بيروت – «أخبار بووم»
لعل القمة الروحية، التي عقدت الثلاثاء بدار الفتوى اللبنانية، كانت من بين القمم الأقل توتراً في تاريخ القمم الروحية في ظل الاصطفافات الجديدة في موقعي الطائفتين السنية والمارونية، وهو ما ترجم في البيان الختامي الذي خلا من التطرق إلى الملفات الشائكة، بما في ذلك ملف المحكمة الدولية وسلاح حزب الله، واكد على مجموعة من الثوابت العامة ازاء استقرار لبنان والمنطقة واوضاع الفلسطينيين.
ولولا الخطأ التقني الذي سمح بنقل جزء من مداخلة البطريرك الماروني، مار بشاره بطرس الراعي، لكانت القمة سارت من دون اي منغصات، ولاسيما انها لم تشهد اي تحفظات على غرار ما حدث قبل فترة عند استضافة بكركي لقاءً مماثلاً. الا ان الخطأ التقني نفسه كان كفيلاً بافهام من لم يفهم بعد أن مواقف الراعي الاخيرة تجاه سوريا والحراك العربي في المنطقة، لم تكن هفوة أو زلة لسان، بل هي ثوابت لن تتغير في المدى القريب، وذلك بتجديده التحذير من مخاطر انزلاق سوريا إلى حرب مذهبية بين السنة والعلويين، وتحول المنطقة إلى دويلات طائفية، وتسلم جماعات أصولية الحكم.
وفي الحالات العادية كان خطاب مماثل كفيلاً أن يثير ردود فعل شرشة من دار الفتوى، الا انا المفتى محمد رشيد قباني، المدرك لما سيتضمنه خطاب الراعي من تكرار لتصريحاته الباريسية، قارب هواجس البطريرك الماروني بهدوء غير معتاد، مشدداً على أنه “لا خوف على أحد من أحد، لا في لبنان ولا في المنطقة العربية كلها”، وذلك بعدما خلع قباني في الاونة الأخيرة رداء التعصب وبات اكثر هدوءاً وهو الباحث عن داعم له يقيه غضب تيار المستقبل عليه.
اما البطريريك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فتكفل منذ تسلمه موقعه في قلب ثوابت بكركي رأساً على عقب، انطلاقاً من حرصه على حماية موقع المسيحيين في الشرق، حتى بدت القمة وكأنها جاءت لتقديم الدعم لقباني والراعي في اصطفافاتهما الجديدة، فيما كان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، عبد الأمبر قبلان، الأكثر ارتياحاً، لمواقفه الثابتة إلى جانب القطبين الشيعين حزب الله وحركة أمل.
وانعكس التوافق بين المراجع الروحية على البيان الختامي للقمة، الذي تضمن نقاطاً سبع أهمها التأكيد على متانة العيش الوطني، والتفاعل التاريخي والحاضر في المنطقة العربية بين المسلمين والمسيحيين، استنادا لانتمائهم العربي، هوية وثقافة، ولتجربتهم العريقة والغنية، وللتحديات المشتركة والمصير الواحد، والتأكيد على ان وجود المسيحيين في هذا الشرق هو وجود تاريخي واصيل وان دورهم اساسي وضروري في اوطانهم.
كذلك شدد المجتمعون على اهمية استقرار لبنان والوقوف سداً منيعاً بوجه كل المحاولات الخارجية التي تستهدف زعزعته وزرع الفتنة في ما بيننا. كما تبنى المجتمعون مخاوف الراعي من الحراك العربي، معتبرين أن “الحراك الجاري في البلدان العربية المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية، يتيح فرصاً يقتضي الاستفادة منها لحماية هذا الحراك ومنعه من الانزلاق إلى ما قد يتجه به اتجاهات تنحرف به عن غاياته الأصيلة أو تكون سبباً في إثارة الهواجس والمخاوف. وأشاروا إلى أن “المطلوب من الجميع الحرص على الإصلاح والتطوير والانفتاح ومراعاة الإرادة الشعبية والتمسك بالدولة المدنية القائمة على مفهوم المواطنة بما يبدد كل الهواجس ووجوه القلق ويعزز الثقة بالعيش الواحد، والحرص في الوقت ذاته على أمن المجتمعات والانسجام بين فئاتها، وصون المصالح الوطنية والقومية. مع التأكيد على رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم والعنف والاستبداد”.
أما في الموضوع الفلسطيني، فجددوا التأكيد على ضرورة الالتزام “برفض توطين اللاجئين الفلسطينيين شكلاً وأساساً، ويتمسك بحقهم في العودة إلى أرضهم ووطنهم عملا بقرار مجلس الامن الدولي رقم 194”. كما اعتبروا أن “العمل على تحرير بقية الأراضي اللبنانية والعربية المحتلة وتحرير المقدسات الاسلامية والمسيحية مما تتعرض له من انتهاك واعتداء، واجباً وطنياً وعربياً جامعاً وبحكم قرارات الشرعية الدولية. وأهابوا بالأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس”.