مازن درويش لـ”اخبار بووم”: نعمل بظروف استثنائية لوأد الطائفية
نسعى لإنهاء سياسة الإفلات من العقاب في سوريا
نعمل في ظروف غاية في الخطورة والاستثنائية والصعوبة
تقارير “هيومان رايتس ووتش” و”أمنستي” غاية في الدقة والحرفية
المجتمعات المحلية والأهلية تجهد في وأد المظاهر الطائفية وحصرها، فيما النظام يدفع باتجاه معاكس
سوريا تلتزم بالمواثيق الضامنة لحقوق الإنسان شفوياً
يعد مازن درويش احد النشطاء الفاعلين على الساحة السورية، وهو ما دفع النظام إلى اعتقاله في شهر شباط الماضي، حيث يقبع في السجن في وضع صحي سيء. “أخبار بووم” كانت التقت درويش قبل اعتقاله واجرت حواراً معه، غير أنه لم يكون بالإمكان نشر المقابلة نظراً لوجود التسجيلات مع أحد النشطاء الذين اعتقلوا في الفترة اأخيرة. درويش يؤكد في المقابلة العمل ضد الطائفية، ومحاسبة النظام تحت سقف القوانين الدولية.
وفي ما يأتي نص الحوار:
1. كيف يمكن لك أن تصف ظروف عمل المنظمات الإنسانية في سوريا، الوطنية منها والدولية؟
الظروف في سوريا صعبة واستثنائية، بالمجمل سوريا من الدول القليلة في العالم التي لا تعترف بالمنظمات الحقوقية. حتى الآن لا توجد منظمات حقوقية مرخصة داخل سوريا، وهذه الحقيقة تضع خلفية للذهنية التي تتعاطى معها الحكومة السورية مع هذا النوع من النشاطات الحقوقية والمجتمعية. ففي الفترة الأخيرة أصبح العمل أكثر صعوبة ومخاطرة. بشكل عام، العديد من النشطاء والمحامين والحقوقيين تعرضوا للاعتقال والمضايقات في نقاباتهم التي يعملون بها، كالمحامي حسن أوسو الذي أحيل إلى محكمة مسلكية بتهمة الدفاع عن حقوق الإنسان، والزميلة رزان غزاوي التي اعتقلت أكثر من مرة. امكانيات المنظمات المحدودة، المادية والبشرية، تشكل عائقا أساسيا في العمل، إلى جانب ضخامة الانتهاكات على مدار اليوم في كل المناطق السورية، وهو ما يشكل تحديا خطيرا لهذه المنظمات، بالإضافة لشروط العمل على الأرض، فهي بالغة التعقيد والصعوبة سواء بالمناطق الساخنة الملتهبة أو باقي المناطق. صعوبات ترجع أساسا إلى “عدم مشروعية” هذا النشاط. فالنشطاء مستهدفون، وغياب أي ضمانة لسلامتهم الجسدية، في المناطق الساخنة تحديدا، يجعل من هؤلاء النشطاء مناضلين حقيقيين اعتدنا السماع والقراءة عنهم في الأفلام والروايات. هنالك شبان وأشخاص يعرضون حياتهم لأخطار حقيقية في سبيل الكشف عن تلك الانتهاكات وتوثيقها.
2. سوريا وقعت على ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو إلى صون كرامة وحقوق الإنسان الأساسية والسياسية، هل تخل سوريا بالتزاماتها الدولية؟
سوريا بالمعنى النظري هي من أكثر الدول العربية الموقعة والمصادقة حتى على الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة، بدءاً من اتفاقية مناهضة التعذيب إلى اتفاقية عدم الاتجار بالبشر، أما من ناحية التطبيق العملي على الأرض فقد أثبتت أحداث الانتفاضة السورية أن سوريا من أكثر بلدان العالم انتهاكا لحقوق الإنسان وانتهاكا للاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها، عدم احترام حقوق الإنسان وسطوة الأمن على حياة البشرعلى مدار سنوات وعقود طويلة كانت من الأسباب الرئيسية والفعلية لانتفاضة الشعب السوري، ولو التزمت الحكومة السورية بالتزاماتها الموقعة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ولما انتفض الشعب السوري.
