جحيم الاعتقال في السجون السورية
من الصعب فعلياً معرفة أعداد الذين تم اعتقالهم على يد قوات الأمن السورية خلال السنة الفائتة، معرفةً دقيقة؛ إلا أن الإحصاءات التقريبية تشير إلى أن العدد الإجمالي تجاوز المائتي ألف معتقل، ما يزال يقبع حوالي السبعين ألف منهم خلف القضبان.
أكثر من مائتي ألف حكاية.. وأكثر، يرويها من خبر بطش النظام داخل المعتقلات، وفي أغلب الحالات التي وثقناها، كانت المرارة هي الشعور المرافق لدى الجميع، والإصرار على المضي فيما بدأووه، وهو شيء يثير الدهشة.
في أغلب الحالات التي تم توثيقها، لوحظ أن الاعتقال يجري بطريقتين؛ إما اعتقال عشوائي، يطال المتظاهرين في الشوارع، وحتى من المارة غير المشاركين، وفي هذه الحالة يتم الاعتقال على يد قوات الأمن والشبيحة المرافقين لهم. ويتم عندها حشر المعتقلين في سيارات غالباً ما تكون مدنية تابعة للأجهزة الأمنية، وفي حالات كثيرة تم توثيق اعتقال الناشطين بواسطة سيارات الإسعاف؛ وفي هذه المرحلة يتم الاعتداء عليهم بالضرب بالقبضات والعصي وما شابه، وذلك على مرأى من الناس، ليتم نقلهم فيما بعد إلى فروع الأمن المختلفة.
والطريقة الثانية، والتي تتم بشكل ممنهج، من خلال تنظيم قوائم بأسماء المطلوبين من الناشطين السياسيين، ليتم فيما بعد إما اقتحام بيوتهم أيضاً على يد قوات الأمن من خلال كسر الأبواب وإلقاء القبض عليهم, ومصادرة كل ما تقع عليه ايديهم من أجهزة كومبيوتر وهواتف نقالة وأوراق… إلخ، أو من خلال نصب كمين للناشط وهو في الشارع أو ذاهب إلى عمله.. وإلقاء القبض عليه.
داخل المعتقل حكاية اخرى:
ما أن تطأ أقدام المعتقلين أرض الفروع الأمنية، حتى ينقض عليهم مجموعة من عناصر الأمن المختصين في “استقبال” المعتقلين، فيباشروا الضرب بشكل عشوائي كيفما اتفق. وغالباً ما يشير المعتقلون إلى أن هذا الجزء هو الأسوأ، وأن أغلب الإصابات التي تحدث من كدمات وكسور، تحدث في هذه المرحلة تحديداً، بسبب عشوائية الضرب.
تلي هذه المرحلة مرحلة التفتيش وتسجيل الأسماء والممتلكات المتواجدة مع المعتقلين، ويلي ذلك توزيعهم على الزنازين بانتظار بدء التحقيق.
غالباً لا يتجاوز عرض الزنزانة المتر والثلاثين سنتمترا وطولها المترين، وارتفاعها لا يتجاوز المترين والنصف. غالباً ما تكون الزنازين تحت الأرض، تغرق في إضاءة خافتة شاحبة تتسلل عبر شق في السقف، أما الرطوبة والبرودة فهما العدو اللدود للسجين. وفي هذه الشروط لا يسع المعتقل فعل شيء سوى “تربية الأمل”.
لا تمضي بضع ساعات حتى يتم إحضار المعتقل إلى غرفة التحقيق، وعندها يبدأ الجد. يقف المعتقل وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين في غرفة مكتظة بعناصر الأمن. تنقسم الدوار بين من يقود التحقيق وهم غالباً من الضباط وصف الضباط، ومن تقوم مهمته على التعذيب وإكالة أقذع الشتائم بحق المعتقل.
يبدأ التحقيق بأسئلة بسيطة، وغالباً ما يعتمد أسلوب الترهيب من خلال إلصاق أفظع التهم بالمعتقل، والإشارة إلى أن جميع من مروا من هنا اعترفوا بمن فيهم عناصر “القاعدة”, كما كان يردد أحد المحققين نقلاً عن أحد المعتقلين. غالباً ما ينكر المعتقل علاقته بأي شيء ضد النظام، ويدعي البراءة، عندها تبدأ مرحلة التعذيب.
“ابطحوه” يصرخ المحقق، وعندها يرمى بالمعتقل ارضاً، ويبدأ “الآخرون” في جلده بالسوط (غالباً ما يكون مصنوعاً من كابلات كهربائية مجدولة) على رجليه، ويتم الاستعانة احياناً برمي المياه على الرجلين كي يزداد الألم.
يتدرج التعذيب بدءاً باللكم والرفس بالرجلين مروراً “بالفلقة” والكرسي الألماني والصعق بالكهرباء وصولاً إلى “الشبح”، وهي آلية يعلق من خلالها المعتقل من يديه إلى مكان عالٍ فلا يلامس الأرض سوى رؤوس أصابع رجليه، ويترك على هذه الحالة لفترة طويلة تكفي كي يتخدر كل جزء من جسده المتعب أصلاً. ويكون الرهان هنا على انهيار المعتقل وقبوله بالاعتراف، وهو غالباً ما ينهار.
عادة يستغرق التحقيق والتعذيب المرافق له بضعة أيام، وبعد الحصول على المعلومات التي يجد المحقق أنها باتت كافية، يوضع المعتقل بعد نقله من الزنزانة في غرفة اكبر قليلاً إلا أنها محشورة بعشرات المعتقلين؛ هنا تبدأ مرحلة “التعذيب الناعم”، النوم في هذه الظروف شبه مستحيل، فبسبب ضيق المكان يضطر المعتقلين إلى تقسيم أنفسهم إلى مجموعات تتناوب على النوم، وقد يحصل الواحد منهم على ثلاث ساعات على مدار اليوم. بينما الطعام فغالباً ما يتألف من رغيف من الخبز الجاف مع بضع حبات من الزيتون أو ملعقة من اللبن.. أو ما شابه. وفي الفترات الأخيرة اقتصرت وجبات الطعام على
وجبة وحيدة كما اكد لنا الكثير من المعتقلين المفرج عنهم.
تمتد فترة الاعتقال داخل الفروع الأمنية حتى ستين يوماً، وفي هذه المرحلة غالباً ما يكون المعتقل معزولاً بالكامل عن العالم الخارجي، وعاجزاً عن التواصل مع عائلته. لذا يبقى مكان المعتقل مجهولاً حتى يتم تحويله إلى المحكمة المختصة، التي غالباً ما تفرج عنه.