكن بالحسبان»، حسب قول الدبلوماسي.
بات ترتيب أوضاع المعارضة قبل استحقاق موعد «مؤتمر أصدقاء سوريا 2» ضرورة قصوى، وخصوصاً أن «أجواء الجامعة العربية يمكن أن تتغير أيضاً بعد أن يستلم العراق زمام إدارة اللجان الوزارية العربية».
وفي هذا الإطار اجتمع وزير خارجية تركيا، أحمد داوود أوغلو، مع عدد من الدبلوماسيين العرب للاستماع إلى آرائهم واستشفاف توجهات الجامعة العربية في الأسابيع المقبلة، إلا أنه نقل لهم أيضاً تصميم أنقرة على «ضبط أمور المعارضة السورية»، بدءاً بالمجلس الوطني الذي يعاني تشققات وانفصالات وانسحابات يمكنها أن تنعكس سلباً على موتمر أصدقاء الشعب السوري المزمع عقده في مطلع نيسان/أبريل المقبل في اسطنبول.
وعلمت «أخبار بووم» أن عدداً من قيادات المجلس الوطني قد «دعي» إلى اجتماع تمهيدي على يومين يوم السبت المقبل (في ٢٤ الشهر الجاري) ويوم الاثنين (في ٢٦ منه). وشرح مصدر دبلوماسي عربي اطلع على محضر اجتماع داوود أوغلو مع الدبلوماسيين العرب أن هذا الأخير شدد على أن «أنقرة تريد دعم المجلس وليس تغييره». وتابع بأن السلطات التركية لا تريد أي تعديل على هيكلية المجلس كما يطالب عدد من المنشقين عنه، وأنها «فقدت ثقتها بالذين غادروا المجلس». وأضاف بأن عودة هؤلاء إلى نشاط مقبول من تركيا مشروطة بإعلان صريح لا مواربة فيه بدعم المجلس كما هو، على أن «تتم الإصلاحات داخل البيت الواحد وليس على صفحات الإعلام».
ويبدو أن أنقرة تتخوف بشدة من «نزع شرعية المجلس الوطني»، الذي كانت وراء إطلاقه ودعمه إقليمياً ودولياً. ويرى الدبلوماسيون الأتراك أن «مطلب الجامعة العربية إجراء حوار بين مجمل المعارضات قد تجاوزه الزمن»، وأنه مطلوب من المعارضات التي هي خارج المجلس أو التي خرجت من المجلس «دعم المجلس بشكل مطلق ومن دون تردد، وأن النظر في تمثيلية المعارضة ونسبها في الداخل أو في الخارج هي مسألة «ثانوية». واعترف الأتراك بأن هذه المقاربة «غير ديموقراطية» ولكنهم يتحججون «بخطورة الأوضاع الإنسانية».
وذكرت مصادر موثوقة لـ«أخبار بووم» أن أنقرة سوف تبدأ بحجب المساعدات التي تقدمها للمنسحبين من المجلس الوطني، وبشكل خاص من «هيثم المالح وتياره الجديد»، بما فيهم الذين أعلنوا «تحفظهم على عمل المجلس الوطني وإن هم لم ينسحبوا منه. ويرى بعض المعارضين المتواجدين في تركيا، وفي أوروبا، أن الضعوط التركية المتزايدة يمكن أن تدفع بعض أجنحة المعارضة إلى مغاردة تركيا إلى مصر، حيث أن حركة الإخوان المسلمين تلوح لها بتسهيلات كبيرة على كافة الصعد، وخصوصاً وأن مصر لا ترى بعين الرضى «هيمنة تركيا من جهة والعراق من جهة أخرى على الملف السوري».
أما الانفتاح على معارضة الداخل فسوف «يأتي تحت سقف هذه الشروط»، وهي تتلائم بشدة مع ما لمح إليه وزير الخارجية الفرنسي ألآن جوبيه بقوله بضرورة أن يكون «الانفتاح على المعارضات إشراكي» أي أن تنصهر في داخل المجلس الوطني. ومن هنا وجهت السلطات التركية دعوة إلى هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديموقراطي، التي يرأسها حسن عبد العظيم في الداخل وهيثم مناع في الخارج، ولمحت لها بالشروط المذكورة، إلا أنها وضعت شروطاً إضافية، وهو إعادة النظر بعضوية الحزب الديموقراطي الكردستاني لعلاقته بحزب العمال الكردستاني المفترضة، و«التخلص من الخطاب النقدي للثقل الإسلامي» في المجلس الوطني والكف عن «التلويح بالخطر الذي يمكن أن يصيب الأقليات» القومية والدينية في سوريا.
الحراك التركي يواجه عدة محاذير مرتبطة بعوامل إقليمية ودولية متعددة، أبرزها موقف قطر تجاه «تراجع دورها» وانعكاس موقفها على حلفائها الدوليين، وفي مقدمتهم فرنسا. وفي هذا الإطار يرى الدبلوماسي العربي أن «الدوحة ليست راضية تماماً على التغيير الطفيف في موقف باريس من إقصاء بشار الأسد». كما أنها أظهرت امتعاضاً من كون «باريس لم تلحق دعوتها لتسليح المعارضة»، وهي اليوم ترى الملف ينتقل إلى أيدي بغداد التي يمكن أن يكون لها حسابات إقليمية مع طهران وأنقرة لا تتماشى البتة مع «الدبلوماسية الصدامية» التي تتبعها الدوحة. وقد تفتح هذه العوامل باب تغيير في عضوية الكتلة العربية (الأردن والمغرب وقطر والمملكة السعودية وتونس ودولة الإمارات) بحيث تحل ليبيا محل الإمارت، التي أبدت تحفظاً على حراك المعارضة على أراضيها. أما خلف الكواليس فإن المباحثات السرية تدور مع الأردن لتسهيل عبور الأسلحة عبر حدوده ولإقامة «معسكرات تدريب إلى جانب مخيمات إنسانية» والإفراج عن العسكريين السوريين المنشقين المحتجزين. إلا أن مصادر دبلوماسية عربية تقول إن «الأردن متحفظ جداً خوفاً من ردة فعل سورية على أراضيه».
ومن هنا تسعى تركيا إلى تحضير «محكم وصارم» لإنجاح مؤتمر أصدقاء الشعب السوري لتجنب «النتائج الفضفاضة” التي خرجت من المؤتمر الأول في تونس. وكشف الدبلوماسي العربي أن أنقرة تسعى إلى جعل مقرارت المؤتمر المقبل «مرجعية سياسية للحقبة المقبلة» يحملها المجلس الوطني السوري كـ «ممثل شرعي ووحيد للشعب السوري»، وهذه المقررات سوف تتضمن مبادرة الجامعة العربية وخطة كوفي أنان المؤلفة من ست نقاط، والتي حصلت على دعم دولي في البيان الرئاسي الأخير، والطلب من المجتمع الدولي «الاعتراف بالمجلس الوطني» بشكل مبرم لا عودة عنه.
وقد فتحت أنقرة حواراً عبر عدة قنوات مع موسكو في محاولة لقبول روسيا الحضور إلى اسطنبول لتجلس إلى جانب من وافقتهم على إصدار بيان رئاسي، أي فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا. حتى اللحظة فشل الحوار بتغيير رأي الكرملين، لا بل على العكس، فإن موسكو وجهت دعوات إلى معارضة الداخل ممثلة بهيئة التنسيق لزيارة العاصمة الروسية.