3. كيف يمكن وصف وضع السجناء والمعتقلين في السجون السورية حاليا؟
لا يوجد منهجية يمكن تعميمها على كل المعتقلين، أو حتى الأجهزة التي تنفذ تلك الاعتقالات. فلكل معتقل خصوصية ولكل فرع أمني طريقته في التعاطي مع أولئك المعتقلين. المشكلة الأساسية تكمن في سياسة التوقيف الأمني في أجهزة وفروع الأمن المتعددة، بسبب غياب امكانية الحصول على أي معلومة عن المعتقل أو سبب اعتقاله، وتغييب حقوق يكفلها الدستور السوري، فلا يمكن للسجين التواصل مع العالم الخارجي أو توكيل محامي. في سجون وزارة الداخلية تخف وطأة الاعتقال، ويوصف من ينهي فترة التحقيق في فرع أمني ومن ثم يحال إلى سجون الداخلية بأنه رزق بعمر جديد، نظرا للفرق الشاسع بين سجون “الداخلية” وأقبية التحقيق ومراكز التوقيف المؤقتة في الفروع الأمنية، سجون وأجهزة وزارة الداخلية تكفل حدا أدنى من الحقوق الإنسانية للمعتقلين والموقوفين، بينما جرى تسجيل مئات حالات الموت تحت التعذيب في سجون الفروع الأمنية الأخرى، وهو ما يندر في سجون “الداخلية” المعدة أساسا لاستيعاب السجناء الجنائيين.
4. هل بات لديكم تصور لوضع من يوصفون بـ”المختفين”، أي أولئك المتظاهرين والنشطاء الذين لم يثبت مقتلهم أو اعتقالهم بصورة قطعية بعد؟
هذه قضية تشكل تحديا هائلا. فرغم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري لأعداد كبيرة من المعتقلين خلال الفترة الماضية، لم يجر توثيق سوى ما يقارب 10 بالمئة من تلك الحالات، وهو ما يفتح الأبواب أمام أسوء الاحتمالات والتقديرات والتكهنات. بالنسبة لنا، وبالمعيار الحقوقي، فإن كل معتقل مر على اعتقاله 60 يوما من دون إحالته إلى القضاء بمثابة مختف. بعض الحالات ممكن ألا تنطبق عليها سمة الاختفاء القسري إذا عُلم مكان الاعتقال، ممكن أن نعرف تفاصيل عن هؤلاء المعتقلين من داخل المعتقل، وبالاستناد أساسا الى ما يرويه السجناء المفرج عنهم، وعما رأوه أو سمعوه خلال فترة اعتقالهم، وللأسف ذلك لا يشكل أي ضمانة كافية لأننا في النهاية لا يمكننا لقاء كل المعتقلين. أضف إلى ذلك مسألة غاية في الأهمية، فأجهزة الأمن السورية بعد رفع حالة الطوارئ نظريا، ما تزال تمارس نفس الانتهاكات وتستخدم ذات الأدوات التي أدمنت استخدامها سابقا. حالات قليلة جدا بالمقارنة مع كمية الاعتقال تلك التي تمت ضمن الأطر القانونية، والكم الأكبر يتم خارج تلك الأطر، لذلك وارد جدا أن تغيب المتابعة في تلك القضايا. ونلفت إلى أن الحكومة السورية وأجهزتها لا تصدر أي أرقام أو أسماء أو بيانات دقيقة حتى للمفرج عنهم، ولنتذكر سوية أن عمليات الإفراج أعلن عن اشتمالها على مجموعات محدودة وبشكل جزئي وأعلن فقط عن أرقام.
الاعتقالات مستمرة بشكل يومي للأفراد، وفي مرات متكاثرة تشمل المئات في حملات عشوائية ومنظمة في المناطق الساخنة، وبذات الوقت يجري إطلاق سراح آخرين من دون رصدها أو توثيقها، ويصعب حقيقة في ظل الظروف الأمنية شديدة التعقيد لأي منظمة حقوقية أن تمارس عملها، خصوصاً في ظل حالة التكتم الشديد التي تمارسها الحكومة السورية بما يتعلق في هذا الجانب، وجوانب أخرى متعددة.
