علي مشيمع لـ “أخبار بووم”: نظام البحرين غير قابل للإصلاح
– المتخلّف عن مطالب الثورة لن يجني شيئاً
– كلفة إسقاط النظام في تقديري أقل ثمناً من إصلاحه
– الشعب يصرّ على خطابه الوطني ويرفض الدخول في الحرب الأهلية
– لا يوجد افق لأي مصالحة مع النظام الديكتاتوري المستبد
علي مشيمع (29 عاماً)، هو ابن الزعيم البحريني الوطني حسن مشيمع، المعتقل حالياً في السجون البحرينية بسبب آرائه السياسية المعارضة. وهو هدفٌ للسلطات البحرينية، التي وجهت إليه اتهامات وصلت الى تدبير انقلاب ضدّ النظام، وأصدرت بحقه أحكاما عالية. علي مشيمع يعيش حالياً في المنفى بلندن. يُعتبر علي من أبرز القيادات الشابة التي تقف وراء الحراك الاحتجاجي الذي تشهده شوارع المملكة منذ أكثر من عام. يوضح من خلال هذه المقابلة الأسباب التي دفعت من توصف بـ “المعارضة المتشددة” الى رفع سقف المطالب الى اسقاط النظام، ويشير الى الدور المزدوج التي تلعبه السعودية في البحرين وسوريا، ويؤكّد أن شعبي البلدين هم ضحايا الدكتاتوريات.
وفي ما يأتي نص الحوار:
– كيف هو بداية وضع الوالد الصحي؟ وماذا عن زياراته في السجن، العائلية وغيرها؟
– الحالة الصحية لوالدي تؤرقنا دائما فهو ومنذ اعتقاله لم يتلق الرعاية الصحية، بل تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، وحقن بجرعات مريبة لم يعرف محتواها والمسؤول عنها وقد قيل له أن المرض الذي يعاني منه قد عاود إلى جسمه، وما زاد في خوفنا وقلقنا هو مماطلة المسؤولين الأمنيين في أخذه للمستشفى والإكتفاء بالوعود الفارغة، إضافة لظهور بعض العوارض الخطيره عليه كالتعرق من أسفل جسمه، وهو الآن مر عليه أكثر من ستة شهور من دون علاج.
يسمح للأهل بزيارته ورغم مرضه وسجنه إلا أنه يتحدث بكلام الواثق والمنتصر، ويبدي للأهل معنوياته المتفائله بالمستقبل.
– مر أكثر من عام على الانتفاضة في البحرين، والأزمة تراوح مكانها، فلا استطعتم هزّ النظام أو انتزاع اصلاحات، ألا ترى أن السقف العالي لمطالب المعارضة المتشددة هو من أوصل الأمور الى هذا الحدّ؟
– أولاً: إن مطالب الشعب ونضاله السياسي منذ عشرات السنوات تتلخص في الإصلاح ولكنها لم تلق أذناً صاغية، بل إن الأمور زادت تعقيدا وقوبلت كل المناشدات بمزيد من الظلم والغرور.
ثانياً: إن دعوات الحوار والتفاوض والمطالبة بالإصلاحات تضاعفت بعد انطلاق الثورة التونسية والثورة المصرية قبل انطلاق الثورة في البحرين، ولكن الحكم صم آذانه كالعادة واستمر في منهجه القمعي وكان يعتقل الرموز الوطنية ويصدر الأحكام القاسية معتقدا في نفسه السيطرة الكاملة وغير آبه للغة العقل والحكمة.
ثالثاً: إن الثورة، وبعد انطلاقها، بقت متواضعة ولم ترفع سقف المطالب، ولكن الحكم أيضاً تجبّر إلى الحد الذي استهتر فيه بدماء الناس واستخف بأرواحهم الأمر الذي فرض القناعة عند المواطنين بأن هذا النظام غير قابل للإصلاح.
رابعاً: إن معاناة الشعب البحريني أطول أمداً من الشعوب التي شهدت ثورات، وأكثر ضريبة دفعت طالت معتقدات الشعب ومقدساته وأعراضه وخرق سيادته ولا يجوز أن يكون هذا الثمن بأقل مما توصلت إليه الشعوب التي أسقطت رؤوس أنظمتها.
