تونس: الصراع شخصي بين الاسلاميين والعلمانيين
في الوقت الذي تتجه فيه تونس نحو صياغة دستور جديد، يبدو أن التوتر بين العلمانيين والإسلاميين بدأ يأخذ منحى شخصياً، ويفرّق بين الإخوة والأخوات والأمهات والبنات، بحسب ما لاحظت صحيفة الـ”كريستيان ساينس مونيتور”.
وطرحت الصحيفة أمثلة تعكس “أكبر مناقشة أطلقتها الثورة في تونس منذ العام الماضي، وذلك بعد التخلص من عقود طويلة من الدكتاتورية: هل تونس الجديدة ستكون دولة علمانية، أوإسلامية، أو شيء بين هذين الخيارين؟”.
ورأت الصحيفة أن كيفية التعامل مع التونسيين بشأن النقاش حول الدين- وخاصة في كتابة دستور جديد- يمكن أن “يقدم دروساً للدول العربية الأخرى مثل مصر وليبيا، حيث الانتفاضات الشعبية مكّنت الإسلاميين من الوصول إلى السلطة بعد اضطهاد طويل من قبل الأنظمة الاستبدادية”.
ونقلت الصحيفة عن حسيبة حاج صحراوي، نائب مدير برنامج منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قولها: “في الوقت الذي نتطلع فيه إلى الحكومة التونسية لتكون مثالاً يحتذى به من خلال تكريس الاحترام الكامل لحقوق الإنسان في الدستور الجديد للبلاد، فإنه من المقلق أن نرى أن هذه الطريقة في المعاملة ما زالت مستمرة”. وأضافت: “ملاحقة وإدانة الناس على أساس التعبير السلمي عن آرائهم، حتى لو كان البعض يعبر عن رأي هجومي، تبقيان فعلاً غير مقبول على الاطلاق وليس ما كنا نتوقعه من تونس الجديدة”، مشيرة إلى أن هذه الممارسات تذكّر بانتهاكات حكومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ويجب أن تتوقف.
ففي حين يرأس حزب النهضة الاسلامي المعتدل حكومة ائتلافية مع اثنين من الأحزاب العلمانية، ويهيمن على الجمعية الوطنية المكلفة كتابة الدستور الجديد، يتركز النقاش حول ما إذا كان هذا الدستور يجب أن يعتمد على أسس الشريعة الإسلامية، أو “في طريق مماثل”، اعتماداً على الوصايا والحس الأخلاقي المستمد من القرآن الكريم.
وكان شارك الآلاف من التونسيين الشهر الماضي في مسيرة ضمّت المسلمين السلفيين المحافظين للمطالبة بالشريعة والتنديد بـ”كلاب العلمانية”، على حد ما وصفت إحدى اللافتات المرفوعة في المسيرة.
في اليوم التالي، تعهّد حزب النهضة بالحفاظ على المادة الاولى من الدستور الحالي، التي تشير إلى الإسلام كدين في تونس من دون الرجوع الى الشريعة الاسلامية.
وتقول المادة الأولى من دستور تونس: “تونس دولة حرة مستقلة وذات سيادة. دينها الإسلام، لغتها العربية، ونوع الحكم فيها هو الجمهوري”، وفقاً للترجمة التي قدمتها جامعة ريتشموند في فرجينيا .وقد رحبت الأحزاب العلمانية هذه الخطوة.
من جهته، يقول نور الدين عرباوي، عضو المكتب التنفيذي لحزب النهضة: “نحن في مرحلة انتقالية، وعلى التونسيين أن يتكاتفوا معاً ويقدمون التنازلات من أجل النجاح في تحقيق التحول الديمقراطي”. وأضاف “نحن في حزب النهضة لا نريد دولة دينية، لكننا لا نريد دولة علمانية”، معتبراً أن المادة الاولى من الدستور كافية لتلبية رغبة الناس في أن يلعب الإسلام دوراً بارزاً في حياة التونسيين.”
لكن الـ”ساينس مونيتور” نقلت عن سليم أغمانى، استاذ القانون في جامعة قرطاج، قوله إن المادة الأولى من الدستور تحمل الكثير من التأويل. ويشير إلى أن الرئيسين السابقين، الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، استخدموا هذا التاويل لتبرير نصف قرن من العلمانية العدوانية.
