فرنسا: اللعب بالنار
في ٢٩ الشهر الماضي آذار/مارس، وقع وزيرا الخارجية والداخلية الفرنسيان آلان جوبيه وكلود غيان بياناً مشتركاً يرفضان فيه استقبال «أربع شخصيات أجنبية دعيت لحضور «مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية» (UOIF) الذي ينعقد من ٦ إلى ٩ نيسان/أبريل في «بورجيه» (Bourget) وهم: عكرمة صبري وعائض بن عبدالله القرني وصفوت الحجازي وعبدالله بصفر، الذين باتوا ممنوعين من الدخول إلى الأراضي الفرنسية. بالمقابل فإن الداعية يوسف القرضاوي قرر عدم المجيء. الوزيران بررا القرار بأن مواقف الشخصيات وتصريحاتهم “تنادي بالكراهية والعنف وتعادي قيم ومبادئ الجمهورية وتتسبب ببلبلة للأمن العام».
برفضهم استقبال شخصيات من الاخوان المسلمين فإن الحكومة، وخصوصاً الوزير جوبيه، تقضي على ما بدا شبه «نقد ذاتي» غداة انطلاق الثورات العربية وفشل السياسة الفرنسية (التي دعمت بن علي ومبارك). فقد أعلن جوبيه آنذاك: «فحوى الرسالة التي وجهتها لسفرائنا في البلدان العربية الذين عقدت اجتماعا معهم في باريس أمس، طالبا منهم توسيع نطاق الجهات التي يتعاملون معها لتشمل جميع الفاعلين في المجتمع المدني. فلطالما كانت اتصالاتنا، عن وعي أو بدون وعي، تقتصر كثيراً على الأشخاص المتقلدين للمناصب، لو صح التعبير. علينا، في نظري، الحديث وتبادل آرائنا مع جميع الجهات التي تحترم قواعد اللعبة الديموقراطية وبطبيعة الحال المبدأ الأساسي المتمثل في رفض جميع أشكال العنف. وآمل أن يقام هذا الحوار بدون عقد مع التيارات الإسلامية مادام الجميع يحترم المبادئ الذي ذكرتها، أي قواعد اللعبة الديموقراطية ورفض جميع أشكال العنف».
إن القرضاوي، شئنا أم لا، يمثل مرجعاً للإخوان المسلمين. وهو يناضل من أجل الانفتاح ويطلب من إخوان مصر الابتعاد عن التعصب (أنظرSheikh Qaradawi cautions Brotherhood on presidential contest في أهرام أون لاين بتاريخ ٢٧ آذار/مارس)، فهل يرفض ألآن جوبيه الحوار معه؟
تحمل السياسة الفرنسية متغيرات كثيرة: فهي انتظرت أسابيع قبل تهنئة «النهضة» بعد انتصارها في تونس، ولكنها لا تتردد من دعم الإخوان المسلمين في سوريا. في الواقع يعود هذا إلى أن كلود غيان مقتنع بوجود تفاوت في تحضر الحضارات.
ولكن كل هذا لا ينم عن أي إيجابية في ما يتعلق بعلاقة فرنسا والعالم العربي، حيث الانتخابات، أعجبنا هذا الأمر أم لا، تعطي الأكثرية للأحزاب الإسلامية المنبثقة من إخوان المسلمين.
وعاود الوزيران هجومهما على طارق رمضان «المسلم الذي تشكل الكراهية له هدفاً لنا». فهو يزور فرنسا منذ سنوات، وهو مدعو لزيارة عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. لو ينطق رمضان بأقوال مخالفة للقوانين، فهل كانت الدعوات توجه له؟
يقول البيان «بالإضافة إلى ذلك ، نأسف لأن إتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا اختار دعوة المواطن السويسري، طارق رمضان، صاحب المواقف والأقوال المناقضة للروحية الجمهورية، وهذا لا يقدم خدمة لمسلمي فرنسا»
ما هي الحجج لذلك؟
يقول أيضاً البيان «تحمي الحكومة حرية كل العبادات وتتمسك بان يتمكن مسلمو فرنسا من عيش إيمانهم بحرية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة متمسكة بحرية التعبير، وهو حق أساسي يضمنه الدستور.
لكن بينما تتعرض فرنسا لهجمات من قبل المتطرفين باسم الإيديولوجيات أو المعتقدات الضالة، فمن الأساسي أن تمارس هذه الحريات في إطار القانون وضمن احترام القيم الأساسية الخاصة بنا وهي: حقوق الإنسان والمساواة بين الرجال والنساء، والعلمنة واحترام الأديان وآراء الآخرين، ونبذ الطوائفية».
ولكن ما الذي يقوله هؤلاء الأشخاص خارج إطار القانون؟ بالطبع لا تحديد له في البيان. تكفي الإشاعات…
بالمقابل من يدافع عن مساواة المرأة والرجل؟ هل هو حزب اتحاد الأكثرية الشعبية (UMP) الذي يفضل دفع غرامات عوضاً عن تشكيل لوائح انتخابية متوازنة كما يفرضه القانون؟ أم الجمعية الوطنية حيث ما يزيد عن ٨٠ في المئة من النواب هم رجال؟ في هذا البلد الذي لا يثير العنف الذي تتعرض له النساء أي ردة فعل طالما أن المرأة أو زوجها ليس مسلماً، ويكتفي الإعلام بإدراجها في باب الدراما العاطفية.
من يناضل من أجل العلمانية؟ نيكولا ساركوزي الذي يعتقد بأن «الاستاذ لن يحل محل الراهب أو الكاهن؟ (l’instituteur ne pourra jamais remplacer le curé ou le pasteu)
من يناضل ضد الطائفية؟ الحكومة التي تتدافع بكامل أعضائها، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، لحضور عشاء «مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا» (CRIF)؟ أم المنتَخَبين الذين يربطون تأييدهم لبناء جوامع بالحصول على أصوات المسلمين؟ أم ساركوزي الذي تفاوض من دون أي حرج خلال سنوات عديدة مع «مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية»؟
يبدو أن الرئيس المرشح بات هلعاً أمام إمكانية خسارته المعلنة عبر كافة استطلاعات الرأي. إن قضية محمد مراح لم تعط المفعول المنتظر، لذا فهو يحاول إعادة إشعال نار الإسلاموفوبيا ويحاول تمرير مصالح انتخابية قبل كل شيء، حتى وإن أدى ذلك إلى تعميق الانقسام في المجتمع الفرنسي. وهو يعلم أنه يلعب بالنار.
Alain Gresh