خامساً: إن السقف العالي على حد تعبيركم لم يكن مبرراً لهدم المساجد واحتلال البحرين، وهو منطق ليس له مكان لا في السياسة ولا القانون ولا الشرع، ولكنه كشف دموية هذا النظام وتسلطه واستخفافه بأرواح الناس للعالم، وعزز من قناعتنا وزاد من اصرارنا على ضرورة مواصلة الصراع حتى تحقيق النصر.
سادساً: وبعد عام على انطلاق الثورة واحتلال البحرين فقد أصبح من الواضح أن النظام لا يؤمن بأي إصلاح، ولا يفهم له أي معنى. وقد عجزت وفشلت المعارضة المنادية بالإصلاح من إقناع أحد في الحكم بهذا المطلب أو المنطق. ولم نعد اليوم في وارد الحديث عن الاستحقاقات السياسية وإنما الشعب يدافع اليوم عن سيادة أرضه ويقاوم مشروع إبادته.
سابعاً: مطلب إسقاط النظام ليس مطلباً خاص بالمعارضة “المتشددة”، حسب تعبيركم، وإنما هو مطلب شعبي يتردد في كل أرجاء البحرين كل يوم وليلة منذ أكثر من عام وسيبقى إلى أن يتحقق هذا المطلب، وأن أول من تحدث بهذا المضمون هي والدة الشهيد الأول، وقبل أن تنظر المعارضة لمطلب اسقاط النظام أعلن الشعب قراره.
ثامناً: لو لم تهز الثورة الشعبية في 14 فبراير نظام الحكم لما جاءت الجيوش المحتلة من أكثر من بلد لدعم هذا النظام الذي سقط من نفوس الناس وأصبح في عزلة عن شعبه، ولو لم يهتز النظام لتوقفت الوفود الأميركية الرفيعة المستوى من زياراتها ومؤامراتها الفاشلة لإجهاض الثورة، ولو لم يهتز النظام لما احتاج إلى كل هذا العسكر والمدرعات والقوات الهائلة لقمع الأحياء بشكل يومي منذ عام ولحد الآن.
تاسعاً: حق البشر في هذا الوطن وفي كل مكان أن يختاروا نظام حكمهم ورئيس دولتهم، ولا يجوز تبرير الحكم الديكتاتوري في هذا الزمن المتقدم، والحرية لا تنال بالمجان والشعب يدرك أن طريق الحرية معبدٌ بالأشواك، ولكنه ينتهي بلا شك بالنصر والظفر إذا اعتمد الشعب فيه على قوته دون التدخل الخارجي.
عاشراً: من خلال التجربة، التي أثبتتها الثورات التي انطلقت في بداية العام 2011، فإن الأنظمة الفاسدة لا يمكن إصلاحها، والمتوهمون بإصلاحها يمشون وراء سراب لا يأخذهم إلا إلى مزيدٍ من العبودية، ويساهمون بحسن نواياهم في فرض الأنظمة الديكتاتورية وجعلها كأنها واقع وقدر وقرارٌ سماوي، وهذا ما يرفضه المنطق الثوري ويدحضه عبر التجربة العملية التي أسقطت أنظمة الحكم بأدوات غير واقعية كما يعبر عنها بعض الحالمين بإصلاح الأنظمة المستبدة.
– كيف تنظر الى الوضع الميداني حالياً؟ من يمسك زمام الأمور شباب «14 فبراير» أم المعارضات السياسية المرخصة وفي المقدمة «الوفاق»؟
– أتصور بأننا تجاوزنا مرحلة التسميات والأحزاب وبدأنا ننشد الأهداف والمبادئ والمتمسك بخيارات الثورة ومطالبها هو المنتصر، والمتخلف عنها لن يجني شيئاً.
– مطلب إسقاط النظام في البحرين، بات مطلباً غير واقعي لأسباب إقليمية وداخلية، ألا ترى أن التمسك بهذا السقف يزيد من تعقيد الأزمة؟
– غير الواقعي هو مطلب إصلاح النظام ولأسباب عديدة، منها ما ذكرتم من أسباب إقليمية وداخلية، وكلفة إسقاط النظام في تقديري أقل ثمناً من إصلاحه، والأسباب الإقليمية شماعة تستخدم لتدجين الشعوب المستضعفة، ولم تعد هذه الأدوات نافعة أو مقنعة.