فقد حظر بن علي، الذي حكم من عام 1987 حتى الاطاحة به في العام الماضي، حزب النهضة وسجن الآلاف من المسلمين المحافظين بعد أن سجل الحزب نتائج جيدة في انتخابات العام 1989.
أما سلفه بورقيبة، فاعتبر الإسلام عائقاً أمام بناء الدولة الحديثة. وخلال ثلاثة عقود له في السلطة منع الحجاب وتعدد الزوجات، وقام بتوسيع نطاق حقوق المرأة، وسجن الإسلاميين.
ومن صميم الحياة اليومية التونسية، نقلت الصحيفة حكاية أمل بناجه، التي شعرت بالغضب عندما رأت ابنتها ترتدي الحجاب قبل ثلاث سنوات، واستاءت لدرجة انها طردت ابنتها المراهقة من المنزل، إلى أن عادت منذ أشهر قليلة بعد التوفيق في علاقتهما، إنما ليس في رأيهما.
فبالنسبة للسيدة بناجه، كان حكم بورقيبة الحديث، يشكّل نقيضاً مريحاً لها من “اللاءات” والقوانين التي كانت تفرضها عليها والدتها المحافظة. وتقول: “كانت والدتي تعتبر انه من المخزي أن أتمكن من الخروج من المنزل وحدي، أو أذهب إلى السينما”، لكن بورقيبة عزز هذه الحرية، أما اليوم “فأواجه معركة معاكسة مع ابنتي”.
وفي عام 2009، أدى اهتمام المراهقة رانية بالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني بتقربها من الشريعة الإسلامية، وارتدت الحجاب قبل أيام من أن تطردها والدتها، حيث اضطرت إلى المكوث في بيت عمها إلى أن تصالحت الإثنتين فعادت إلى المنزل.
في وقت لاحق، أَجبر رجال الشرطة بالقرب من كلية رانية حيث تدرس اللغة الإنجليزية وآدابها، بالتوقيع على تعهد لإزالة حجابها. وتقول: “قد عزز ذلك مشاعري حول الدين والسياسة. فكنت على يقين من أننا في نظام شرير”.
لكن والدتها تعتبر أن “أولئك الذين يريدون الشريعة ينظرون إلى المرأة على أنها ليست قادرة، وهناك بعض الرجال في تونس من الذين يريدون حبس المرأة في المنزل.”
لكن سليم أغماني، استاذ القانون في جامعة قرطاج، يقول إن استخدام الشريعة كأساس للقانون المدني أمر معقد، مشيراً إلى أنه “لا بد للعلماء أن يستخلصوا أولاً قواعد من الشريعة، في عملية تسمى الفقه”.
في حين أن الشابة رانية تعتقد أن دستور الدولة يجب أن يقترب أكثر إلى الدين، يرى أيمن بن عبد الرحمان أن الأمور يجب أن تذهب في الاتجاه الآخر. فيقول:
“يمكن أن تكون الدولة علمانية من الناحية العملية من دون جعل الناس يخشون من أن دينهم يتعرض للهجوم”.
في الشهر الماضي حكم القاضي على رجلين بالسجن سبع سنوات لنشر الكتابات والرسوم الكاريكاتورية التي تنتقد الإسلام. واعتمد القاضي في حكمه على القوانين التي تعتبر التعدي على الآداب العامة بمثابة جريمة، وذلك في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
وشارك بن عبد الرحمان في مظاهرة كبيرة أمام وزارة الداخلية يوم 14 يناير 2011، التي كانت حاسمة في دفع زين العابدين بن علي على الفرار من البلاد تلك الليلة.
وتقول أُنس، شقيقة الشاب عبد الرحمن، “عندما سمعت أن زين العابدين بن علي رحل عن البلاد، قلت في نفسي: أخيراً أستطيع أن أعيش وأمارس ديني وأرتدي الحجاب من دون أن يزعجني أحدا.
وارتدت أنس الحجاب الإسلامي وهي تدعم فكرة إقامة دولة تقوم على الإسلام.
وقد ساعدها شقيقها بانتقاء الملابس عندما قررت ارتداء الزي الإسلامي.
وعلى الرغم من دعمه لها، تطلب أنس من شقيقها في بعض الأحيان أن يصلي أكثر ويتوقف عن سماع موسيقى الميتاليكا في المنزل.
لكن أيمن يجيبها ضاحكاً: “سوف أذهب إلى جهنم وأحضر حفلاً حياً لفرقة ميتاليكا هناك”!