ثائرات حي القدم الدمشقي واثقات من اسقاط النظام
أهالي حي القدم الدمشقي، على رغم تعرضهم للحملات الأمنية منذ اندلاع الثورة السورية منذ أكثر من عام، لا يبدو أن عزيمتهم لانت، أو تغيرت قناعاتهم التي رسختها المعاناة الناجمة من الاعتقال والتعذيب والقتل، الذي راح ضحيتها الآلاف بين قتيل وجريح ومعتقل وملاحق. يواصل أبناء الحي وبناته مظاهراتهم السلمية، ويحتضنون المهجرين من المدن والقرى السورية التي أخضعت للحل الأمني و”الحسم” الذي يجاهر به النظام, ورغم كون الرجال والشبان هم المستهدفون بشكل أساسي بالملاحقة والاعتقال والتصفية، يبرز دور المرأة في يوميات الثورة، لوجستياً وتقنياً.
تروي لنا أميرة كيف اقتحم الأمن بيتها لاعتقال شقيقها الناشط الإعلامي، وكيف أثاروا الرعب والهلع في صفوف سكانه، وعمدوا إلى تحطيم أثاث البيت وزجر الموجودين فيه وقد كان أغلبهم من النسوة والأطفال. وتؤكد أن النظام يستهدف الطبقة المثقفة والمتعلمة التي انخرطت في صفوف الثورة، ومن بين هؤلاء شقيقها الأكاديمي البالغ من العمر نحو 40 عاماً، والذي ما لبث أن اعتقل في الشارع من قبل رجال الأمن السريين والمخبرين، اعتقل لمدة 12 يوما قبل أن يقتل تحت التعذيب وبقي في ثلاجة مشفى عسكري لمدة أسبوع قبل أن يتصل الأمن بأهله ويسلمهم جثمانه. وتنقل أميرة عن لسان بعض السجناء الذين التقوا بشقيقها في السجن، تعرضه لتعذيب شديد يفسر تشوه جثته. وتضيف أن المحققين ضغطوا بالتنكيل عليه بغية الاعتراف بأسماء من يعرفهم من “التنسيقيات” ومن كان يتواصل معهم ويوصل لهم أخبار حيه المنتفض. وتقول أميرة أن تشييع جثمان أخيها قد بين لها حجم المحبة والاحترام الذي حظي به بين أبناء حيه وأحياء أخرى عمل على إيصال صوتها للعالم. وهو ما خفف عنها وعن ذويها، وأمها تحديدا، الحزن والشعور بالأسى على فقدان ابنهم الشاب. وتختم مشيرة إلى أن فقدان شقيقها وآلاف من الشبان السوريين لن يضعف عزيمة الثورة، وباعتقادها أن النساء سيواصلن الكفاح إلى حين اسقاط نظام الأسد.
إنعام، موظفة حكومية، تجزم بأن النظام استهلك كل الفرص التي منحت له لوقف القتل والإصغاء لأصوات الثوار والمنتفضين، وتشير إلى ما أسمته “مهزلة الاستفتاء على الدستور”، وتؤكد تعرضها كما زملائها لضغوط أمنية وبالفصل من العمل إذا لم يصوتوا بـ”نعم” على الدستور الجديد. وتلفت إلى أن المركز الذي كانت إحدى طواقمه، خلا نهائيا من وجود الغرفة السرية التي تعطي حيزا للناس من أجل التصويت بما هم مقتنعون به، وفي السياق تستذكر تغطية الإعلام الرسمي السوري ليوم الاستفتاء، حيث كان الناس يضعون بالعشرات أمام الكاميرات إشارة في دائرة موافق، في مخالفة واضحة وفاضحة لأسس إجراء الإستفتاء. وتضيف إنعام أنها رأت بأم عينها صندوقا أدخل للمركز صباحا، وقد امتلئ نصفه بأوراق استفتاء لا تعلم مصدرها.
رويدة، ربة المنزل، تؤكد أن معاناة أهالي الناشطين القتلى أو الملاحقين أو المعتقلين، لا تنتهي في الاعتقال أو التصفية، بل تطال الأسرة بأكملها، خاصة الشبان فيها، فيخضعون لمراقبة متواصلة، ويتلقون تهديدات دورية إن كان لأي منهم نشاط في الثورة. وتلفت الى أن ذلك يترك أعباء اقتصادية إضافية، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة. فاضطرار جزء كبير من هؤلاء الشبان للاختفاء المستمر، يمنعهم من مزاولة أشغالهم وأعمالهم، ما يفقد تلك الأسر مصدر دخل ناتج عن عمل الشاب الملاحق أو المعتقل، لا بل أن أغلب هؤلاء الملاحقين والمعتقلين يحتاجون لمساعدة اقتصادية، أو حتى لرشاوى يدفعها الأهل لإدخال حاجيات أبنائهم للمعتقل أو الإفراج عنه. وتؤكد أن النظام يعمد إلى اتخاذ إجراءات انتقامية بحق ذوي النشطاء ليخافوا على عائلاتهم، لكن رويدة مقتنعة أن أسلوب النظام هذا ما عاد مجديا، وأن العائلات باتت متضامنة فيما بينها لدعم أبنائها من الثوار، ولأن الانتهاكات المتواصلة منذ عام لم تترك بيتا إلا وأصابته ومسته بطرق مباشرة وغير مباشرة.
فاطمة هي أيضا مدرسة في إحدى المدارس الإعدادية، تنقل لنا بعض ما يرتكبه النظام بحق المدارس والطلبة والمدرسين والمدرسات فيها. ومن تلك الإجراءات تكليف النظام لبعض الطلبة الحزبيين ومن “اتحاد الشبيبة” بمراقبة الفصول الدراسية وما يدور فيها، وقد باتوا عين النظام الأمنية التي تنقل وتكتب تقارير بحق زملائهم ومدرسيهم. وفقدت فاطمة شقيقا لها في إحدى المظاهرات، لذا تعرضت لمراقبة مستمرة من قبل بعض الطلبة والمدرسين، ولم يجرؤ أحد في المدرسة على تعزيتها بفقدان شقيقها خلال وقت الدوام الرسمي. وتشير الى أن تلك الإجراءات خلقت مناخا بوليسياً داخل الصف، حيث يعلن بعض الطلبة بكل حرية تأييدهم للنظام، ويقمعون في الوقت نفسه كل المخالفين لهم، تحت طائلة إيصال مضمون تلك النقاشات إلى الأجهزة الأمنية أو إلى ذويهم المقربين من تلك الأجهزة، مضيفة بأنها تشعر بعجز تام في المساواة بين طلبتها، لا بل إنها تقمع بنفسها كل الطلبة الذين ينتقدون النظام في الفصل الدراسي، خوفا على هؤلاء الطلبة وعليها شخصياً. وتختم بأن ما تقوله ليس تقديرا أو توقعات بإجراءات أمنية تبعا للتقارير التي يكتبها الطلبة والمدرسون، وبأن القوات الأمنية حضرت إلى المدرسة عشرات المرات واعتقلت عشرات الطلبة، وبأن زملاء لها في مدارس أخرى أبلغوها بالأمر عينه، وقد حدث في مدارسهم.
نختتم لقاءنا مع نساء حي القدم، بسبب انشغالهن بإعداد المساعدات الغذائية والأغطية، وإعداد وجبة العشاء لمئات العائلات التي لجأت للحي المنتفض، من مدن وقرى وأحياء سورية تجري فيها أعمال حربية، مؤكدين أنهن ماضيات إلى جانب الثوار حتى الانتصار، واسقاط النظام، عاجلا أم آجلا.