5. هل قدمت المنظمات الحقوقية الدولية أي دعم من أي شكل للمنظمات والنشطاء الذين يعملون على توثيق الانتهاكات والجرائم في سوريا، وهل يجري العمل حاليا على إعداد أي ملفات قضائية بحق المتورطين بارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات؟
المنظمات الدولية منذ بداية الأزمة تحاول أن تقوم بدورها على أفضل وجه، وصدر عنها مجموعة من البيانات والتقارير أقل ما يقال عنها بأنها كانت حرفية ومهنية، ومنها منظمتا “هيومان رايتس ووتش” أو “أمنستي” الحقوقيتان، فقد استطاعتا من خلال الاتصال المباشر بالضحايا والشهود والعائلات من المناطق الساخنة الذين لجئوا إلى دول الجوار، إعداد تصورات وإحداثيات دقيقة لما جرى ارتكابه بحق المدنيين والمناطق المنتفضة، وكانت مضامين تلك التقارير مؤسفة بقدر ما كانت دقيقة، حيث أشارت إلى مدى تردي الأوضاع الحقوقية وانتهاك الكرامة الإنسانية في سوريا. وباعتقادي أن تلك المنظمات وقفت دائما ضد سياسة الإفلات من العقاب، ومتأكد من انطلاق خطوات إعداد ملفات قضائية تتناول الانتهاكات ومرتكبيها، والعمل على ضمان محاسبتهم. نتمنى بدورنا كمنظمات حقوقية محلية أن تنتهي في سوريا مرحلة الإفلات من العقاب، وبنفس الوقت نستطيع تشكيل مسار للعدالة الانتقالية في سوريا، وصولا إلى مصالحة وطنية شاملة.
6. هل رصدتم كمنظمة حقوقية بوادر صراع أو حوادث طائفية وقعت في سوريا؟
نعم في الفترة الاخيرة، ورصدنا تصاعدا في التسلح، وفي وقوع عدد من العمليات المسلحة حملت صبغة طائفية، تتولد عنها ردود فعل عنفية، ويذهب ضحيتها العديد من المدنيين، ومن الممكن ألا يكون لهم أي اصطفاف في الصراع الدائر، وهناك جهود حقيقية على الأرض تبذل من أجل حصر تلك الحوادث وتلافيها، تقوم بها أساسا المجتمعات المحلية والأهلية، ووجهاء المناطق والشخصيات ذات المكانة الاجتماعية ومواطنون عاديون يقومون بجهود حقيقية لوأد تلك الظواهر في مهدها. وتتشارك المنظمات الحقوقية والنشطاء في محاصرة تلك الحوادث وعزلها، وضمان عدم انتشارها أو تسويقها، دون نكرانها بالطبع. للأمانة، وبعد كل هذا العنف واستباحة الحقوق الإنسانية بالشكل الذي تم في سوريا، قد تكون كل تلك الجهود مهددة طالما لم يتم الوصول إلى حلول ومخارج سياسية، العنف غير الموصوف قد يولد للأسف توجهات من هذا النمط. ومن خلال كل التجارب نعتقد أن المجتمعات تخسر بأسرها وينعدم الرابحون، ويسيطر عنف مشحون ومسموم على مستقبل تلك المجتمعات وحاضرها.
7. هل الحرب الأهلية خطر محدق وحتمي يتهدد سوريا، وما الذي يدفع الأمور بهذا الاتجاه، وكيف ممكن تجنب سيناريو مشابه؟
لا أظن أننا على مقربة من تلك العتبة ومن وقوع حرب أهلية بمعناها الواسع، نحن في مرحلة خطر قائم وحقيقي، القتل على أساس طائفي موجود للأسف، مفاتيح الحل والتفجير بيد السلطات السورية، ممكن أن تدفع تلك السلطات المجتمع السوري لاقتتال داخلي واسع إذا استمرت بنفس السياسات والأدوات بدون إيجاد مخارج وحلول وطنية مقبولة. نعم نحن معرضون للأسوء، احتقان الشعب السوري عمره عقود، انتظر وصبر المجتمع السوري إنجاز مصالحة وطنية عن الماضي، وجبر الضرر الواقع بحق الناس الذين تعرضوا في السابق لانتهاكات، وطالما رفضت السلطات ممارسة دورها وواجبها، وعلى مدار السنوات الأخيرة واصلت السلطات السورية تجاهلها لكل تلك المطالب والمتطلبات لتنفيس الاحتقان، لا بل عملت على تفجيره خلال هذه الانتفاضة.
ثقتي بالشباب السوري والشعب السوري مطلقة، كل نقطة دم سورية ثمينة، وإهدارها بالمعنى الوطني العام جريمة، بغض النظر عن طائفة الضحية أو مهنتها أو موقعها أو رأيها السياسي، من الجيش والامن والمدنيين السلميين، لكن بكل تأكيد هذه التضحيات السورية الجسيمة لا يمكن إلا وأن توصلنا في نهاية المطاف إلى بر العدالة والحرية والانصاف، ودولة القانون والمؤسسات، التي تعمل على حماية وتعزيز حقوق الإنسان والمواطن، وتلاحق كل منتهك أو مرتكب لجرم، وتغلق الباب نهائيا أمام المجرمين المتفلتين من عقاب مستحق.