اميركا متفائلة بترشيح خيرت الشاطر
قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها ان المسؤولين الاميركيين “ليسوا قلقين بل هم حتى متفائلون بتراجع جماعة الاخوان المسلمين عن تعهدها بعدم السعي الى الرئاسة”، بعدما اثار قرار الاخوان ترشيح خيرت الشاطر للانتخابات الرئاسية المصرية الشهر المقبل سخطا شديدا في الاوساط الليبرالية والعلمانية، بل ان العديد من اعضاء الجماعة نفسها وقادتها استشاطوا غضبا على القرار. وكان قرار ترشيح الشاطر اتُخذ في اللحظة الأخيرة على الضد من تعهد الاخوان المسلمين السابق بالبقاء خارج حلبة السباق الرئاسي.
وفي مؤشر الى عمق التغيير الذي حدث منذ كانت الولايات المتحدة تراهن على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي كان يسجن الشاطر وامثاله، أكدت صحيفة نيويورك تايمز ان مرشح الاخوان على اتصال منتظم بالسفيرة الاميركية آن باترسن وان مسؤولين اميركيين اشادوا باعتداله وذكائه وكفاءته. وهم ينظرون الى رجل الأعمال المليونير (62 عاما) على انه برغماتي وتحديثي يطمح في انعاش الاقتصاد المصري الراكد بدلا من البحث عن مواجهة مع اسرائيل او الولايات المتحدة. وبالطبع فان جماعة الاخوان المسلمين تمثل بديلا جذابا بالمقارنة مع السلفيين المتطرفين الذين برزوا قوة لم يتوقعها أحد في السياسة المصرية بعد مبارك. إذ جاء حزب النور السلفي بالمرتبة الثانية بعد حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية التي حصد فيها الحزب 28 في المئة من الاصوات مقابل 38 في المئة لحزب الحرية والعدالة.
ومن دون مرشح اخواني في السباق الرئاسي، يخشى بعض المسؤولين الاميركيين ان يحدث ما لا تُحمد عقباه بفوز مفاجئ يحققه المرشح السلفي الكاريزمي حازم صلاح ابو اسماعيل الذي يتحدث عن اقامة نظام سياسي لاهوتي على غرار النظام الايراني والغاء معاهدة السلام مع اسرائيل، لا سيما إذا لم تُحسم الانتخابات في الجولة الأولى وتنتقل الى جولة ثانية بين المرشحين اللذين يفوزان بأكبر نسبة من الاصوات.
وكان استطلاع للرأي اجرته صحيفة الاهرام قبل ان يُعلن ترشيح الشاطر اظهر ان نصيب المرشح السلفي من الاصوات يبلغ 22 في المئة يليه بفارق بعيد الاخواني المعتدل عبد المنعم ابو الفتوح، الذي طُرد من الجماعة لترشحه، بنحو 8 في المئة من الاصوات فيما بلغت حصة الاسلامي المعتدل الآخر محمد سالم العوا زهاء 4 في المئة. وأظهر الاستطلاع نفسه ان المرشح الذي يتقدم على الاسلاميين الثلاثة هو وزير الخارجية السابق، العلماني الوطني عمرو موسى بنسبة 33 في المئة من الاصوات. وما زال موسى يحتفظ برصيد شعبي كبير لتحديه السياسات الاسرائيلية والاميركية في الشرق الأوسط الى حد كان يزعج رئيسه وقتذاك حسني مبارك، كما تلاحظ مجلة تايم منوهة بأن ما له مغزى أعمق ان الاستطلاع اظهر ايضا ان 58 في المئة من الناخبين سيفضلون مرشحا اسلاميا. ويعني هذا انه إذا جرت جولة ثانية من دون الشاطر فان الغلبة ستكون للسفليين وهي نتيجة لا تستسيغها جماعة الاخوان المسلمين بقدر ما تتطير منها واشنطن والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وكانت جماعة الاخوان المسلمين تعهدت بالبقاء خارج السباق الرئاسي لطمأنة اللاعبين الآخرين في الساحة السياسية المصرية بعد مبارك الى انها لن تترجم شعبيتها الى استئثار بالسلطة. ولكن قادة الجماعة، أو بعضهم على الأقل، ربما توصلوا الى قناعة بأن هذا القرار يعني الحكم على أنفسهم بالهزيمة بعدما أصبح النصر قاب قوسين او ادنى في معركتهم السياسية الرئيسية التي لا يخوضونها مع العلمانيين أو السلفيين بل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تسلم مقاليد السلطة بعد سقوط مبارك.
