خفايا لقاء اسطنبول: تغيير إيراني بدون تقدّم
باريس ــ بسّام الطيارة
تحرص الدوائر الغربية على إشاعة ردات فعل إيجابية على لقاء اسطنبول الذي جمع الـ«٥+١» وإيران حول الملف النووي الإيراني، رغم أن «الأمور لم تتحرك قيد أنملة» كما أسر خبير غربي مقرب من هذا الملف. الذي تغيّر، كما يعترف دبلوماسي متابع للملف، هو «روحية المفاوض الإيراني، مقاربته لطاولة المفاوضات»، فلا شروط مسبقة ساقها الإيرانيون مثل «شرط رفع العقوبات أو الاعتراف بحق مكتسب بالتخصيب» قبل الولوج إلى الملف موضوع اللقاء. ولكن بالمقابل لم تضع إيران على الطاولة أي «تنازلات جدية»، إلا أن الدبلوماسي «يعترف بوجود شيء مختلف لا يستطيع تعريفه» لدى الفريق المفاوض الإيراني. ويلحظ غياب ما سماه دبلوماسي سبق أن اهتم بالملف الإيراني «نزهات خطابية» حين كان المفاوض الإيراني يدخل في خطابات جديلة طويلة يعيد قراءة تاريخ إيران وتاريخ العلاقات بينها وبين الدول الست الأخرى من دون أن يلفظ كلمة واحدة في إطار الملف النووي. لم يتم اللقاء هذه المرة حسب هذا النمط. فقد عوض الإيرانيون على غياب الخطابات بيافطة دوّن عليها «لا نووي لأحد أو نووي للجميع». إذاً لم يكن لقاء «حبياً ولا ودوداً بل كان لقاء جليدياً»، كما وصفه دبلوماسي شارك في اللقاء.
يشدد الدبلوماسي نفسه على أن التغيير أيضاً طال الـ«٥+١» فهم تكلموا بصوت واحد، في إشارة إلى مواقف موسكو وبكين سابقاً، ولكن في إشارة محددة إلى «ما نقله الروس عن رفض إيران وقف التخصيب مقابل رفع جزئي للعقوبات»، وأنه عرض روسي «لم يقدّم باسم الدول الست». من الإيجابيات أيضاً كما يراها الدبلوماسي «أن اللقاء قد حصل بعد مناورة إيرانية حول مكان انعقاده»، وذلك بعد ١٥ عشر شهراً على انفضاض اللقاء السابق في اسطنبول أيضاً، ولكن النتيجة لم تتغير رغم تغير الأنماط: لا نتيجة إيجابية ولا اتفاق أيضاً هذه المرة.
ومنذ بداية اللقاء توسع رئيس الوفد الإيراني، سعيد جليلي، بشرح في نوع من «الأسف لعدم التوصل إلى حل» في الاجتماع السابق في إشارة إلى «عرض تخصيب الروس لليورانيوم الإيراني»، إذ يذكر الجميع أن المفاوضات السابقة دارت حول عرض برازيلي تركي قبله الغرب بتجميد العقوبات لقاء «إخراج ١٢٠٠ كليو من اليوانيوم المخصب بنسبة ٣و٥ في المئة وتسليمها للروس»، على أن تتكفل موسكو بضمانات تركية وبرازيلية بتخصيب الكميات هذه بنسبة ٢٠ في المئة وإعادتها إلى طهران بعد عام. وقد فشل الاتفاق بسبب طلب الغرب «تسليم الـ ١٢٠٠ كيلو في شحنة واحدة»، بينما عرض الإيرانيون تسليم مخزونهم بالتقسيط ومبادلة كل كمية تعاد لهم بكمية من اليوانيوم المخصب على أرضهم.
وبالطبع كان خوف إيران من أن تصبح رهينة إرادة الغرب وروسيا من دون أي ورقة تفاوض في يدها، بينما كان الغرب يسعى إلى الحصول على «سنة من دون تخصيب». ويعترف الدبلوماسي نحن أردنا «تأخير برنامج إيران النووي سنة… هذا كان هدفنا الرئيسي»، ويستطرد «لو نجح الاتفاق لشكل اختراقاً حقيقياً في ازمة الملف النووي». وقد عبر جليلي، حسب المصادر، «عن الأسف أيضاً لعدم التصول إلى هذا الاتفاق في السابق».
