شيراك ينتقم
بسّام الطيارة
بدءاً من مساء اليوم لم يعد مسموحاً للإعلام (داخل فرنسا) نشر استطلاعات رأي (وبالتالي هذا آخر استطلاع تنشره «أخبار بووم – برس نت»)، دون أن يمنع هذا استطلاعات للرأي خارج الأراضي الفرنسية (وخصوصاً سويسرا وبلجيكا)، إلا أن جميع الخبراء يتفقون على أن نشر هذه الاستطلاعات لا تؤثر في الـ ٢٤ ساعة الأخيرة على الناخب الفرنسي لعدة أسباب، منها أنه عادة يكون قد قرر لمن سوف يعطي صوته وبما أن الصحافة الفرنسية لا تستطيع نقل نتائج هذه الاستطلاعات فإن هذا يمنع وصولها إلى عدد وفير وشرائح واسعة من الشعب.
لم يمنع هذا فريق الرئيس المنتهية ولايته نيكولا ساركوزي من الحديث عن «عدم صلاحية نشر النتائج في بعض المواقع في حوالي الساعة السادسة والنصف مساء يوم الانتخابات» في حين أن الصناديق تقفل في الساعة الثامنة. ولكن يتفق الجميع أنه لا مجال البتة لإجبار أي كان خارج فرنسا على تطبيق القوانين الفرنسية. إلا أن بعض المقربين من الاشتراكي فرانسوا هولاند يتخوفون من أن يكون تسليط الأضواء على هذه النقطة هو لتحضير الرأي العام لـ«الاعتراض على النتائج لاحقاً» في حال تقارب عدد أصوات ساركوزي وهولاند في الدورة الأولى.
في الواقع عدة عوامل تجعل من هذه الفرضية احتمالاً غير وارد: أولاً إن أي اعتراض سوف يذهب إلى المجلس الدستوري الذي يترأسه «جان لوي دوبري» (Jean-Louis Debré) الشيراكي المتشدد الذي كان بينه وبين ساركوزي سابقاً ما صنعه الحداد، والذي يعتبر عديدون أن جاك شيراك سلمه هذا المنصب لـ«يأكل طبق الانتقام بارداً»، بعدما سيطر ساركوزي على حزبه وفرض نفسه كـ«مرشح قوة» ليخلف شيراك الذي كان يفضل دومينيك دو فيلبان بسبب تغييب ألآن جوبيه القضائي الذي تقول الألسن أن ساركوزي كان وراء «نبش ملفاته» حين كان وزيراً للداخلية.
ورغم غياب شيراك عن الساحة الإعلامية إلا أن اسمه وأسماء مقربين منه وكل ما يمت له بصلة كانت حاضرة بقوة في الأيام الأخيرة، وذلك بسبب تسريبات «لم يتم نفيها من قبل المعني» أي شيراك، حول دعم كل «عشيرة شيراك»، ما عدا زوجته، لفرانسوا هولاند. وقد حدا هذا بفريق ساركوزي لدفع «كل الوزراء الذين يعتبرون من يم شيراك» إلى الواجهة، أي باختصار أكثر من نصف الحكومة، وهو ما يبرز على حد قول أحد المسوؤلين المقربين من الرئيس السابق «أن شيراك يمسك بتلابيب ساركوزي» لأن يوجد فارق كبير بين «ما يقوله الوزراء في ميكروفونات التكذيب وبين ما يقولونه لمؤيديهم في مناطقهم». ويشدد هذا المقرب من شيراك على أن «ساعة الانتقام قد دقت» ويعيد تكرار أن أفضل مثال هو «عدم تكذيب شيراك لهذه التسريبات» وهي تشمل أقرب المقربين له مثل ابنته، «وهي مختصة في عالم التواصل والإعلان ولو كانت تريد تكذيب مثل هذا الخبر لفعلت» حسب قوله.
أما العامل الثاني الذي يجعل من تقارب الأصوات بين ساركوزي وهولاند مسألة غير محتملة، فهو أن أمل ساركوزي بالحصول على أصوات اليمين المتطرف وبالتحديد أصوات الجبهة الوطنية يساوي «أمل إبليس بالوصول إلى الجنة»، وخصوصاً بعد أن شددت مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبن، على أنها لن تعطي أصواتها لساركوزي أيا كان الوضع لأنه «كذب على الفرنسيين خلال خمس سنوات». ويفسر أحد الخبراء بأن ذلك لا يعني بأنها تدعم هولاند، ولكن النتيجة ذاتها، فقد ثبت في الاستطلاعات الأخيرة أن ٣١ في المئة من مؤيدي الجبهة الوطنية سوف يؤيدون هولاند في الدورة الثانية بعدما كانوا ١٦ في المئة.
ومن أسباب استراتيجية الجبهة الوطنية هو أن «مارين لوبن باتت في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية»، فالأرقام تشير إلى عدم إمكانية وصولها إلى الدورة الثانية وبالتالي فهي تريد أن توجه ضربة قاضية ليس لساركوزي كـ«سياسي أنتهى دوره»، بل إلى حزب «تجمع الأكثرية الشعبية» الذي سوف «ينفرط عقده في حال هزيمة ساركوزي»، وخصوصاً إذا كانت الهزيمة «ساحقة» كما تبينها أرقام أخر استطلاعات.
هكذا يكون ساركوزي قد طعن شيراك في ظهره عام ١٩٩٥ ولم ينجح في قطع طريق الإليزيه وإيصال بلادور إلى الرئاسة، فانتظر ١٢ سنة قبل أن يعود ويدفع شيراك نحو الخروج من السياسة، إلا أن ساركوزي لم يقرأ جيداً تاريخ شيراك الملقب بـ«الحيوان السياسي،» فهو أخذه على حين غرة في نهاية ولايته. ولكن شيراك بعد أن تخلص من أعباء الملاحقات القضائية، التفت إلى «صحن الانتقام» ليلتهمه بارداً وإن كلفه ذلك تفتت الحزب الذي أسسه، وخصوصاً أنه لم يعد يحمل نفس القيم التي يؤمن بها شيراك من وسطية وديغولية.
يذكر تصرف شيراك ما فعله فرانسوا ميتران الذي لم يخف تفضيله للمرشح اليميني على المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان. وها هو شيراك باسم «مصلحة البلاد العليا» يعيد الكرة ويظهر تفضيله لمن يراه الأفضل لحكم البلاد. إذا عوقب ساركوزي من اليمين الذي أتى منه ومن أقصى اليمين الذي سعى ليكون في رحابه.