مسرحية: «انا لم اعرف الحرية الا في السجن»
تصرخ فاطمة من خلف قضبان نافذة السجن لتنادي البحر ان يأخذها الى أحبابها الذين لم ترهم منذ 14 عاما مدة اقامتها في سجن بعبدا للنساء في لبنان.
وفاطمة هي من ضمن 13 سجينة قدمن عملا مسرحيا تحت عنوان “شهرزاد ببعبدا” على خشبة مسرح بني لهذه الغاية داخل اسوار السجن في اطار عملية اصلاح السجينات واعادة تأهيلهن داخل السجن.
وتمثل فاطمة وهي السجينة المحكوم عليها بالسجن 18 عاما بجريمة قتل لكنها استفادت من قانون اعتبار السنة السجنية تسعة أشهر الذي صدر في وقت سابق هذا العام دورها قائلة “يا بحر موجك شو بعيد. يا بحر خذني لاحبابي. تعبت يا بحر منذ 14 سنة وانا اراك من بعيد.”
تروي السجينات قصصهن الخاصة في مونولوجات. وتقول احداهن التي عانت من المجتمع وتعرضت لتحرش جنسي منذ الصغر “انا لم اعرف الحرية الا في السجن.”
تتناول المسرحية القصص الواقعية للنساء اللاتي عانى بعضهن منذ الصغر من الفقر والعنف والبيئة غير الصحية المحيطة بهن فتحولن الى نساء سارقات او مروجات عملة مزورة ومخدرات وحتى نساء متهمات بالقتل.
تبدأ المسرحية من على السلالم حيث تستقبل السجينات زوارهن وهن يحدقن بعيونهن في تأكيد على عدم الخشية من اظهار هوياتهن امام المجتمع.
وتتذوق تلك النساء المنسيات لبضع ساعات كل أسبوع على مدى 12 عرضا خلال شهري ابريل نيسان ومايو ايار عالما يتجاوز قضبان سجن بعبدا وهو سجن مزدحم قرب بيروت.
من هذه القصص تروي المسرحية الف حكاية وحكاية من خلال مونولوجات ومشاهد قصيرة من اعدادهن تركز على صعوبة أن يكون الانسان امرأة في البلدان العربية التي تقول احدى السجينات انه تحكمها العقلية الذكورية.
من خلال هذا العمل المسرحي الذي بدأ يوم الاربعاء ستجد النساء مساحة للتعبير عن أرائهن وفرصة لمد جسر يوصل أصواتهن الى المجتمع المدني بشكل فني وبناء.
ويسعى القائمون على هذا العمل الى المساهمة بعملية اصلاح السجينات واعادة تأهيلهن داخل السجن وان يهيء السجينة خلال فترة حكمها لتكون منتجة ومتفاعلة مع المجتمع المحيط بها بشكل ايجابي.
من خلال المسرحية تدعو النساء الجمهور لمراجعة نظرته للمجتمع وتنقل رسالة تغيير …كما عبرت عنها احدى السجينات قائلة ” مصيري فيه يتغير …يعني التاريخ فيه يتغيير.”
وتقول الممثلة والمخرجة اللبنانية زينة دكاش لرويترز “السجينات لديهن الكثير من الاشياء ليقولوه وهذا يشكل حافزا مهما لاي احد يريد ان يعمل عملا مسرحيا معهن.”
أضافت “أردت أن أعرف من هن تلك النساء وما هي الظروف الحياتية التي دفعتهن الى ارتكاب أخطاء فاضحة وبالتالي ان دفع تلك النساء للتصالح مع ذواتهن من ناحية ومع المجتمع من ناحية اخرى ووجدت ان العمل الفني سيكون خير نتيجة لعلاج الدراما حيث من شأنه ان يخفف من المشكلات النفسية الاتي يعانين منها وللتخفيف من حدتها.”
ومنذ أطلقت مشروعها للعلاج بالدراما واطلقت مسرحية “12 رجلا غاضبا” التي قدمتها في سجن رومية للرجال حصلت دكاش على احترام واعجاب المسجونين.
وتقول دكاش “لا مجال للمقارنة بين مسرحية شهرزاد ببعبدا وبين مسرحية “12 رجلا غاضبا” فالنص هنا هو من القصص الواقعية للسجينات اضافة الى ان الرجال في سجن رومية مازالوا يتمتعون بمواصفات الرجولة اما في سجن بعبدا فالنساء فقدن انوثتهن ونسين انهن نساء.”
ومضت تقول “اضافة الى تجاربهن الشخصية فان النساء في سجن بعبدا يتحدثن ايضا باسم كل المتواجدات في سجون النساء الاخرى في لبنان وينقلن وجهة نظر النساء المتواجدات داخل سجون النفس او سجون واقع مرير تعيشه الكثير من النساء خارج القضبان في عدة مجتمعات.”
مشروع دكاش الذي ترعاه جماعة محلية معنية بالدفاع عن حقوق الانسان ووزارتا الداخلية والعدل وتموله مؤسسة خيرية في سويسرا (دروسوس) غير معتاد في العالم العربي.
وتقول زينة دكاش ان “فسحة الامل التي ولدت في الاشهر الماضية اشعرت السجينات ان المكان صار اوسع بقليل فالسجن المجهز لاستيعاب ثلاثين او اربعين سجينة يضم ثمانين الى تسعين امرأة معظمهن ينتظرن ان يصدر حكما بحقهن منذ أشهر طويلة.”
وكما لدى سجن الرجال فان النساء السجينات يشتكين من عدم محاكمتهن. واشتكت احدى السجينات التي قضت حتى الان ثلاث سنوات في السجن من دون ان يتحدد لها جلسة محاكمة وقالت ” انا موقوفة. متهمة بالمشاركة في القتل. لا يوجد احد محكوم بيننا. من اصل 90 سجينة هنا في سجن بعبدا يوجد خمسة او ستة محكومين فقط.”
وقال وزير العدل شكيب قرطباوي بعد حضوره المسرحية “انها من اكثر الاوقات التي احسست فيها بتأثر في حياتي. انا محامي قبل ان أعمل وزيرا وهذه أول مرة أرى الامور من زاوية أخرى…أول مرة أرى الامور من وراء الشباك (القضبان”)
أضاف “سنعمل مع النواب المحامين والنواب غير المحامين كل ما نستطيع فعله لتسريع المحاكمات وعلى ان تكون الاوضاع أكثر انسانية.اؤكد لكم ان هذا النهار بعد الظهر لن انساه في حياتي.”
أما النائب غسان مخيبر الذي يتابع قضايا السجون في لبنان فقال “هي ليست مشكلة سجون وانما مشكلة عدالة. نعم هناك مرض في العدالة…هناك مشكلة بالقضاء في لبنان.”
(خدمة رويترز)