هولاند يحسم… وساركوزي ينتظر معجزة لوبن
باريس ــ بسّام الطيارة
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسيّة لصالح فرانسوا هولاند، المرشح الاشتراكي، الذي حلّ أولاً وحصد ٢٨،٣٠ في المئة، بينما اكتفى الرئيس المنتهية ولايته، نيكولا ساركوزي، بـ ٢٦،٦٠ في المئة حسب آخر إحصاء غير رسمي. وهذه أول مرة لا يصل رئيس جمهورية مرشح لدورة ثانية أولاً، كما أن هذه الأرقام تدل أن ثلاثة أرباع الناخبين يودون «شيئاً آخر غير ساركوزي»، إلا أن أهمية هذه الدورة تكمن في المفاجأة التي جاءت بوصول مرشحة اليمين المتطرف «مارين لوبن» وحصولها على حوالي الـ ١٩،٦ في المئة، ما يجعلها «الرابحة الوحيدة» في هذه الدورة والممسكة بمستقبل ساركوزي ومعه حزب «اتحاد الأكثرية الشعبية».
ومن نافل القول إن لوبن باتت «زعيمة المعارضة» أياً كان الرابح في الدورة الثانية ولم يعد النظام الفرنسي يستطيع أن يتجاهل «٢٠ في المئة من المواطنين» بمجرد أن الأطقمة السياسية قد قررت مقاطعة الجبهة الوطنية الموصوفة بالـ «المتطرفة». وتزيد هذه المقاطعة والاستبعاد للجبهة، التي تعود إلى أيام والدها جان ماري لوبن بسبب مواقفه العنصرية المعادية للمهاجرين والموصوفة باللاسامية، من قوة «الانتصار» في هذه الانتخابات. وهو ما حدا بممثلي الجبهة الوطنية إلى المطالبة بمعاملة «تليق بخُمس الشعب الفرنسي» مع التشديد على أن الحزب «قد تحول ولم يعد لاسامياً أو عنصرياً» وأنه حزب «الفقراء الذين يشقون ويحبون فرنسا».
وبالطبع تلقى ساركوزي وممثليه على القنوات الفرنسية في السهرة الانتخابية رسالة لوبن، فجاءت تصريحاتهم مشبعة بالممالأة لطروحات الجبهة الوطنية المتطرفة. وحتى ساركوي، الذي اعتبر أن «المعركة سوف تكون في الدورة الثانية»، طعّم أول خطاب له بعد الانتخابات بمفردات «مستلهمة» مباشرة من قاموس الجبهة الوطنية مثل «حب فرنسا ومنع الهجرة الكثيفة والأمن». هذا الخطاب، الذي حاول عبره جذب الناخب اليميني المتطرف قبل الدورة الأولى لتقزيم مارين لوبن يعيده اليوم للخدمة ولكن «بصوت ناعم وودود».
حساب بسيط يشير إلى أن «مخزن أصوات اليسار يتجاوز الـ ٤٥ في المئة»، وهو رقم كبير جداً، وخصوصاً أن الناخب اليساري «ملتزم»، وبالتالي يبدو أن الحل الوحيد لساركوزي للمحافظة على أمل بقلب آخر التوقعات للدورة الثانية (٥٤ – ٤٦) هو «الانفتاح على الجبهة الوطنية بشكل صريح» عوضاً عن اللف والدوران وطلب أصوات ناخبيها مع رفض التعاطي مع مسؤوليها. ولكن يبدو أن مارين لوبن والقيادة السياسية في الجبهة الوطنية، حسب آخر تصريحات عقب إعلان النتائج، «يريدون التخلص من ساركوزي» من جهة، ثم أنهم طوال الحملة الانتخابية نددوا بسياسته وبطروحات هولاند، وبالتالي، مثل كل خطاب يميني متطرف، فهم ليسوا مستعدين للمساومة بأي شكل من الأشكال، وهو ما يسمح لهم بتبوء موقع المعارضة الحقيقية. وقد أكد والد لوبن الأمر وهو يحتسي كوب شامبانيا احتفالاً بالنصر بقوله «يجب أن يخسر ساركوزي»، مع أمل بتشرذم حزبه والتحاق جناحه اليميني بالجبهة، التي علمت «أخبار بووم» أنها بصدد تغيير اسمها استعداداً للمرحلة المقبلة.
أما في الضفة الثانية، فإن جبهة اليسار الممثلة بجان لوك ميلانشون (١١،٤ في المئة)، فقد دعت إلى «إسقاط ساركوزي من دون شروط» وهي دعوة صريحة بالتصويت لهولاند كما فعلت إيفا جولي، ممثلة الخضر (٢،٤ في المئة). ناتالي أرتو، ممثلة التروتسكيين (عصبة النضال العمالي) التي اكتفت بـ ٠،٧ في المئة، قررت حجب أصواتها عن «مرشحين نظام تحاربة العصبة». ومن المتوقع أن يصوت مؤيدو مرشح الحزب المعادي للرأسمالية فيليب بوتو (١،٢ في المئة) مع هولاند إذ أعلن بعد الانتخابات «أن الهدف يظل» إسقاط ساركوزي.
مرشح الوسط فرانسوا بايرو بدا مرتبكاً، بعدما حلّ خامساً (٨،٤ في المئة). ولما كان قد «هاجم» المرشحين الرئيسيين فهو لم يعط أي توجيه، ولكنه أعلن عن عزمه «توجيه عدد من الأسئلة للمرشحين» قبل أن يأخذ مسؤوليته.
ورغم أن التجارب أثبتت أن «لا أحد يمون على أصوات ناخبيه» في فرنسا، إلا أن آخر استطلاع (بعد الانتخابات) حول انتقال الأصوات يبدو أيضاً لغير صالح الرئيس المنتهية ولايته: ٣٣ في المئة من مرشحي بايرو يصبون في خانة هولاند، ومثلهم في خانة ساركوزي، بينما يتردد الأخرون أو يمتنعون. أما بين ناخبي ميلانشون فإن ٨٠ في المئة يعلنون أن أصواتهم ذاهبة لصالح هولاند، بينما فقط ١٦ في المئة لصالح ساركوزي. والأهم هو أن فقط ٦٠ في المئة من ناخبي مارين لوبن يعتزمون التصويت لساركوزي، بينما ١٨ في المئة لصالح هولاند.
حساب بسيط يدل إن لزم الأمر على أن استرداد المبادرة من قبل ساركوزي تبدو عملية شاقة، إلا إذا جاء حدث كبير مثل تنزيل علامة تقييم ديون فرنسا، التي تظهرها بعض المؤشرات، أو ظهور «محمد مراح جديد»، عندها يمكن للحظ أن يحالف الرئيس المنتهية ولايته ويساعده للعودة إلى الإليزيه.