بريطانيا والأرجنتين تحتفلان بذكرى “حرب المالوين”
تحيي الارجنتين وبريطانيا على حد سواء الذكرى الثلاثين لاندلاع حرب المالوين في مراسم هادئة ترافقها خطب مشددة حول السيادة المتنازع عليها في الارخبيل الواقع جنوب المحيط الاطلسي.
وتحدث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاثنين، عن “العمل العدواني” الذي قامت به الارجنتين قبل ثلاثين عاما تماما، مؤكدا ان بريطانيا “ستبقى ملتزمة بحزم فرض احترام حق سكان فوكلاند في تقرير مسقبلهم”.
من جهتها، تلقي الرئيسة الارجنتينية كريستينا كيرشنر خطابا في اوشوايا عاصمة ارض النار، الاقليم الذي تتبعه جزر المالوين في نظر الارجنتين. وستدشن شعلة ونصبا مخصصا لـ649 جنديا قتلوا اثناء النزاع الذي جرى من الثاني من نيسان/ ابريل الى 14 حزيران/ يونيو 1982.
وتخضع جزر المالوين الواقعة قبالة سواحل اقصى جنوب الارجنتين وتبعد 13 الف كيلومتر عن لندن، لسيطرة بريطانيا منذ 1833 لكن تطالب بها بيونوس آيرس.
وقامت ارملة بحار بريطاني قتل في الهجوم الذي شنه ارجنتينيون في 21 ايار/ مايو 1982، صباح الاثنين بإضاءة شمعة في كنيسة الريواس وسط انكلترا، خلال مراسم قصيرة. وستحترق الشمعة رمزيا لمدة 74 يوما اي الفترة التي استغرقها النزاع بين الارجنتين وبريطانيا.
وسيدشن نصب للجنود البريطانيين الـ225 الذين قتلوا خلال الحرب في المكان نفسه في 20 ايار/ مايو بحضور نحو 600 من المحاربين القدامى وعائلاتهم وممثلين عن الحكومة.
اما في المالوين نفسها ستبلغ الاحتفالات ذروتها في حزيران/ يونيو. وستشهد العاصمة بورت ستانلي في 14 حزيران/ يونيو مسيرة يحضرها سكرتير الدولة البريطاني المكلف اميركا اللاتينية جيريمي براون.
ومع اقتراب الذكرى الثلاثين للحرب، اصبح الارخبيل من جديد محور توتر بين البلدين منذ اشهر.
واشعل قرار مجموعة السوق المشتركة لدول جنوب اميركا (ميركوسور) التي تضم الارجنتين والبرازيل والاوروغواي والبارغواي منع السفن التي ترفع علم المالوين من دخول مرافئها تضامنا مع الارجنتين في كانون الاول/ ديسمبر “حرب كلمات” حقيقية. ويلعب احتمال وجود نفط قبالة سواحل الجزر دورا لا يستهان به في عودة التوتر.
وكانت هذه الحرب ادت الى سقوط الحكم الديكتاتوري الارجنتيني وانعاش شعبية مارغريت تاتشر لكنها اججت نزاعا مستمرا حتى اليوم.
فقد كان رئيس الارجنتين المستبد ليوبولدو غالتياري يواجه ازمة اقتصادية خطيرة ادت الى اضراب عام، فارسل قوة برمائية لتحتل فجر الثاني من نيسان/ ابريل الارخبيل الذي استولى عليه البريطانيون في 1833 وطردوا منه الارجنتينيون. ومع اعلان انزال القوات الارجنتينية في الارخبيل الواقع في جنوب المحيط الاطلسي، سادت اجواء من الفرح العارم في البلاد.
وكانت المجموعة الحاكمة في الارجنتين منذ 1976، حليفة الولايات المتحدة في مكافحة العصابات في اميركا الوسطى في اوج الحرب الباردة، تعتقد ان واشنطن ستتبنى موقفا حياديا يمكن ان يسمح بمخرج دبلوماسي مع تدخل من حلف شمال الاطلسي.