ورأى كثيرون ان قرار الاخوان ترشيح الشاطر كان ردا مذعورا على المخاوف من لجوء العسكر الى اغتنام فرصة الانتخابات لتسجيل نصر على الاخوان غريمهم الرئيسي، لا سيما وان شائعات سرت مؤخرا في القاهرة عن احتمال ترشيح عمر سليمان رئيس استخبارات مبارك الذي كان بمثابة “يد الملك”. ويمكن ان يستعيض العسكر عن ترشيح سليمان برمي ثقلهم الذي لا يستهان به وراء مرشح وطني اوسع شعبية مثل موسى.
ونقلت مجلة تايم عن عبد الرحيم علي مدير المركز العربي لدراسات الحركات الاسلامية ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يهيئ شيئا لهم وان الاخوان المسلمين يخشون ان تؤدي الانتخابات الى فوز احد المرشحين القريبين من المجلس. واشار علي الى ان المجلس العسكري سيعتمد على شرعية رئيس منتخب لاعادة بناء النظام السياسي بانتخابات جديدة لإضعاف الاخوان المسلمين.
ولكن قيادة الاخوان المسلمين نفسها ليست كلها مقتنعة بترشيح الشاطر. وافادت تقارير بأن التصويت على ترشيحه في مجلس شورى الجماعة كان منقسما انقساما حادا.
ويمكن الجدل ايضا بأن دفع جماعة الاخوان المسلمين الى أخذ مسؤولية الحكم على عاتقها سيفتح عيونها على حقائق الحياة ويزيد من اعتدالها بتعزيز توجهها الوسطي على الضد من إبقاء الأوراق بأيدي الاخوان إذا بقوا الحزب الأكبر لكنه يتعفف عن تولي مسؤولية السلطة التنفيذية. ولكن هذا ليس عزاء لخصوم الجماعة الذين يخشون ان يتيح لها تركيز السلطة بيدها فرض رؤية محافظة اجتماعيا وطائفية دينيا على مصر. وكان المسيحيون الاقباط انسحبوا مؤخرا من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور بعد انسحاب تنظيمات ليبرالية احتجاجا على هيمنة الاخوان المسلمين على الجمعية.
وبصرف النظر عن حسابات الطبقة السياسية فان قواعد الاخوان المسلمين نفسها تبدو متحمسة لقرار ترشيح الشاطر. وقال المحلل المختص بشؤون مصر ايساندر العمراني ان قرار جماعة الاخوان المسلمين خوض السباق الرئاسي موقف يدفع الى حافة المواجهة على نحو لا ينسجم مع سياستها السابقة في معركة الجماعة على السلطة مع مجلس عسكري يكره القبول بحكم الناخبين بعيدا عن التلاعب. ويقول العمراني ان من الجائز تماما ان تنجح جماعة الاخوان المسلمين في هذا الموقف الذي يحقق لها النصر الكامل لتحظى بشرعية انتخاباها الى البرلمان والى الرئاسة وكتابة دستور يعكس معتقداتها والوصول الى موقع أقوى تتفاوض منه بشأن انسحاب العسكر من المجال المدني. ولكن العمراني وصف هذه السياسة بأنها “مقامرة خطيرة”.
وإزاء احتدام المنافسة بين الاسلاميين وترشيح الشاطر الذي يمكن ان يحشد الناخبين الوطنيين والعلمانيين والليبراليين وراء مرشح مثل عمرو موسى فان قرار جماعة الاخوان المسلمين جعل التنبؤ بنتيجة الانتخابات أشد صعوبة.