– ألا ترى أن النظام قام بالعديد من المبادرات الإيجابية، كإنشاء لجنة تحقيق، وإطلاق مباردة حوار؟ وما رأيك بالمبادرة الأخيرة للحوار؟
– كل ما قام به النظام من ترقيعات إعلامية ومراسيم واجراءات فارغة رغماً عن انفه وليس برضاه، ذلك لأن صمود الشعب فرض عزلة على النظام اضطرته إلى أن يطلق بعض الوعود بعد اقراره واعترافه مرغماً على بعض الجرائم التي قام بها. المبادرة الحالية كسابقاتها، بل هي أسوأ، لأنها مبادرة اتت بعد دمار وقتل وسجون واحتلال وكالعادة مبادرة للتفاوض على فتات الحقوق مع استمرار القمع والهيمنة فلا شيء جديداً والواقع أصدق قولاً.
الشيء الثاني، ما الذي تغير منذ العام الماضي؟ كانت السجون تغص بالمعتقلين وما زالت، وكانت القرى تتعرض للاعتقالات وإلى الآن، وكانت المنازل تقتحم ولحد هذه اللحظة، وكانت المساجد تهدم وتتعرض للتخريب ولم تتوقف هذه الاعتداءات، وكانت النساء لا تأمن على أعراضها وإلى اليوم يتم الإعتداء على الحرائر، وكان الجرحى يمنعون من العلاج وإلى الساعة لا يتداوى الجرحى إلا في المنازل بأدوات بدائية، وكانت البحرين محتلة وما زال جيش الاحتلال متربعاً على صدر هذه الجزيرةـ فعن أي مبادرة إيجابية ولجنة تحقيق تتحدثون؟
– هل طُلب منك أن تُسقط المقولة الطائفية عن انتفاضة الشعب البحريني والتي روج لها المعادون لها، كيف تفعل ذلك؟
– رغم المحاولات البائسة التي عمل عليها النظامان السعودي والبحريني وابواقهما الإعلامية، ورغم هدمهما للمساجد وقتلهما مواطنين شيعة على خلفيات مذهبية، إلا ان الشعب أصر على خطابه الوطني ورفض الدخول في الحرب الأهلية ولم يستسلم لهذه المؤامرة. فلم تشهد البحرين ولا حالة واحد فيها أن شيعياً قتل سنياً لأنه سني، ولا العكس من هذا أيضاً، وتمسك الشعب بذات الشعارات التي رفعها في بداية انطلاق ثورته والتي تشيد بالوحدة بين فئات الشعب. وكل ما عدا ذلك من مقولات يحتاج فيها المدعي لإثبات ادعائه.
– لنفترض أنه كان هناك مشروع مصالحة وطنية شاملة في المملكة، تدخل فيها جميع الأطراف ودُعيتم اليها، هل تعتقد أن معارضة لندن ستقبل بها؟ وبأي شروط؟
– لا يوجد افق لأي مصالحة مع النظام الديكتاتوري المستبد، والحوار الحقيقي والجاد إنما هو مع ابناء الوطن لبناء الوطن وليس مع القتلة والمعذبين.
– وُجهت اليك في أكثر مرّة تهمة محاولة قلب النظام، وتدريب خلية في سوريا بدعم ايراني لهذا الهدف، لماذا يسوق النظام هذه الاتهامات ضدّك؟ فقط لمجرد كونك معارضاً، أم أن هناك أسباباً أخرى؟
– هذه التهم وجهت لأطفال في البحرين لا تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر أو الخامسة عشر، وذات التهم وجهت لكل النشطاء ولكن بتفاوت، وباعتقادي أن النظام يستخدم سياسة اكذب حتى يصدقك الناس، والاتهامات المتكررة لي إنما تأتي لتطبيق هذه السياسة الفاشلة والغبية.
– كيف ترى الحراك في سوريا، ألا ترى أن هناك تشابهاً في الظلم الذي حلّ بالانتفاضتين لجهة عدم مساندتهما لأسباب طائفية؟
– من غرائب وعجائب الدهر أن السعودية احتلت البحرين لقمع الثورة ومساندة النظام الحاكم ولدعم الديكتاتورية، وفي سوريا فإن السعودية تعد جيشها الفاشل لإسقاط نظام الحكم وفرض “الديموقراطية”، وفي كلا الحالتين يدفع الشعبان الثمن.