ما العمل الآن؟
اللقاء التالي سوف يكون في ٢٣ أيار. وهو ما استفز الإسرائيليين الذين يتابعون عن بعد سير المفاوضات، ويقول الخبير «بالطبع سوف يولول الإسرائيليون بأن طهران كسبت شهراً لتزيد تخصيب اليورانيوم». ويكشف الخبير أن اللقاء المقبل، الذي يمكن أن يحصل في بغداد، سوف يتم التحضير له بشكل مختلف وسوف يتم وضع جدول أعمال بين الخبراء يتضمن «إجراءات عملية وخطوات محددة تسمح بإعادة بناء الثقة بين الأطراف».
ولكن إذا سألنا الدبلوماسي الغربي ما هو الحد الأدنى لما يطلبه الغرب، يجيب بأن الهدف الذي يمكن أن يرضي الأطراف الغربية مبني على ثلاث ارتكازات: إقفال منشأة «فوردو» ووقف التخصيب، وتسليم المخزون إلى طرف ثالث ليقوم بتخصيبها. ويتجنب الدبلوماسي الكلام عن «كميات التسليم هل تكون على دفعات أم دفعة واحدة»، إلا أن الخبير يقول «ما من مسألة مادية إلا ولها حل في حال وجود قرار سياسي»، وأن الاجتماع الأخير هو بمثابة «فتح قنوات وخطوط تواصل لمسح إمكانيات الأفكار الممكن أن توصلنا إلى حل».
ولكن بغياب أي تقدم أو «أي جديد»، يتساءل الغربيون، على لسان الدبلوماسي، عن سبب «العودة إلى طاولة المفاوضات»؟ هل هو الوضع السوري؟ جليلي قارب الوضع في سوريا بكلمات قليلة محورها «الديموقراطية في سوريا». ولكن هل الوضع الداخلي الغامض دفع بطهران لإعادة وصل التفاوض؟ يقول خبير «من الصعب إقحام الوضع الداخلي في الملف النووي حيث أن لا خلاف بين الفرقاء أياً كان انتماؤهم وولاؤهم حول هذا الملف».
إذا الوضع جامد حتى ٢٣ أيار وهي الأسابيع الستة التي «لا تروق لنتنياهو»، ولكن يؤكد الدبلوماسي الفرنسي أنها «تؤخر أيضاً ستة أسابيع أي عمل عسكري «ضد المنشآت النووية الإيرانية». ولكن يستطرد الدبلوماسي «هذا لا يعني وضع الخيار العسكري على الرف» فهذه «ليست قطيعة مع التهديد العسكري».
يقول دبلوماسي غير أوروبي مقرب من إيران «لا حل في الأفق سوى ما يضعه الغربيون على الطاولة». ويتابع بأن «هذه المقاربة مرفوضة البتة من من طهران»، التي ترى أن الغربيين يأتون إلى طاولة المفاوضات «ومعهم حزمة إما أن تقبلها طهران أو يتم إضافة عقوبات جديدة». ويتسائل «ما هذه المفاوضات المرسومة الأفق مسبقاً؟»، وينهي بالقول إن «هذا النوع من التصلب الغربي هو ما ييمكن أن قود إلى انفجار».
هل من الممكن منح إيران وضعية «البلدان على عتبة القنبلة» مثل ما هو الحال مع اليابان القادرة على صنع قنبلة نووية في أشهر في حال رغبت؟ أي أنها تمتلك تكنولوجيا التخصيب والتصنيع ولكنها تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية، وتعلن عدم رغبتها باقتناء أي سلاح نووي. يجيب الدبلوماسي الغربي، الذي حضر لقاء ااسطنبول، «لم يطلب الإيرانيون هذا». ويضيف أنه «لا يوجد تحديد قانوني لهذه الوضعية». ويجيب خبير غربي «مواربة» بأن إيران تمتلك تكنولوجيا التخصيب بنسبة الـ ٩٨ في المئة الضرورية لإنتاج القنبلة ولكنهم لم يستعملوها، أي أنها قد تكون وصلت إلى وضعية «بلدان العتبة». ويضيف إن تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية اعن اقتناء الإيرانيين لكميات اليورانيوم المخصبة كافية لإنتاج القنبلة هو تقرير صحيح ويحاكي بقوة «تقارير استخباراتية إسرائيلية».