لكن هذه المجموعة الحاكمة لم تأخذ في الاعتبار تشدد رئيسة وزراء بريطانيا التي رفضت اي مفاوضات وارسلت اسطولا لاستعادة الجزر مما اجبر واشنطن على دعمها.
ووصف “تقرير راتنباخ” الذي يحمل اسم الجنرال الارجنتيني الذي قاد التحقيق وكشفته رئيسة الارجنتين الحالية كريستينا كيرشنر مؤخرا، النزاع بـ”المغامرة العسكرية” التي جرت “بدون اعداد او تنظيم”.
واوضح المؤرخ فيليبي بينيا لوكالة “فرانس برس” ان “الخطة كانت تقضي بمهاجمة الجزر بين 25 ايار/ مايو والتاسع من تموز/ يوليو 1982 لكن الاضطرابات الاجتماعية المتزايدة سرعت الامور”.
وفي بريطانيا عبرت حشود عن دعمها للاسطول الذي ابحر للدفاع عن سكان الجزر الذين باتوا تحت سلطة الحكم الديكتاتوري، في حماس يشبه الاجواء السائدة في الارجنتين. وفوجئت المجموعة الحاكمة برد الفعل البريطاني ولم تكن تملك خطة بديلة، فاضطرت الى ارتجال الاستعدادات لحرب لم تكن تتوقعها.
وقال خوان ريكي الخبير في المركز الارجنتيني للدراسات الدولية للوكالة ان “الخطأ الاساسي للارجنتين كان استراتيجيا ويتلخص بالحرب بحد ذاتها”.
ولم يكن الجيش الارجنتيني المتخصص في قمع العدو الداخلي واعتمد في المالوين على مجندين لم يتم تأهيلهم (70% من الجنود) مستعدا لمقاتلة جيش محترف ومجهز بشكل جيد. وقد عانى المجندون من الجوع والبرد وتعرضوا للتعذيب من قبل رؤسائهم الذين وضعوهم في الصفوف الامامية باستثناء عدد قليل منهم. وبعد ثلاثين عاما، تقدم عدد من هؤلاء الجنود بشكوى من اجل محاكمة رؤسائهم.
واغرقت غواصة بريطانية الطراد الارجنتيني “الجنرال بلغرانو” الذي يعود الى الحرب العالمية الثانية، خارج منطقة الحظر التي حددتها بريطانيا، ما ادى الى مقتل 323 شخصا من طاقمه.
وبذلك قضت تاتشر التي اصدرت امر القتال، على كل مبادرة دبلوماسية يمكن ان تشجعها المجموعة الحاكمة وتراجعت القوات البحرية الارجنتينية.
وكان الطيران الارجنتيني الوحيد القادر على الرد، وقصف في الرابع من ايار/مايو السفينة العسكرية شيفيلد بصاروخ ايكزوسيت اطلقته طائرة من نوع سوبر ايتاندار.. والاثنان من صناعة فرنسية.
واغرق الطيران الارجنتيني عدة سفن بريطانية بعد ذلك على رغم سقوط الكثير من القنابل التي لم تنفجر.
لكن لم يكن هناك من وسيلة قادرة على منع الانزال البريطاني في خليج سان كارلوس.
وتلت ذلك معارك طاحنة باتجاه عاصمة المالوين شرقا. وسقطت داروين في 29 ايار/مايو ثم ماونت لونغدن التي شهدت اشرس قتال، في 11 حزيران/يونيو وتامبلداون في 13 حزيران/يونيو.
واستسلم الجنرال الارجنتيني بنجامين مينينديز في 14 حزيران/يونيو.
واسفرت الحرب عن مقتل 649 ارجنتينيا و255 بريطانيا وفتحت الطريق لعودة الديموقراطية الى الارجنتين في السنة التالية.
كما سمحت لتاتشر باكتساب شعبية كبيرة واصبحت بعد ذلك صاحبة الرقم القياسي في شغل منصب رئيس الوزراء في بريطانيا في القرن العشرين (من 1979 الى 1990).